|
غلق |
|
خيارات وادوات |
مواضيع أخرى للكاتب-ة
بحث :مواضيع ذات صلة: فاطمة ناعوت |
طنطا … تصدحُ شِعرًا … وتشدو مددًا
"قرطبة" الإسبانية وليس العاصمة "مدريد"، "روتردام" الهولندية وليس العاصمة "أمستردام"، "جَرَش" الأردنية لا العاصمة "عمان"، “بابل” و"مربد البصرة" العراقية وليس العاصمة "بغداد"، “دهوك” و"السليمانية" الكردستانية وليس العاصمة “أربيل”، "فالينسيا" الفنزويلية وليس العاصمة "كاراكاس"، "أصيلة" المغربية، "قرطاج" التونسية، "الشارقة الإماراتية، "مديين" الكولومبية، ثم "طنطا" المصرية، جميعُها مروجٌ خضراءُ تستقبل طيورَ الشعر المهاجرة الهاربة من ضجيج العواصم لكي تحطَّ رحالَها هادئةً غير مذعورة من الياقات العالية المنشّاة. هكذا يتوقُ طائرُ الشِّعر أن يحلِّقَ بعيدًا عن صخبِ العواصم الرسمية، ويفرَّ إلى وهادِ المدن الهادئة ليحطَّ على أشجار مطمئنة تستجيبُ أوراقُها لإيقاع النسيم الخافت؛ فيتجلى صدحُه ويصفو شدوُه. هنالك يهمسُ لي عصفورُ الشعر ويبوحُ بسرِّه وهو يلتقطُ القمح من قلبي: “أنا هنا آمنٌ، أنا هنا حيثُ أنتمي." ثم يضعُ الشدوَ على لساني قصائدَ وفرحًا. في كل مرة ألقيتُ فيها قصائدي في مدينة من مدن العالم بعيدًا عن العواصم، كنتُ أغارُ على بلدي مصرَ، وأتوقُ لأن يكون لمصرَ مهرجانٌ شعريٌّ عالميٌّ عالي الصوت شاهقُ المقام، يجتذبُ شعراءَ العالم من بلادهم إلى حيثُ المدن والقرى المصرية الجميلة. وكان "مهرجان طنطا الدولي للشعر"، الذي شرفتُ بالمشاركة في دورته الثامنة ٢٠٢٢ قبل أيام. الشاعر الإعلامي "محمود شرف" مؤسسُ المهرجان ومديره، صدّقَ الحُلمَ، فصدّقَه الحُلمُ؛ وتحقق بين يديه. كان يحلم بأن يتحرّرَ طائرُ الشعر من إسار الغرف المغلقة إلى رحاب الشوارع والساحات والمدارس والجامعات والقرى والنجوع حتى يصلَ إلى الناس. ودائمًا الناسُ في انتظار الشعر. لا تصدقوا أن الناسَ عازفةٌ عن سماع الشعر. فقط الناسُ لا تجدُ الشِّعرَ ولا تعرفُ طريقَها إلى قاعاته السرية المغلقة. في واقعنا المصري كثيرًا ما يُعامَلُ الشِّعرُ معاملةَ "الخطيئة" أو “الجريمة”. يتمُّ في أماكنَ سريّةٍ لا يعرفُها إلا مرتكبو الجريمة: الشعراء! لا يُنّوّه عن مواعيد فعالياته وأماكنها، اللهم إلا على استحياء على صفحات الشعراء أنفسهم. وحتى الإعلامُ الراكضُ بجنون وراء أخبار الجريمة، يتغافلُ عن الإعلان عن "جريمة" الشعر!! فلسفةُ أن يذهبَ الناسُ إلى الشِّعر، فكرةٌ قديمة متعالية لا تليقُ بمقام سلطان الشعر الكريم. ولماذا لا يذهبُ الشعرُ إلى الناس؟! لا يليقُ بالشعر أن يظلَّ حبيسَ القاعات المغلقة حيث منتجُ الشعر هو مستهلكُه. أرادَ الشاعرُ "محمود شرف" أن يُحرّر جناحي الشعر لكي يطير إلى حيث يريدُ ويحطَّ على أيكاتٍ لا تعرفُ القيود. وقبل سنواتٍ ثمان غرس فكرتَه الطيبةَ في تربة الوجود، وظل يرويها عامًا بعد عام حتى صارت شجرةً وارفة يتوقُ شعراءُ العالم أن يحجّوا إليها ويستظلّوا بظلالها، حاملين معهم طيورَ قصائدهم، لتنطلق في مدينة "طنطا" ذات السَّمت الروحاني الآسر. استنبت "محمود شرف" مع زملائه الشعراء الذين آمنوا بحلمه، محارةً تحتضنُ لؤلؤةَ الشعر التي راحت تكبر عامًا بعد عام حتى صار بريقُها يُشعُّ في أرجاء العالم.
|
|
| ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد | نسخ - Copy | حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | اضافة موضوع جديد | اضافة خبر | | |||
| نسخة قابلة للطباعة | الحوار المتمدن | قواعد النشر | ابرز كتاب / كاتبات الحوار المتمدن | قواعد نظام التعليقات والتصويت في الحوار المتمدن | | غلق | ||
المواضيع المنشورة لا تمثل بالضرورة رأي الحوار المتمدن ، و إنما تمثل وجهة نظر كاتبيها. ولن يتحمل الحوار المتمدن اي تبعة قانونية من جراء نشرها |