ألا أكرهُ بالفعل … حتى مَن آذاني؟!


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 7751 - 2023 / 10 / 1 - 12:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

حقّق مقالي "الكراهيةُ رصاصةٌ مرتدّة" يوم الإثنين الماضي هنا بزاويتي بجريدة "المصري اليوم"، صدى واسعًا وتفاعلاتٍ كثيرة، من بينها مهاتفةٌ جميلة من المهندس/ “محمد سامي" عضو لجنة الخمسين لكتابة الدستور المصري. تحدثنا فيها مطولا عن آفة "البغضاء"، وسألني مباشرة: “ألا تكرهين من آذاكِ أو آذى وطنك؟"، قلتُ له: “بالطبع أختصمُ من آذى وطني. فلا أضع يدي في يده لئلا أسمحُ له بفرصة جديدة للإيذاء. لكنني لا أدعو عليه بالويل ولا أغدره أو أتشفّى في مصابه، وغيرها من الصغائر التي لا تليق بالإنسان.” وضربتُ له مثلا حيًّا بالقضية الكيدية التي حاربني بها "الإخوان" عام ٢٠١٣ بسبب موقفي الصارم منهم طوال مدة حكمهم وحربي القديمة المعلنة ضدهم منذ عام ٢٠٠٥ حين استلبوا ٨٨ مقعدًا في البرلمان المصري، وما تلا ذلك من تداعيات كارثية انتهت بسرقتهم حكم مصر، فزاد اشتعال حربي ضدهم في عزّ سلطانهم، فكفّروني وأهدروا دمي وهددوني ولاحقوني قضائيًّا بتهم كيدية أسفرت عن الحكم عليّ بالسجن ثلاث سنوات في عهد الإخوان، حتى أنصفني القضاء المصري النزيه عام ٢٠١٦ وأوقف تنفيذ الحكم في آخر لحظة. وإلى آخر الزمان سيظلُّ اختصامي للإخوان قائمًا لأن تاريخهم الأسود منذ عام ١٩٢٨ يثبت حقدهم على مصر وطمعهم في خيرها دون ذرة وطنية ولا انتماء. ومع هذا فإليكم مقتطفًا من المقال الذي كتبته هنا بجريدة "المصري اليوم" في سبتمبر ٢٠١٧ بمناسبة عيد الأضحى المبارك آنذاك، وتكلمتُ فيه عن المحامي الإخواني الذي أقام ضدي الدعوى الكيدية لمعاقبتي بسبب موقفي من فصيل الإخوان، وكان يصرخُ على صفحته كل يوم "هحبسك يا مجرمة!!". كان عنوان المقال: “معايدة العيد من ألدّ خصومي”.
"في صباح عيد الأضحى، وصلتني مئات المعايدات، من قرائي وأحبّتي، صخرتي التي أعتصمُ بها من ويلات المتربصين. من بينها المعايدةُ الأغربُ، والأكثر إدهاشًا، من ألدّ خصومي وأشرسهم: المحامي الإخواني الذي أقام ضدي دعوى قضائية بتهمة ازدراء الأديان، لأنني استنكرتُ أن تتمَّ شعيرةُ نحر الأضاحي على غير أصولها الكريمة كما سنّها الرسولُ والتي تأبى تحقير الأضحية أو تعذيبها والتنكيل بها قبل نحرها. كان ذلك حين نشرتُ على صفحتي صورًا من شرفتي الحاشدة بمئات العصافير واليمامات التي تزورني كل يوم لتأكل وتشرب من الطعام والماء الذي أعلّقه لها في أغصان أشجاري. ومع الصور ناجيتُ العصافير بهذه الكلمات: (بكامل الحرية تملأون بيتي زقزقةً وغناءً وصدحًا. من دون قفص. فأنا لا أقايضُ الحريةَ بماءٍ وقمح. شرفتي محطُّ العصافير. شكرًا للموسيقى والشدو.) ومن بين مئات التعليقات الجميلة على البوست، وجدتُ هذا التعليق من المحامي “محمد عفيفي”، الإخواني الذي قاضاني:
"أ. فاطمة، كل عام وأنتِ والأسرة بخير وصحة وسعادة. ‫معايدة أبتغي بها استرضاء الله. إن كان في قلبك مني غصّة فسامحيني. وأنا لا أخجل أن أشكرك على كثير أمام الناس. مررنا بمحنة شديدة أنا وأنتِ. أسال الله العظيم ألا يعيدها لأي منا. ممكن المعايدة دي متعجبش ناس كتير. وممكن متعجبكيش أنتِ؛ الله أعلم. لكن كما قلت انها استرضاء لله.‬”
وكان ردّي:
"سامحتك منذ زمن. وعلّك لا تصدقني إن أخبرتك أنني لم أكرهك يوًما رغم ما مرّ بي من ظلم لأعوام ومرار البُعد عن ابني المتوحد، ولم أدعُ عليك بسوء. فقد تعلّمتُ منذ طفولتي ألا أكره وألا أدعو اللهَ إلا في خير. بالطبع حزنتُ وبكيتُ واندهشتُ مما يحدثُ لي بسببك. لكنني حتى لم أقل آمين لمن كان يدعو عليك بالويل أمامي من أسرتي وقرائي.‬ ‫بل شكرتك في مقال بعد الحكم عليّ بالسجن. لأن تلك المِحنة العسرة جعلتني أكسب كنزًا من الأصدقاء الذين ساندوني. تلك المِحنة كشفت لي رحمة الله الهائلة بي، ومكانتي لدى قرائي. أُثمّن اعتذارك وشكرك لي علنًا، وليس في رسالة خاصة. وأسامحك على الملأ، كما سامحتك أمام الله منذ سنوات. ‫بارك الله في أسرتك، ومبروك افتتاح مكتب المحاماة الذي لولا مخافة سوء الظن لأرسلتُ لك يوم افتتاحه باقة زهر.”
فجاء ردُّه:
"حق عليّ أن أعتذر لك سيدتي عن كل قطرة دمع كنتُ سببها. والأكيد أن شكري لك؛ سببه معان وحقائق أبصرتُها أثناء تلك التجربة. ربما أخبرك بها إن قدرت لي الأقدار شرف لقاك. وأشكر لكِ جميلَ ردك الذي لن أستطيع أن أسطر أبدع منه مهما حاولت. وقطعًا زهور فاطمة ناعوت تذكار عظيم الشأن. ويشرفني أن أكون ضمن حضور صالونك الشهري. ‫كل الاحترام والتقدير لك.”
هكذا يكون الاختصامُ دون بغضاء، كما علّمنا القرآن الكريم: “والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس”. نختصمُ ونأخذُ حذرنا ممن آذانا، دون أن نؤذيهم أو نرجو لهم الإيذاء.

***