زهرة -وسيم السيسي- في حديقتي


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 7856 - 2024 / 1 / 14 - 11:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

غرس في حديقتي زهرةَ لوتس، أشرقت مقالا جميلا في كتابي الجديد الصادر عن دار "الأنجلو المصرية" ويحتفي به معرضُ القاهرة الدولي للكتاب هذا العام في ندوة "كاتب وكتاب" يوم ٢٩ يناير، وحفل توقيع يوم ٥ فبراير. تشرّف كتابي "عُمر... بيتٌ من المكعبات في مدينة الملائكة"، بتصدير أنيق بقلم أستاذي الدكتور وسيم السيسي" الطبيب والمفكر والباحث في علم المصريات. ولأن "الصمتَ في حرم الجمالِ جمالٌ"، أكتفي بنشر مقاله الجميل، الذي لا تفيه كلماتُ شكر.
“هذا هو الكتابُ الثاني عن "عُمر" ابن الأديبة "فاطمة ناعوت"، الذي خطّه قلبُ أمٍّ يؤمن بأن "الحبَّ هو الحلُّ" لأي مرض؛ عضويًّا كان، أو نفسيًّا، أو عقليًّا، أو اجتماعيًّا. إنها فلسفة "أندرسن" طبيب الأمراض النفسية، الذي آمن بأن: العلاج= الحُبّ +الدواء. كان يجالسُ المرضى، يحادثهم، ويُشعرهم بأن هناك من ينتظرُ شفاءهم. وحقق نتائج مذهلة من الشفاء، إلى درجة أن اعتمدت المراجعُ العلمية فلسفته العلاجية: LOVE-DRUG THERAPY OF ANDERSON "علاج الحب والدواء لأندرسن".
في مخ جميع الثدييات مساحاتٌ للغرائز الحيوية المسؤولة عن الإبقاء على الحياة. أما غريزةُ الأمومة في المخ، فموجودة في منطقة اسمها: CINGULATE GYRUS. والمتأمل لتجربة الأمّ "فاطمة ناعوت"، مع ابنها "عمر" الواقف على "طيف التوحّد"، سوف يوقن أن مساحة "غريزة الأمومة" مع فيض المشاعر الإنسانية تجاه كل البشر، في مخّ الشاعرة المهندسة والأم "فاطمة ناعوت" تحتلُّ حيزًا أكبرَ من مثيلاتها عند الأخريات. "الحبُّ هو الحل" وحده لا يكفي عند "فاطمة ناعوت"، بل يجب أن تصحبه شجاعةٌ فائقة، في مجتمعات يحكمها: قانونُ المصلحة. شجاعتُها وصلت إلى حد تسميتها THE CHALLENGER أو: "الُمتحدية". لأنها تتحدّى عيوب المجتمع والموروث الذي يخاصمُ العقل، وكأنها ابنة مدرسة "ابن رشد" التي تقول: "لقد أعطانا اللهُ عقلا، فليس من المعقول أن يأمرنا بأشياءَ لا يقبلها العقل! لأن الحقَّ لا يضادُّ الحقَّ.” أو كأنها تلميذةٌ وفية لـ"أبي العلاء المعري” إذ يقول: “يرتجي الناسُ أن يقوم إمامٌ ناطقٌ في الكتيبةِ الخرساء/ كذبَ الظنُّ لا إمامَ سوى العقل مشيرًا في صبحهِ والمساء/ فإذا ما أطعته جلبَ الرحمةَ عند المسير والإرساء.” اصطدمت "فاطمة ناعوت" بالعقول المغلقة على أقفالها، ودفعت الثمنَ غاليا: حكمٌ بالحبس ثلاثَ سنوات، والاغتراب عن الوطن، والاغتيال المعنوي، لكنها لم تتراجع هذه الجسورة الحرّة، بل ظلت تواجه تلك "الحفريات الحية" بكل صلابة؛ وشعارها: "إن الشجاعة في القلوب كثيرةٌ/ ورأيتُ شجعانَ العقول قليلا”. هذا عن "المناضلة" فاطمة ناعوت.
أما "الأمُّ" "فاطمة ناعوت" فهي كذلك تؤمنُ بالمواجهة CONFRONTATION. فصممت على مواجهة ما لا يقدرُ على مواجهته أحدٌ، هذا المجهولُ المخيف الذي ينتشر كالنار في الهشيم: "طيف التوحد"؛ العدو الغامض الذي مازلنا لا نعرفُ عنه شيئًا. هل هو جيني أم هورموني، أم بيو-كيماوى؟ وهل علاجه عضويّ أم نفسيّ أم كيماويّ أم اجتماعيّ! قالت: "لتکن ما تكون الأسبابُ، وليكن ما يكون العلاج. أنا سوف أعيدُ صغيري إنسانًا رائعًا بالحب!” وكأنها تردد ما قاله "محيي الدين بن عربي" المتصوف الأندلسي: "أدينُ بدين الحب أنَّى توجهت ركائبُه/ فالحبُّ ديني وإيماني.”
دخلت عليه صومعته لتشاركه عالَمه الجميل. راحت تتحدث إليه طويلا كل يوم. تأخذه معها في ندواتها ومحاضراتها وحفلاتها ولقاءاتها التليفزيونية وأسفارها. وبدأ الحبُّ يأتي ثمارَه. تألق الإبداعُ المدهش في لوحاته التي ترون بعضَها في نهاية هذا الكتاب وعلى غلافه. ظهرت الإنسانيةُ والتحضُّر في معاملاته. ها هو "عمر" على شاطئ الإسكندرية في أحد الكافيهات، مزودًا بنقود؛ علّمته أمُّه أن يمنحَها للمحتاجين؛ وإذا بفتاة تسأله صَدقةً، فهمَّ بمحفظته، ولما اكتشف أنها "فتاة"، قدّم لها "وردة" بدلَ النقود! هي الإنسانية في أرقى وأكمل وأجمل صورها، ومَن لا يتعلّم من "عمر" هذا الرقي، فلا مُعلّم له، ولو كان من كبار العلماء.
في دراسة لعالمة الكيمياء الحيوية "مارجريت أورورك” عن "التغيرات البيو-كيماوية في أجسام المحبين"، وجدت أن إصابة المحبين بالأمراض أقل بنسبة السُّبع عن إصابة غير المحبين الذين يفتقدون الحب، وذلك لغياب. SALIVARY IMMUNOGLOBULINS وهي أجسام مناعية. بل وجدت هورمون السعادة SEROTONIN بوفرة عند مَن ينعمون بالحب! كما وجدت PHENYL ETHYL AMINE وهي مادة بيوكيماوية تكثر عند المحبين وتجعلهم يسيرون وكأنهم فوق السحاب، ووجدت في الخلايا العصبية مادة "أندورفین" تجعل أصحابها يتحمّلون الأهوال من أجل المحبوب، والتي جعلت "نجيب الريحاني" يقول لـ"ليلى مراد" في فیلم "غزل البنات": "علشانك إنتي أنكوي بالنار وألقّح جتتي/ وأدخل جهنم وانشوى وأصرخ وأقول يا دهوتي!”.
هذا هو الحُبُّ العظيم الذي يصنع المعجزات. و"عمر" معجزةٌ تسيرُ على قدمين بفضل أمٍّ عظيمة آمنت بالحب، مثلما تؤمن أن البشرية لن تكون بخير؛ إلا إذا كست نفسَها بنسيج خيوطُه: الحب الشجاعة المواجهة والايمان.”
***