100 سنة غنا ... التأريخ للفن المصري


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 7733 - 2023 / 9 / 13 - 11:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

”100 سنة غنا” … التأريخ الفني للوطن (2)
أستأنفُ معكم اليومَ ما بدأتُه الخميسَ الماضي في مقال: “علي الحجار … 100 سنة غُنا"، حول بداية تبرعم ذلك الحُلم في قلب الفنان "علي الحجار" حول التأريخ الفني لتراثنا الموسيقي الثريّ واستعادته من غبار الأراشيف العريقة، وإحيائه بتوزيعات جديدة تحافظ على أصالة القديم وتمسُّه بريشة العصر، بصوت الفنان المثقف "علي الحجار" وأصوات جديدة تشرّبت حلاوة الفن المصري الخالد. إنه وعيُ الفنان المثقف بأن الفنَّ الرفيع قادرٌ على تأريخ حضارة الوطن، ما جعله يبدأ في دراسة مشروع جادّ لإحياء تاريخنا الموسيقي بدءًا من الروّاد العظام رفيعي المقام: “محمد عثمان، عبده الحمولي، أبو العلا محمد، سلامة حجازي، سيد درويش، زكريا أحمد"، وجميع مَن سبقوا كان "الحجار" قد غنّى لهم في فرقة "إحياء التراث الموسيقي"، ثم نفتح قوسًا جديدًا لنستأنف أسماء عظماء من الجيل التالي، مثل: “محمد القصبجي، محمد عبد الوهاب، رياض السنباطي، أحمد صدقي، محمود الشريف"، ونغلقُ القوسَ لنفتح قوسًا جديدًا من جيل أحدث، مثل رفيعي المقام: “محمد الموجي، كمال الطويل، بليغ حمدي"، ثم عظماء من جيل أحدث مثل الأساتذة الكبار: “عمار الشريعي، عمر خيرت، ياسر عبد الرحمن، أحمد الحجار، خليل مصطفى، هاني شنودة”. جميع مَن سبق من أساطين الموسيقى والتلحين، عكف "علي الحجار" على دراستهم بعمق، بمساعدة اثنين من أصدقائه، أحدهم يمتلك كنزًا موسوعيًّا من التسجيلات القديمة لأولئك الرواد الكبار، والثاني مؤرخ موسيقي كان يوثّق تواريخ إصدار كل عمل من تلك الخوالد الفنية وربطها بالأحوال الاجتماعية والسياسية لمصر في كل حقبة زمنية مرّت بها. وبعد اختمار فكرة المشروع وخطة العمل في ذهن الفنان الشابّ "‘لي الحجار"، ذهب "علي الحجار" عام 2002 إلى وزير الثقافة آنذاك الفنان "فاروق حسني"، وطلب الموافقة على تقديم مشروع "100 سنة غُنا" على سبعة شرائط كاسيت، كبداية للمشروع الكبير، واختبار جماهيري لمدى نجاحه. لو كتب اللهُ النجاحَ لتلك الألبومات، واستقبلها الناسُ بشكل جميل، كان هذا إيذانًا باستئناف العمل والبدء في سبعة ألبومات أخرى، وهكذا، حتى يكتمل المشروعُ الكبير بتخليد تراثنا الفني خلال مائة عام. وبالفعل تحمّس الفنان "فاروق حسني" للفكرة، وحوّل المشروع إلى صندوق التنمية الثقافية. وذهب "الحجار" بالدراسة كاملة متضمنة ميزانية المشروع وأجور الموزعين والموسيقيين والكورال، وأسعار استئجار الاستوديوهات ومهندسي الصوت. ولم يضع لنفسه أجرًا، وطلب تعيين مدير إنتاج متخصص من صندوق التنمية لمتابعة المصروفات والميزانية والأمور المالية الخاصة بالمشروع. وحين سُئل: “لماذا لم تحدد لنفسك أجرً؟ا"، أجاب "علي الحجار" بأن ذلك المشروع هو حُلم حياته، ولن يتقاضى عن حُلمه أجرًا مهما كان الجهد. فهو عملٌ قومي للوطن، لا يؤخذ عليه أجرٌ. وقال إن هذا المشروع لو تم كما حَلُم به، فسوف يكون بمثابة درجة علمية ورسالة أكاديمية أنجزها. وفجأة توقف حماسُ المسؤولين لاستكمال المشروع دون أسباب معلنة! لكن الحلمَ في قلب "علي الحجار" لم يمت. قدّم اقتراحًا جديدًا للدكتور "أنس الفقي"، وزير الإعلام آنذاك، حول تقديم مشروعه خلال برنامج تلفزيوني أسبوعي يستضيف خلاله في كل حلقة مطربًا أو مطربة، بحيث ينقسم الاستوديو إلى ديكورين، في أحدهما أتيليه يقوم فيه "علي الحجار" برسم لوحة لبطل الحلقة الموسيقي "سيد درويش" مثلا، أثناء الحديث عن تاريخ ذلك الفنان وأسلوبه الموسيقي ومدرسته الفنية. وهنا عليّ أن أُذكّركم بأن الفنان الكبير "علي الحجار" يجيد الرسم فهو فنان تشكيلي، وخريج كلية "الفنون الجميلة". ثم يخرج الضيوف إلى قاعة أكبر ويدخل المطرب أو المطربة مع بريتيكابل على عجل يحمل عازفي التخت الشرقي القديم: ( قانون- عود- ناي- رق- عازف كمان واحد + المذهبجية أو الكورال ) يعزفون اللحن بصورته القديمة، ومن الجهة المقابلة يدخل بريتيكابل آخر عليه أوركسترا حديث يبدأ في عزف المقدمة الموسيقية بالتوزيع الجديد بروح العصر ومن نفس نسيج الأغنية الأصلية القديمة التي قُدمت قبل برهة بالتخت القديم، ثم يتقدم المطرب الضيف ليغني الأغنية ذاتها بالتوزيع الجديد. ثم يدخل المؤرخ الموسيقي المستضاف ليحكي عن الأغنية وتاريخها وأحوال مصر خلال صدور الأغنية. بعد ذلك يقول "الحجار" للضيوف: “عاوز أسمعكم صوت جميل جديد"، ويدخل مطرب أو مطربة من جيل الشباب، يقومون بأداء المذهب في ثوبه القديم، ثم تُعاد المقدمة الموسيقية بالتوزيع الجديد، ليكمل المطرب الشاب الأغنية القديمة بالمعالجة الموسيقية الحديثة.
هكذا نقفُ على مدى رسوخ "100 سنة غُنا" كمشروع متكامل وحلم قديم جديد لا يموت ولا يخفُت في قلب وعقل صوت مصر المثقف "علي الحجار". وأتمنى أن تتصدى وزيرةُ الثقافة الجميلة "نيفين الكيلاني" لتنفيذ هذا المشروع الثقافي الفني، إحياءً لتراثنا الفني الخالد.
***