أنا ابنُ مصرَ العظيمُ! فمِمّ نقلق؟!


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 7782 - 2023 / 11 / 1 - 10:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

“اتّقوا غضبَ الطيبين إذا غضبوا. ولا تختبروا صبرَنا، فلا صبرَ ثمّةَ عند ناصية الوطن!” هكذا كتبتُ على صفحتي الرسمية إثر حادث مدينة "طابا" الأليم. فنحن، المصريين، اليومَ في مرحلة بناء وتعمير وطن تألم كثيرًا ونحرته الصروفُ والويلات، وأهرق دماءَ أبنائه الطاهرة نُصرةً لقضية فلسطين الحبيبة، في جميع الحروب الدامية التي خُضناها منذ عام ٤٨، وحتى ٧٣. وليس بوسع إنسان فوق الأرض، ولا شعب ولا دولة ولا تاريخ وتأريخ، أن يُزايدَ على موقف مصر النبيل والجسور تجاه قضية فلسطين. فهذا ليس رأيًا يؤخذ به أو يُترك، بل هو "تاريخٌ مشهود" وموثّقٌ بالزمان والمكان والمواقف وأسماء الشهداء وشارات الحداد على جُدُر كلّ بيت مصري كريم.
أما الرئيس القوي، والحكيم، "عبد الفتاح السيسي"، فقد قال كلمته الواعية في "قمة السلام" التي استضافت فيها مصرُ ٣١ دولة لصالح قضية "فلسطين" العادلة، وشدّد على أن لا حلَّ إلا قيام دولة فلسطين الحرّة ذات السيادة وعاصمتها "القدس"، وندّد بالعدوان والممارسات اللاإنسانية ضد المدنيين. وفي "مُلتقى الصناعة" الذي يهدف إلى دعم وتطوير الصناعة المحلية أرسل الرئيسُ رسالة طمأنة للشعب قائلا: “متقلقوش! شوفوا شغلكم وعيشوا حياتكم. باطمنكم، محدش يقدر! اشتغل وخلينا نبني ونعمّر.” وكيف نقلق وقد وهبنا اللهُ جيشًا قويًّا باسلا، ورئيسًا جسورًا وحكيمًا؟!
أما الملك "رع مسيس" الثاني، وهو "الجدُّ الأعظم"، كما أطلق عليه أجدادنا المصريون، قبل ثلاثة وثلاثين قرنًا، فقد قال: “أنا ابنُ مصرَ العظيم، أنا ملكُ أعظم أمّة علي وجه الأرض. سأقاتلُ، وأمحو من الوجود كلَّ من يفكر أن يعتدي علي مصرَ، أو يحاول الاقتراب منها ليؤذي شعبي العظيم. سأذِّلُ جميعَ عداء بلادي ومملكتي؛ لتظلَّ مصرُ الأعلى، والأقوى، والأغنى، والأعظمَ علي وجه الأرض.” هذه الكلمات المزلزلة وجدناها محفورةً بالهيروغليفية الأنيقة على جدارية هائلة: تصوّر ذاك الفارس، الملك "رع مسيس" الثاني، ابن الأسرة ١٩، وأحد أهم وأعظم ملوك طيبة، وهو يدوس بخُفّه أحدَ أعداء مصر، بعدما طرحه أرضًا، وفي نفس الوقت يصرع بحربته عدوًّا آخر يقف أمامه مدحورًا ذليلا. عاش جدنا الأعظم تسعة وتسعين عامًا، حكم مصر منها سبعةً وستين، قائدًا عسكريًّا لم يعرف التاريخُ مثله. وعلى سبيل المعرفة، فهذا الفارس ليس هو "فرعون موسى" المذكور في القرآن الكريم؛ لأنه أوغل في العمر ولم يمت غرقًا، مثل صاحبنا الأشِر، كما كان له العشرات من البنين والبنات من خمس زوجات ملكيات وتسع عشر زوجة غير رسمية، بينما تقول الآية الكريمة في سورة القصص: “وقالتِ امرأةُ فرعونَ قرةٌ عيٍن لي ولك، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا، أو نتخذه ولدًا" بما يعني أن ذلك الفرعون الظالم وزوجته لم ينجبا؛ فكانا يرجوان أن يكون الطفلُ النبيُّ، ولدًا لهما. وأدعوكم إلى قراءة كتاب: "قدماء المصريين أول الموحدين" للدكتور "نديم السيار"، لمراجعة عشرات الأدلّة الموثقة التي تحدد شخصية الفرعون المذكور في القصص القرآني، وتؤكد أنه لم يكن مصريًّا بل كان من ملوك الهكسوس المُحتلين ممن حكموا مصر ونالوا لقب: "فرعون"، إذْ كان يُمنح لكل مَن يحكم مصر؛ بصرف النظر عن عِرقه وجنسيته.
ولأنها حسناءُ، فاتنةٌ، على المستويين الجغرافي والتاريخي والحضاري، فقد نُذرت منذ مولدها لأن تكون مطمعًا للغُزاة الذين راموا على مدار التاريخ أن يسرقوها، فكانت هي التي تسرقهم. فإما "يتمصّرون" ويذوبون في طميها ونيلها ويخضعون لهُويتها العريقة، أو تطردهم وتغلق بابَها. تلك هي مصرُنا الساحرةُ التي آذاها الجميعُ وما آذتِ الطيبةُ أحدًا. وكيف لا تكون مطمعًا، وهي تحتل تلك المكانة الاستثنائية تاريخًا: أولى حضارات الأرض، ومعقل الفنون والعلوم والآداب والثقافة والتنوير! وكيف لا تكونُ مرمى الغُزاة وهي تحتلُّ هذا المكان الفريد جغرافيًّا: بحران ونيل وملتقى ثلاث قارات؟!
لكنْ، كما كتب الُله لمصرَ ذلك الحُسنَ الذي يُغوي، وكما كتب عليها الطامعَ الذي يغزو، نذَر لها من أبنائها في كل عصر، فارسًا جسورًا يزود عنها كيدَ الغُزاة، ويردُّ سهامَهم إلى نحورهم. من الهكسوس للأشوريين للفرس للبطالمة للرومان للبيزنطيين للفرنسيين للإنجليز وصولا إلى بني صهيون، كانت الجميلةُ تقعُ ثم تنهضُ من عثرتها وقتما يُقرّر الشعبُ ويَهِمُّ فارسٌ يقود معركة التحرير. ولم نكد ننسى معركتنا بالأمس مع الإرهاب، وكانت من أشرس معاركنا، لأن عدوّنا كان الأحطَّ والأخسَّ والأخونَ ومن بني جلدتنا بكل أسف؛ لكننا خرجنا منها منتصرين كما عهدِنا مع التاريخ. فكيفَ نقلقُ وممّ؟!
أقولُ للقائد الفارس العظيم "عبد الفتاح السيسي": لا تنسَ الحكمة الخالدة التي قالها حكيمٌ فرعوني لأحد فرسان مصر: "لا تخفْ يا بُني. فالحاكمُ الذي قاعدةُ قوته تأييدُ الشعب، أقوى من ذاك الذي يعتمد على قوة السلاح."
***