مشرقاتٌ … في -منتدى القيادات النسائية-


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 11:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     


في لحظة فارقة تُعيد رسمَ مشهد التمثيل النسائي في مصر، وتستثمر في الفرص المشرقة التي منحتها القيادةُ السياسية الحكيمة للمرأة من استحقاقات قيادية ومجتمعية طال غيابُها، انطلقت فعاليات مؤتمر "صوت نساء مصر"، الذي أطلقه "منتدى القيادات النسائية" بمجلس الشباب المصري، في "المجلس العربي للطفولة والتنمية"، بمشاركة تاريخية جمعت أكثر من 400 منظمة وجمعية مجتمع مدني، من 27 محافظة، في تحالف نسائي رفيع غير مسبوق. جاء المؤتمرُ متزامنًا مع احتفالات الدولة بذكرى ٣٠ يونيو، واقتراب الانتخابات البرلمانية لمجلسي النواب والشيوخ. لم يكن وحسب مؤتمرًا توعويًّا بدور المرأة الفاعل والمستحَق في المجتمع، بل محطة استراتيجية للحوار المجتمعي الهادف إلى ترسيخ العدالة وتمكين المرأة من مواقع القرار، في ظل إرادة سياسية واعية تؤمن بقدرات المرأة وتراهنُ عليها.
جاءت الجلسة الافتتاحية زاخرة بالرموز السياسية والنائبات البرلمانيات وممثلات الأحزاب، في مشهد عكس نضج المجتمع المدني، حين يقدّم خطابًا سياسيًا جديدًا يرى في تمكين النساء قضية وطنية لا تعترف بالاستقطابات الأيديولوجية. وقد تشرفتُ بإدارة الجلسة الختامية لهذا الحدث المفصلي؛ ما زادني إيمانًا بأننا نبني مجتمعًا قويًّا، يؤمن بأن المرأة شريكةٌ في صنع القرار، لا هامشًا في رواية الوطن، بل بطلة في كل مشاهدها وجزءٌ من عنوانها.
شهد المؤتمرُ في جلساته الثلاث نقاشات معمقة أثمرت عن مجموعة من التوصيات تقاطعت عند هدف مشترك: على أهمية إعادة صياغة الصورة الذهنية عن المرأة في الخطاب العام، وتعزيز مشاركة المرأة المصرية في الحياة السياسية وصنع القرار في "الجمهورية الجديدة”، وركّزت على بناء وعي مجتمعي بدور المرأة في السياسة، عبر حملات إعلامية وميدانية تبرز كفاءتهن، إلى جانب إدماج التثقيف السياسي في مراحل التعليم العام وربطه بالهُوية الوطنية وقيم الانتماء، مع تقديم نماذج نسائية مُلهمة للأجيال الجديدة عبر المناهج والإعلام. وطالبت المشاركاتُ بضرورة مراجعة بعض القوانين، وعلى رأسها "قوانين الأحوال الشخصية" بما يحقق استقرار المرأة، وتفعيل قانون ذوات الهمم، وتغليظ عقوبة التحرش بهن. وشدّدت التوصياتُ على ضرورة إصدار تشريعات صارمة تُجرّم العنف السياسي والانتخابي ضد المرأة، مرشحةً أو ناخبة، بما في ذلك التشهير والتهديد والتنمُّر الإلكتروني، مع دعم المرشحات سياسيًّا وإعلاميًّا وتوفير الدعم المالي واللوجيستي لهن، لاسيما المستقلات منهن، لضمان مناخ انتخابي عادل. ودعت إلى تعزيز تمثيل النساء داخل الأحزاب بشكل حقيقي وفعّال، ومنحهن مناصب قيادية بعيدًا عن الأدوار الرمزية، مع اعتماد لجان حزبية مستقلة لضمان نزاهة الترشح وإتاحة الفرص للكوادر النسائية. وطالبت التوصيات أيضًا بأن يكون للمجتمع المدني دور تكاملي مع الدولة في دعم النساء خلال كل مراحل العملية الانتخابية، عبر التدريب، والمرافقة القانونية، والدعم الإعلامي، وتوفير تغطية عادلة ومتوازنة للمرشحات. كما أوصت بتنظيم أدوات التواصل الرقمي للمرشحات، خاصة في ظل ضعف الموارد. وفي محور التربية والتعليم، أوصت المشاركات باكتشاف ودعم المواهب القيادية بين الطالبات في مراحل التعليم الأساسي، وربط التثقيف السياسي بقيم الانتماء عبر الأسرة والمدرسة والإعلام، مع مخاطبة الشباب بلغة معاصرة على المنصات الرقمية لتوصيل الرسائل السياسية بفعالية. بناء جيل قيادي يبدأ من الأسرة ويمر بالمدرسة ويُعزَّز بالإعلام الواعي. ولم تغفل التوصيات أهمية الدعم النفسي والمعنوي بين النساء، وترسيخ ثقافة التضامن النسوي في كل المسارات الحياتية، والاستمرار في تنظيم القوافل التوعوية والطبية للنساء في القرى والنجوع لرفع الوعي الصحي والاجتماعي، في المجتمعات الأقل وصولًا للخدمات. وفي الختام، توافقت المشارِكاتُ على أن الوعي، بكل أبعاده القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، هو حجر الزاوية في تمكين المرأة، وأن تحقيق مشاركتها في الشأن العام لن يتحقق إلا ببناء هذا الوعي وتجذيره في ضمير المجتمع.
وهكذا، لم يكن اللقاءُ فعالية عابرة في روزنامة المؤتمرات، بل نداءٌ وطنيٌّ بصوت نساء مصر على طاولة القرار. صوت لم يعُد يطلب مساحة، بل يُصمِّم الخريطة، ويرسمُ ملامح برلمان يُجسّد إرادة النساء: في قوّتهن، وحُلمهن، وكفاءتهن في صناعة التغيير. وحقّ لنا أن نوجّه الشكر للدكتور "محمد ممدوح"، رئيس مجلس أمناء "مجلس الشباب المصري"، على دعمه المستمر للمرأة وإصراره على أن تكون في القلب من كل تحرّك وطني صادق، وللدكتورة "أماني البدري"، رئيسة منتدى القيادات النسائية، التي جعلت من الحلم واقعًا، ومن الفكرة منصةً، ومن الهمسِ صوتًا تُصغي له المؤسساتُ وتُبنى عليه السياسات. إن ما بدأه هذا التحالف النسائي غير المسبوق هو أكثر من مبادرة؛ إنه إرادة وطن لن ينهض إلا حين تسيرُ النساءُ إلى جوار الرجال في ركب الوطن؛ يدًا بيد، وصوتًا بصوت، نحو جمهورية لا تُقصي أحدًا، وتؤمن بقدرات أبنائها وبناتها معًا.

***