له خفقة في كل قلب... PPHH


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 7803 - 2023 / 11 / 22 - 10:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

في هذه الأجواء العدمية القاسية التي نعيشها اليوم، وسحابات الحزن والأسى التي تُخيّم على الوجوه وتخزُ القلوبَ بوخزات الوجع جرّاء ما يحدث في فلسطين الحبيبة من مذابح لا يتصورها العقل، ألوذُ بأحد سبل المقاومة، وهي التمسّك بالأمل في أن شيئًا طيبًا لابد أن يحدث، وأن الله لابد كاشفٌ هذا الضُّرَ عن وجه الحياة. وصدق "محمود درويش" إذ يقول: "على هذه الأرض ما يستحقُّ الحياةْ".
دعوني أحدثكم عن شيء جميل في هذا العالم الحزين. رجلٌ استثنائيٌّ من صُنّاع الجمال في الأرض. يتفقُ عيدُ ميلاده مع "اليوم العالمي للتسامح" ١٦ نوفمبر. ولا أظنُّ أن هذا من قبيل المصادفة. فإن للحياة وعلم الأرقام والتواريخ خواريزماتٍ وأسرارًا وعجائبَ لا تخلو من منطق. فإن أردتَ أن تختارَ إنسانًا تمنحه لقب "ملك التسامح، والإنسانية"، لن تجد أفضلَ من هذا العالِم المصري الأسطوري.
حين سُئل عن سر نجاحه وشهرته العالمية التي جابت الآفاق قال ببساطة إنه يختصرُ النجاحَ في حروفٍ ثلاثة هي: .P.P.H. وهي اختصارٌ لثلاث كلمات. الأولي: Passion، وهو الشغفُ بما تعمل، الثانية:Persistence وهو المثابرة على إتمام الرسالة، وأخيرًا: Humbleness أي التواضع. وجُماع ما سبق هو: PPH. ولكنني أخبرته بأنه نسي حرفًا رابعًا في منظومة نجاحه، وهو حرف:H ليقف محل: Humanity، وهي الإنسانية التي تُحرّك هذا الرجل الجميل. وهنا نحصل على الخلطة السحرية PPHH التي كوّنت هذا الرجل العظيم: السير "مجدي يعقوب"، الذي نحتفلُ بعيد ميلاده هذا الشهر.
لهذا الرجل خفقةٌ في كلِّ قلبٍ مصريّ، وصورةٌ على كل جدار. له مكانٌ على منصّات العلم في جميع أرجاء العالم، ومبضعُ جراحة على كلّ طاولة تُطيّبُ قلبٍ موجوع. له حلمٌ في صدر كلِّ إعلامي يودُّ استضافته في لقاء ولا يطاله؛ لأنه مشغولٌ بعلاج القلوب الواهنة، وله ومضةُ عدسة في كلِّ كاميرا تلاحقُ إنجازاتِه الطبية لصالح الإنسان. لكنه هاربٌ من الضوء، زاهدٌ في الحديث، عازفٌ عن الدروع والأوسمة والتكريمات والشاشات والمنصّات. إنه مشغولٌ بضبط إيقاع قلب طفل يكادُ يفارقُ الحياة قبل أن يدركها، أو قلب أبٍ تتضرّعُ أسرتُه إلى الله لكي يعودَ إليها، أو قلب أمٍّ يبكي أطفالُها في انتظار عودتها إليهم.
هو المايسترو الذي منحه اللهُ عصًا قادرةً على ضبط إيقاع القلوب على نغمة الحياة. تأتي إليه قلوبٌ كسيرةٌ ضرب إيقاعَ خفقها بعضُ نشاز، أفسدَ موسيقاها، فيعيدُ المايسترو "دوزنة" الخفقِ، ليتّسقَ مع أوكتاڤ الحياة. لا نلمحُ ضحكتَه إلا: لحظة تحلُّق الأطفال حولَه يُمطرونه بالقُبلات والعناقات؛ لأنه ضبط إيقاع قلوبهم الموجوعة على نغمة التمام. ولا نلمحُ فرحتَه إلا: لحظة خروجه من غرفة العمليات وقد أنقذ إنسانًا من الموت. فيما عدا هاتين اللحظتين، لا نلمحُ في ملامحه إلا هدوء القديسين وصمت العلماء وإطراقة الزاهدين في الحياة. وفي مقابل هاتين اللحظتين في حياة "مجدي يعقوب"، هناك لحظتان أخريان في حياة مئات الآلاف من المرضى الذين دُوِّنت أسماؤهم في سجلات "مركز مجدي يعقوب لعلاج أمراض القلب”. لحظتان فريدتان في عمر كلِّ مريض منهم. - لحظةٌ تعسةٌ وجلةٌ فاقدةٌ للأمل، مع دخول المركز بقلب عليل لا يكاد يقوى على الحياة، - لحظةُ فرحٍ وأمل وانطلاق مفعم بالحياة، مع الخروج من المركز بقلب سليم قوي يرسم لصاحبه غدًا مشرقًا حاشدًا بالعمل والنجاح. وما بين اللحظتين الفارقتين في حياة كل مريض، ثمّة عقلٌ يفكّر، وقلبٌ يحبُّ، ويدٌ تحمل مشرطًا مغموسًا في بوتقة العلم والحب والإنسانية والتسامح، تحتشد جميعُها من أجل تحويل اللحظة الأولى إلى اللحظة الثانية. من أجل تحويل التعاسة إلى فرح، واليأس إلى أمل، والموت إلى حياة.
لن تراه في أية صورة فوتوغرافية التقطت له في غفلة منه، إلا بمعطف العمليات الفيروزي. فهو لا يخرجُ من غرفة عمليات إلا ليدخلَ أخرى، ولا ينفضُ يدَه من ورقة بحثية إلا بدأ في غيرها. رجلٌ يقضي يومَه وليلَه يداوي ويُطبِّب ويبحثُ ويُطوِّر ويتعلّم ويُعلّم ويصنع كوادرَ جديدة تُنقِّبُ عن إكسير القلوب المُتعبة. يهربُ من الأضواء والشاشات والتكريمات لأنه يعتبرُ أن كل لحظة يقضيها في حوار تليفزيوني أو على منصّة تكريم، مخصومةٌ من وقت عملية جراحية قد تُبرئ مريضًا. ولماذا يمنح جزءًا كبيرًا من وقته لتعليم الأطباء وصنع الكوادر؟ لأنه يحلمُ، ونحلمُ معه، بأن يصنع من كل طبيب جديد "مجدي يعقوب" جديدًا، عسى هذا العالم الموجوع أن ينعم بمليون "مجدي يعقوب" لتطبيب مئات الملايين من القلوب الواهنة في هذا العالم المصدوع. وأؤمن أن كلَّ قلبٍ عالجه "مجدي يعقوب" لابد أن يخرج من بين يديه قلبًا متسامحًا مثل مُعالجه. في عيد ميلادك يا أمير القلوب نقول لك، كل عام وأنت مشرق، عشْ ألف عامٍ من أجلنا.

***