أنا دمي فلسطيني


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 7779 - 2023 / 10 / 29 - 12:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

على عهدي ... على ديني
على أرضي تلاقيني
انا لأهلي أنا أفديهم
أنا دمي فلسطيني ... فلسطيني... فلسطيني
أنا دمي فلسطيني
...
وقفنالك يا دِيرتنا
بعزّتنا وعروبتنا
أرض القدس نادتنا
صوت أمي يناديني: فلسطيني ... فلسطيني
أنا دمي فلسطيني
...
يا يُمَّا أبشري بالعزّ
دارك قلعة ما تنهز
عليها الروح ما تنعز
ولا دمي وشراييني: فلسطيني فلسطيني
أنا دمي فلسطيني
...
فلسطيني وابن احرار
جبيني في السماء ومغوار
على عهد الوفا يا دار
وعمره ما انحنى جبينى: فلسطيني فلسطيني
أنا دمي فلسطيني
على عهدي على ديني
على أرضي تلاقيني
أنا لأهلي أنا أفديهم
أنا دمّي فلسطيني فلسطيني فلسطيني
والله أنا دمي فلسطيني
***
كلّما حاولتُ أكتبُ حرفًا في هذا المقال، ألحّت عليّ كلمات هذه الأغنية الرائعة التي كتبها الشاعرُ الفلسطيني: “سليمان العسّاف"، ولحّنها الموسيقار الأردني: “وائل الشرقاوي"، وغنّاها بصوتِ حماسيّ بالغ الجمال الفنانُ الفلسطيني: “محمد العسّاف". لا سبيل لشرح مدى جمال الأغنية كلماتٍ ولحنًا وغناءً، وعُمق مساسها للقلب، ما لم تسمعها بنفسك عزيزي القارئ، لتجد قلبَك يخفق على إيقاع الدبكة الفلسطينية والكورال الهادر الذي يصدح في الخلفية: "فلسطيني فلسطيني أنا دمي فلسطيني".
صفحات التواصل الاجتماعي تنتفض ضد الاحتلال الصهيوني، والشبابُ العربي من النهر الشرقي إلى المحيط الغربي يؤازرون أشقاءهم في غزّة بنشر هذه الأغنية البديعة في كل مكان. وفريق "طبلة الستّ" المصري أعلن عن حفل موسيقى حاشد يغنين فيه: "أنا دمي فلسطيني" وتُرسل أرباحُها إلى أشقائنا في غزّة لدعمهم في محنتهم، ومحنتنا، القاسية جرّاء ما يرتكبه بنو صهيون في فلسطين الحرّة من مجازر وحشية واستهداف للمشافي والمدنيين والأطفال في غزّة.
وكالعادة يخافُ المُحتلُّ الآثمُ من "الرمز المسالم" خوفَه من القنابل المروّعة المدمّرة. المقاومة السِّلمية تُرهبُ الظالمَ وتُخيفه لسبب غامض؛ رغم أن "الرمز لا يتقل"! لا بل يقتل! الرمزُ يقتل الوجدانَ الآثمَ ويفتّتً مشاعرَ المغتصب الذي يدرك تمامًا أنه ينأى عن الحق والعدل والسِّلم بقدر ما يلاصق الظلمَ والبغي والطغيان. لهذا، وبعدما صارت هذه الأغنية "تريند" وتصدّرت محركات البحث وانتشرت كنور الشمس الساطع على جميع منصّات التواصل الاجتماعي، قامت اللجانُ التابعة للمحتل الإسرائيلي بحذفها من متجرين من أكبر المتاجر الموسيقية على الشبكة! ولكن، هيهات! فالأغنية وإن حُذفت فقد غُرست في قلب كل عربي، وسُطرت كلماتُها وحُفرت نغماتُها على صفحات كل عقل شريف.
ذكّرني ارتعاب بني صهيون من أغنية مسالمة بموقف حدث معي شخصيًّا في فلسطين عام ٢٠١٢. كتب لي القدرُ الطيبُ أن أزور "فلسطين" البهيّة عام ٢٠١٢، للمشاركة في "معرض فلسطين الدولي للكتاب" في مدينة "رام الله" بدعوة من وزيرة الثقافة الفلسطينية آنذاك د. “سهام البرغوثي”. وطلبتُ من الأصدقاء أن أزور "الحرم الإبراهيمي". في الطريق إلى مدينة "الخليل"، كنتُ أُدثّر عنقي بـ"الحَطّة الفلسطينية"، وهي الكوفيّة البيضاء المنقوشة بالخيوط السوداء والمطرزة حوافُّها بالخيوط الحمراء والخضراء لتتماهى مع علم فلسطين. وكان مكتوبًا عليها: "القدسُ لنا". وعند باب المسجد، فوجئتُ بـ ضابطة إسرائيلية راحت تنظر لي بتجهّم وفظاظة، ثم اقتربت مني وهي تشيرُ بإصبعها متوعدةً، وطلبت بخشونة غير مبررة أن أنزع الحطّةَ عن عنقي! اندهشتُ للغاية من هكذا طلب، ولم أفهم السبب؛ حتى أفهمني الرفاقُ الفلسطينيون أن هذه الحطّة تُثيرُ جنونَهم كونها رمزًا للمقاومة الفلسطينية! حدّقتُ بغضب في عيني الجندية، ثم تحوّل غضبي فجأة إلى نوبة ضحك، وقلتُ لها بالإنجليزية: ( ياااه! إلى هذا الحدّ أنتم ضِعاف؟! خائفون من كوفية؟! اليوم تأكدتُ أنكم مُحتَلّون "مفعول بكم " ، ولستم مُحتلّين "فاعل”. الاحتلالُ يسكن قلوبكم ويُشعركم بالخوف؛ لهذا ترتعبون من قطعة قماش، لا حول لها ولا قوة! تخافون من ’رمزٍ‘ للمقاومة، لأنكم تؤمنون أنكم سارقو وطن! هذا شعور اللصّ حين يسرق ما ليس له! وبالمناسبة أنا مصرية ولستُ فلسطينية، والقدسُ لنا....) وكان الشررُ يتطايرُ من عيني الجندية الإسرائيلية مع كل كلمة من كلماتي وراحت تقترب مني والرشّاشُ بين يديها، مثل وحش يبحثُ عن فريسة. وقبل أن يحتدمَ الموقفُ أكثر، وتتطور الأمورُ لغير صالحي، جذبني الأصدقاءُ إلى داخل المسجد الإبراهيمي، بعدما نزعوا عني الحطّة ودسّوها في حقيبتي. وبالرغم من أنني كنتُ أتميّزُ غيظًا من نزعها ومن الموقف البائس، إلا أن شعورًا غامرًا بالفرح والانتصار راح يخفقُ بقلبي، إذ عاينتُ بنفسي ضعفَ بني صهيون وهشاشتهم. ننتظرُ أن يتحرّك المجتمعُ الدولي ومجلس الأمن فورًا لوقف المأساة المروّعة التي يرتكبها الإسرائيليُّ الغاشم على أرض فلسطين، "الآن الآن وليس غدًا”.
***