شهرٌ من الإجرام الإسرائيلي!


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 7793 - 2023 / 11 / 12 - 12:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

ضربَ ظالمون ظالمين، لكن الأبرياءَ يسددون الفاتورة الباهظة من أرواحهم وأرواح أطفالهم. بدأت "حماس الإخوانية" بالشرِّ، وردّت إسرائيلُ الفاشيةُ بشرٍّ أشرَّ وأفجرَ. باغون يقصفون باغين مُحتلين قصفًا غبيًّا أحمقَ غيرَ مدروس، ثم يختبئون! فيردُّ الباغون المحتلون المقصوفون بقصف مضادّ أعنفَ وأغبى وأكثر حمقًا، لا على الباغين القاصفين المعتدين المختبئين، بل على مدنيين أبرياءَ لم يعتدوا ولم يكونوا من الباغين!
شهرٌ كامل وأيام ثقال مرت كدهور بطيئة الخطو على الإجرام الوحشي الذي ترتكبه إسرائيل في قطاع غزة أسفر عن ما يربو على ١٠ آلاف شهيد من المدنيين العُزّل نصفهم من الأطفال! وتفجير وهدم أكثر من ٦٠ مدرسة ومئات الآلاف من الوحدات السكنية وتدمير أكثر من ١٠٠ منشأة صحية، وفق تقرير منظمة الصحة العالمية، كان آخرها مستشفى لعلاج الأورام (أيُّ خِسّةٍ وانحطاط أخلاقي!) ما نجم عن تشريد آلاف المرضى الفلسطينيين من المدنيين منهم مرضى قلب وأطفال ونساء ومسنّون وعدد ضخم من مرضى السرطان في مراحل حرجة لا يجدون علاجًا بعدما تهدّمت مشافيهم، وتم نقلهم إلى مستشفياتنا المصرية في الشيخ زويّد والإسماعيلية وبور سعيد والقاهرة لإنقاذهم واستئناف علاجهم المبتور بسبب إجرام بني صهيون الآثمين الذين ضنّوا على المرضى الفلسطينيين العلاج في وطنهم فلسطين! أيُّ مجرم حرب بوسعه استهداف مرضى طريحي الفراش لا حيلة لهم؟! شيءٌ عجيبٌ بغيضٌ لا يستوعبه عقل! لكن حين تُذكر كلمة "إسرائيل" في المعادلة يصيرُ العجيبُ عاديًّا ومن طبائع الأمور! فتلك أدبياتهم التي نعرفها منذ احتلوا فلسطين وغرسوا أنفسهم المريضة في قلب المجتمع العربي لكي يصيروا شوكة مُدمّاة لا تخرجُ إلا بالدم والنار. ومن تجليّات الفُجر الإسرائيلي في حرب الإبادة الدائرة الآن في غزّة الجريحة، استخدامهم مادة الفوسفور الأبيض الحارق ما نتج عنه حالات لا حصر لها من الحروق وبتر الأطراف إضافة إلى تهتك الرئة وغيرها من الكوارث الصحية المخيفة! ومن تجليات فُجر إسرائيل في الخصومة استئجارها مرتزقة أجانب لا قلوب لهم للقتال في صفها مقابل ٣٩٠٠ يورو في الأسبوع الواحد لكل فرد مرتزقة. وكأن برابرة العالم قد اجتمعوا على المدنيين الفلسطيينين الأبرياء! ويعترفُ المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بكل صلفٍ بأنهم تمكّنوا من شق قطاع غزة وتقسيمه إلى شمال وجنوب، وبأنهم يرفضون دخول الوقود إلى قطاع غزة وبأنهم دمّروا ٢٥٠٠ هدفًا في غزة حتى اليوم!
هذه هي إسرائيل المجرمة التي نعرفها نحن المصريين حقّ معرفة بسبب تاريخنا الطويل مع الصهاينة واحتكاكنا المباشر معهم في خمسة حروب ضروس شاهدنا خلالها خستّهم وغلاظة قلوبهم، ولكن المجتمع الغربي في مجمله للأسف لا يعرف الوجه القبيح لإسرائيل لأنها تجيد إدارة الآلة الإعلامية "بحرفنة الصايع" لكي تبدو أمام العالم الكيانَ الطيب المسالم المتحضر المُضطهد المجنيَّ عليه من جميع الدول العربية المحيطة به! لعن الله "بلفور" وجميع من ساهم في زرعها في أرضنا العربية!
والحديث عن إجرام بني صهيون وفُجرهم في الخصومة في الحرب وفي السلم كذلك، يضيق عنه مقالٌ أو مجلّد. فنحن المصريين أكثر مَن يعرف ذلك خلال حروبنا معهم منذ عام ١٩٤٨ حيث قيام دولتهم المزعومة، وحتى كسر شوكتهم ودحرهم في حرب أكتوبر المجيدة عام ١٩٧٣ مرورًا بحروب شتى في ١٩٥٦ حيث العدوان الثلاثي على مصر و٦٧، وحرب الاستنزاف ١٩٦٨١٩٧٠، وجميع تلك الحروب التي خاضتها مصرُ بجيشها العظيم الباسل كانت دفاعًا عن قضية فلسطين العادلة وحفاظًا على الأمن القومي والعربي. ومن نافلة القول إن التاريخ يشهد بأن مصرَ العظيمة هي أكثر وأهم مَن ناصر القضية الفلسطينية ليس منذ قيام دولة إسرائيل عام ٤٨ وحسب، بل قبل ذلك حين ظهرت بوادر تلك الكارثة بهجرة اليهود المتزايدة إلى فلسطين فعقد "الملك فاروق" أول مؤتمر برلماني للبلاد العربية والإسلامية دعمًا لفلسطين وأمنها، وكان الجيش المصري في طليعة الجيوش في حرب ٤٨، ثم استلم راية النضال من أجل فلسطين جميع زعماء مصر التالين. هذا تاريخٌ ناصعٌ ليس بوسع أحد أن ينكره؛ فلا مزايدة على مصر فيما يخسُّ قضية فلسطين. فأكثر دمٍ أُهرق من أجل فلسطين كان الدم المصري. وهذا واجبٌ نبيلٌ لا ننتظر مقابله شكرًا، فقط نُذكّر به أمام أعين المزايدين الكذبة.
المحزنُ بحق أن فاتورة الحرب الراهنة بين إسرائيل المحتلة المجرمة وحماس الباغية، والتي لا يعلمُ إلا اللهُ متى تنتهي وعلام سيكونُ مُنتهاها، لا يسدّدُ فاتورتَها إلا المدنيون الفلسطينون والأطفالُ الأبرياء الذين صاروا رغمًا عنهم دروعًا بشرية تُقصفُ في البيوت والمدارس والمشافي، يدفعون أرواحهم نيابة عن منظمة حماس الإخوانية التي أشعلت نارًا غير محسوبة العواقب وتركت أبرياء عُزّل من الأطفال والشيوخ والنساء المدنيين يحترقون بها. حسبنا الله هو نعم الوكيل، فقد جاوز بنو صهيون المدى.
***