مآذنُ وأجراسٌ... ومصرُ الواحدة
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن
-
العدد: 8286 - 2025 / 3 / 19 - 12:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
Facebook: @NaootOfficial
شهرٌ كريم … مشحونٌ بالتوادّ والرحمة عامرٌ بالمحبّة التي لا تسقطُ أبدًا، ولا تُخفقُ في أداء مهمّتها الأزلية الأبدية في تجميع القلوب حول اسم الخالق العظيم الرحمن الرحيم. بالأمس كان إفطارُنا في "المشيخة العزمية" بدعوة كريمة من مولانا الشيخ "علاء ماضي أبو العزايم"، حفظه الله وأدامه متصوّفًا ورعًا ووطنيًّا جسورًا جابه أعداء الوطن في أوج سلطانهم وتجبّرهم. والأسبوع الماضي كانت إفطاراتُنا على "موائد المحبة" أولمها لنا أصدقاؤنا المسيحيون في الكنيسة الإنجيلية بسراي القبة، ثم الكنيسة الإنجيلية في مدينة نصر بدعوة من الدكتور "أندريا زكي" رئيس الطائفة وُعاة الكنائس. وقبلها بأيام اجتمعنا مع السيدة الأولى "انتصار السيسي" في حفل "إفطار المرأة المصرية" في اليوم العالمي للمرأة ٨ مارس، وكان السحور ليلتَها على مائدة "حزب العدل" مع الدكتور "حسام بدراوي" وقادات الحزب، واحتفلنا بذكرى العاشر من رمضان بإفطار "نادي الزهور" بدعوة كريمة من المستشار المفكر د. "محمد الدمرداش العقالي". وأمس الأول كان إفطارنا الرمضاني بدعوة من "جمعية خريجي هندسة عين شمس" التي أفخر بدراستي وتخرجي فيها بدعوة من المهندس "طارق النبراوي" نقيب المهندسين، ثم كان السحور على مائدة مؤسسة "صروح" العقارية في حفل إطلاق مبادرة "مدن مُلهمة" التي تحترم الكود المعماري لذوي الهمم. وبالأمس كان إفطارُنا على مائدة "المرأة المصرية" في عيدها ١٦ مارس بدعوة من "مجلس الشباب المصري" و"منتدى القيادات النسائية"، وبعد غد نُفطر بإذن الله على مائدة رجل الأعمال الوطني السيد "منير غبور" وحرمه في خيمته الرمضانية التي يقيمها كلَّ عامٍّ لجميع رموز الوطن. وفي عيد الأم بإذن الله سوف أفطر مع أمهاتنا في دار الأمير لرعاية المسني. ويوم ٢٨ رمضان نحتفل بأطفالنا في مستشفى سرطان الأطفال لنستقبل معهم "عيد الفطر المبارك" بالألعاب والهدايا والحبّ. ولن يأفل هلالُ الشهر الكريم قبل أن نجتمع بالسيد الرئيس “عبد الفتاح السيسي” الذي يجمعنا كلَّ عامٍ على مائدة “إفطار الأسرة المصرية” لكي يلمّ شملَ أسرته الكبيرة التي قُوامها مليون نسمة ويزيد. وهكذا، يمرُّ شهرُ رمضان علينا ونحن في دفء المحبة والصداقة، وفي دثار الوطن العظيم الذي يضمُّ أبناءه جميعهم، فلا نعرفُ مرارة الشتات وشق الصف، لا سمح الله به على مدى الأيام.
تلك واحدةٌ من إشراقات الجمال التي تُميّز مصرَ في شهر رمضانَ المعظم. موائدُ الإفطار تضمُّ الأصدقاءَ من جميع العقائد والطوائف ممَن يظنهم الغافلون "فرقاءَ"، وما هم بفرقاءَ؛ بل تجمعهم الإنسانيةُ تحت مظلتها الواسعة، وتجمعُهم المحبةُ التي أبدًا لا تُخفق في إظهار نفسها، ويجمعُهم الوطنُ العزيز الذي يحمي ظهورنا تحت لوائه الخفّاق، ويجمعُهم الإيمانُ الحقيقيُّ بإله واحد عالٍ متعالٍ تتوجّه إليه قلوبُنا وتتطلّع صوبَ عليائه عيونُنا؛ كلٌّ من خلال منظور قلبه وإيمانه وعقيدته. في مصرَ البهيّة ينظّمُ المسيحيون موائدَ الإفطار الرمضانية لأصدقائهم المسلمين، وينظّم المسلمون موائدَ إفطار يدعون إليها أشقاءهم من غير المسلمين؛ فتتأكد رسالةُ مصرَ الأصيلةُ والمتجددة أن: "الدينُ لله والوطنُ لأبناء الوطن". وتلك واحدة من إشراقات السطور المضيئة في "دفتر المحبة" غزير الأوراق، الذي أجمعُ لمحاتٍ منه في كتابٍ أعكف الآن على كتابته، غالبًا سيكون عنوانُه: “حكايا المحبة التي لا تسقطُ أبدًا".
تلك الموائدُ الرمضانية الجميلة التي تجمعُ أبناء الوطن على اختلاف عقائدهم، هي "الماصدق" لكلمة الرئيس السيسي التي قالها عقب أدائه اليمين الدستورية: “إن تماسك ووحدة الشعب المصري هي الضمانة للعبور نحو المكانة التي تستحقها مصرُ.” وهذا حقٌّ، لأن انهيار المجتمعات لا يتحقق برصاصة العدو الخارجي، بل برصاصة الشتات والانقسام الداخلي، لا سمح بها اللهُ.
على مائدة "مشيخة الطريقة العزمية" بحي السيدة زينب، التي يولمها لنا سماحةُ الشيخ "محمد علاء ماضي أبو العزايم"، شيخ الطريقة العزمية بمصر والعالم الإسلامي، ورئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية المصري، وحفيد مؤسس الطريقة الصوفية العزمية سماحة الشيخ "محمد ماضي أبو العزائم” رحمه الله، تجاور مسيحيون مع مسلمين، وتجاور طعامُنا الرمضاني المتنوع مع الأطعمة “الصيامي” من أجل أشقائنا المسيحيين الذين يصومون الآن صيامَهم الكبير استعدادًا لعيد القيامة المجيد. ذاك هو "احترام الآخر" الذي نشأنا عليه وتعلمناه في منهاج التصوّف وهو مقامُ الإحسان في الإسلام، ومقام السلوك الرفيع والأخلاق السامية وتطهير القلوب من الأدران لكي يكون المرءُ أهلا لعشق الله. فكيفُ يعشقُ النورَ قلبٌ مظلم؟! اللهُ نورٌ، والحبُّ نورٌ، ونقيضُ الحبِّ ظلامٌ وعتمة وضياع. ولا يجتمعُ ظلامٌ ونور. هذه صفحةٌ مضيئة من "دفتر المحبة المصري" غزير الأوراق، تكونت سطورُه من إشراقات القلوب المشرقة بحب الله ومحبة جميع خلق الله. كل عام ورمضانُ يجمعنا.
***