قلقاسٌ أخضرُ … وثلجٌ ناصعُ البياض


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 7866 - 2024 / 1 / 24 - 12:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

الجمعةَ، ١٨ رمضان، عام ١٤٣٤ هجرية، الذي وافق بالميلادي ٢٦ يوليو عام ٢٠١٣، هو يومُ إرادة الشعب المصري، الذي احتشد في ميادين مصرَ وشوارعها لمطالبة جيشنا العظيم بالتدخّل الحاسم لحماية هُويتنا المصرية و ومجابهة حِمم الغِلِّ الإخواني البغيض، الذي انفجر في وجوهنا كما بركانٍ مسموم، بعدما أسقطنا الإخوان عن عرش الجميلة المحروسة. كنتُ أقفُ على المنصّة أمام قصر الاتحادية أتحدث إلى الناس بملء قلبي الخائف على مصر من الشرر الإرهابي، وإذا بالشيخ "محمد رفعت" يرفعُ أذان المغرب بصوت نازل من السماء كما قَطرِ الندى العذب يبلِّلُ الأرضَ العطشى وينسربُ داخل أرواحنا مثل إكسير حياةٍ لملهوف. جلستُ على الأرض وقد هدّني التعبُ والظمأ في قيظ يوليو. وإذا بيدٍ تمتدُّ إلى بثمرة تمرٍ وقنينة ماء. رفعتُ عيني إلى وجه الفتاة المليحة التي قدّمت لي ما أكسرُ به صيامي، وشكرتُها بابتسامة، ثم نزلت عيناي إلى يدها لألتقط التمرة من كفّها، فإذا بصليبٍ أزرقَ مرسوم على رُسغها! هنا أدركتُ لماذا نحن شعبٌ عصيٌّ على التمزيق والشتات وشقّ الصفّ. هي مصرُ الغنيّةُ بشعبها الذي لا يعرفُ إلا الحبَّ ولا يسمحُ ببذور الشقاق أن تنبتَ على أرضه، مهما حاول المُبغضون غرسَها. يومها استوثقتُ أن شعبنا الطيبَ الذكيَّ يعرفُ كيف يحفظُ عهدَ الله؛ لنظلَّ في رباطٍ إلى يوم الدين.
لم أذق في حياتي تمرةً أشهى من تلك، مازالت حلاوتُها في مذاقي وفي قلبي. وليس أشهى من أقراص الكعك تخبزُها الجاراتُ المصريات معًا، مسلماتٌ ومسيحيات، في ليالي رمضان استعدادًا لعيد الفطر، وفي عشيات قدّاسات عيدَيّ الميلاد والقيامة. فإذا ما عادت الصَّبيّاتُ عند العصر من الأفران يحملن فوق رؤوسهن صاجات الكعك، تبدأ النسوةُ في رشّ السُّكر المطحون على أقراص الكعك المتوهّج بنار الفرن ودفء المحبة في قلوبهن. وإذا ما أشرقتْ صباحاتُ العيد، طافتِ الصحونُ بين أبواب الدور محمّلةً بالكعك والبسكويت والحُبّ. أقراصُ الكعك لا تعرفُ التمييز بين هلال وصليب وإنجيل ومصحف، فالكلُّ يذوبُ في فيوض المودّة والوطن، مثلما تذوب فتاتُ الكعك على الألسنٍ الطيبةٍ التي لا تعرفُ إلا كلماتِ السلام.
وليس أشهى من حبّات القلقاس البيضاء، تسبحُ في النهرِ الأخضر يمورُ به صحنٌ تقدّمه لي يدٌ مصريةٌ قبطية، في "عيد الغطاس المجيد" الذي حلّ أمس الأول. هذا بابُ بيتي يُطرَق. أفتحُ لأجد سيدةً جميلة من قرائي، صارت مع الوقت صديقةً وشقيقةً، تحملُ لي قدرًا من القلقاس الشهي في ليلة الغطاس! الصعيدية الجميلة "سميرة صبحي مِلِك"، في ليلة عيدها، تقفُ في مطبخها ساعاتٍ لتطهو لي ولأسرتي قدرًا من القلقاس الشهي لأنها تُدرك حبي له! ثم تتركُ أسرتَها في عشية العيد، وتمضي ساعاتٍ أخرى في الطريق الطويل من بيتها إلى بيتي لتقدمه لي مع باقة من الزهر الأحمر! تلك هي سيمفونية المحبة، التي لا تسقطُ أبدًا، والتي ترفعُ الجبالَ وتحمي الأوطان وتدفئُ القلوب.

عيدُ الغطاس، الذي يزورنا يوم ١١ من شهر "طوبة" الصقيعي، يتزامنُ هذا العام مع "اليوم العالمي للثلج" الذي يحلُّ في الأحد الثالث من شهر يناير كل عام، كما أقرّته الفيدرالية العالمية للتزلّج على الجليد FIS عام ١٩١٠، من أجل تعزيز رياضات الثلج وتشجيع الناس على الاستمتاع بفصل الشتاء، والتناغم مع الطبيعة في أقصى وأقسى مستويات برودتها وبُعدها عن الشمس. وتلبيةً لدعوة كريمة من "سكي مصر" Ski-Egypt، ذهبتُ مع ابني الجميل "عمر" لقضاء يوم مدهش في التزلج على الجليد واللعب بكرات الثلج مع البطاريق والدلافين، ضمن فعاليات يوم الثلج العالمي الذي تشارك فيه سكي-مصر على مدى ثلاثة أيام. وعدا الشخصيات العامة، دعت محاربات السرطان في مستشفى "بهية"، وأطفال "مستشفى الناس"، والرعاة الخيريين لحملة "مانحي الأمل العالمية"، وجمعيات عديدة من رعاة ذوي الهمم، من أجل منحهم يومًا مشرقًا في حديقة الثلج الهائلة التي تقع على أكثر من ٧٠٠٠ متر مربع داخل مول مصر. ومن أجل هذا التفوق في غرس رياضة الصقيع على أرض أفريقية حارة، ومن أجل اهتمامها بنشر البهجة في قلوب المرضى، استحقت Ski-Egypt أن تفوز بجائزة "أفضل يوم للثلج عالميًّا" العام الماضي ٢٠٢٣، وهي شهادةٌ توثّق التزام المنشأة المصرية الواعدة بتدشين رياضة جديدة على مجتمعنا وتعزيز مشاركة المجتمع بجميع فئاته لممارسة رياضة تُدخل السرور على القلوب الكسيرة.
خلال يومين متعاقبين: السبت والأحد، ذاقَ لساني خضرةَ القلقاس الشهيّ من يد "سميرة"، وذاقت عيناي بياضَ الثلج النقيّ من يد سكي- مصر، ليتعزّز في قلبي أجملُ لونين على دائرة ألوان نيوتن. "الأخضرُ" رمزُ السلام والمودة، و"الأبيض" رمزُ النقاء ونظافة القلب واللسان. كل عام ونحن شعبٌ أخضرُ القلب أبيضُ الروح.

***