-الحُبُّ- يسقطُ …. في أرض السلام و-الحب-!!!


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 8342 - 2025 / 5 / 14 - 10:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

Facebook: @NaootOfficial

“المحبةُ لا تسقطُ أبدًا"، لأنها من جوهر الله تعالى، ولذا هي أبديةٌ ومُطلقةٌ تتجاوزُ الزمانَ والمكان. الحبُّ خالدٌ كالأزل مثل: الحقّ والخير والجمال. الألسنُ سوف تذوي، والمعارفُ سوف تزول، وتبقى المحبّةُ، لا تَهرَمُ ولا تُهزَم ولا تُخفقُ، لأنها تعطي بلا شرط، وتمنحُ دون انتظار، وتُحقّق مرادَها في الإنسان في صمتٍ وسلام.
المفكرُ السعودي الكبير د. "محمد سعيد طيب" لفت نظري، بصوت يجمع بين الدهشة والعتاب، إلى خطأ، مقصود للأسف، في ترجمة لافتة ضخمة معلقة في مطار "شرم الشيخ". اللافتةُ بالإنجليزية تقول: "The Land of PEACE and LOVE”، والمقصود بها مدينة "شرم الشيخ" الجميلة. وفي الأسفل تقولُ الترجمةُ العربية بحروف صغيرة خجول: (مدينة السلام والأمل)!!!! الصحيح طبعًا: (أرضُ السلام والحب)! فأين سقط (الحب)؟! هل نخجلُ من هذي الكلمة النبيلة التي هي في جوهرها "الله" تعالى الذي أحبَّ البشرَ جميعًا دون شرط، فأغدق علينا من نعمائه ما لا نَعدُّ ولا نُحصي؟!
الدهشةُ في سؤال المثقف الكبير، معروفٌ سببُها، وأما العتبُ، فربما لأنه عاشقٌ لمصر، فحزن من تعمُّد إسقاط "الحب" عن أرض "الحب"! ولم أجدُ إجابةً عن سؤاله، لهذا أطرحه عليكم.
ويُطلُّ السؤالُ برأسه صارخًا: لماذا نستحي من الحب؟! لولا الحبُّ ما خلقنا اللهُ. ولولا الحبُّّ لتحوّلنا إلى قطعان من الهمج؛ يمزّق بعضُنا بعضًا. لولا "الحبُّ" ما كانت الحياةُ بكل ما فيها من جمال وسِحر. قبل الحبِّ ما كان شيء سوى العدم، لكن خالقًا مُحِبًّا "أحبَّ"؛ فخلق الحياةَ وخلق البشر. ثم جاء بشرٌ من الفلاحين "أحبّوا" فزرعوا الأرضَ وأنبتوا الثمرَ ليأكلَ غيرُهم، وجاء بشرٌ من المهندسين "أحبّوا" فشيدوا البنايات ليسكنها غيرُهم، وجاء بشرٌ من العلماء "أحبّوا" فابتكروا العلومَ والدواءَ ليشفى غيرُهم، وجاء بشرٌ من العباقرة والنُحاة "أحبوا" فابتكروا الأبجدياتِ واللغاتِ ليتواصل غيرُهم مع غيرِهم، وجاء بشرٌ من الفلاسفة والمفكرين "أحبّوا" فتأملوا في الكون وفكّكوا لغيرهم لغزَ الحياة، وجاء بشرٌ من الإصلاحيين "أحبوا" فوضعوا قانون الأخلاق والعدالة لينظموا الحياة وييسرّوا على غيرهم معيشتَهم، وجاء بشرٌ من الفنانين والشعراء "أحبّوا" فـ جملّوا الحياة بقصائدهم وموسيقاهم وريشاتهم، وجاء بشرٌ من الاستثنائيين "أحبّوا" فصنعوا الحضارات لكي يتحضّر غيرُهم من بني الإنسان ويبدأوا طريقَهم على الأرض، ثم جاء بشرٌ من الرُّسل والأنبياء "أحبّوا" فحملوا التَبِعةَ الثقيلة، وأوصلوا رسالاتِ الله لبني الإنسان، لئلا يضلّوا.
فلماذا نخجل من "الحب" إلى درجة المجازفة بتحريف ترجمة جملة بسيطة على لوحة عملاقة في صدر مطار دولي يحجُّ إليه السياحُ من جميع مطارات العالم ليشاهدوا أرضَ الفيروز والسحر والجمال: مدينة "شرم الشيخ" التي هي واحدةٌ من أجمل وأشهر المدن السياحية في مصر والعالم في جنوب سيناء الغالية، حيث يلتقي خليجُ العقبة بالبحر الأحمر الغنّي، ذاك الذي لا يشبهه أيُّ بحر من بحار العالم ولا يقاربُه سحرًا وجمالا وعجبًا؟! ما الضَّيرُ في كتابة: (شرم الشيخ: أرضُ السلام والحب)؟!!!! لماذا يسقطُ "الحبُّ" في أرض السلام والحب؟! ما جدوى تلك "الرقابة" غير المعلنة على المشاعر النبيلة، في زمن عزَّ فيه النبلُ وجفّتِ المشاعر؟! لماذا، بل كيف، نخجلُ من الحب ولا نخجل من البغضاء والاقتتال والعنف والترويع؟! كيف نسمح بهذا الانفصال المؤلم بين ما نُعلنه بلغة السائح الغربي، وما نخشى إعلانَه بلغتنا الأم: اللغة العربية الآسرة الغنية؟! هل نودُّ الاعتراف بأن الآخر الغربي يجيدُ "الحب"، ولا نجيده نحن المصريين والعرب، بل نخجل منه ونتعالى عليه، ونستعرُّ منه كأنه "عارٌ"؟!!!
مقالي هذا ليس مجرد احتجاجٍ على كلمة مفقودة في لافتة، ولا هو رفضٌ لترجمة خاطئة أخلَّت بالمعنى، بل هو صرخةٌ حارقة تُندِّدُ بخلل ثقافي وأخلاقي ينهشُ في قلب مجتمعنا. مقالي هذا سهمٌ يزود عن الحب ويحميه من طغيان التطبيع مع البغضاء. ونداءٌ متوسِلٌ يحاول استرداد حقّ الحب في الظهور والإعلان عن نفسه بكل فخر وثقة دون خجل ودون مواربة.
يبقى “الحبُّ” الفكرةَ الأزليّة التي لا يسقطُ جوهرُها مهما اشتدت العواصفُ أو تغيرت الأزمان. يبقى الصوتَ الأعلى مهما حاولنا إخمادَه. يبقى النورَ الذي يضيء أعماقنا ويبعث فينا الحياة، والمعنى الذي يجعل لوجودنا قيمة. إن التخلّي عن “الحب” أو محوه من لغتنا وواقعنا، هو هدمٌ للصلة العميقة التي تربطنا بالله وتُهذِّبُ الجسور بيننا وبين الآخر. أعيدوا إلينا الكلمةَ التي أسقطتموها عمدًا، حتى يعود للقلب خفقُه. الحب ليس مجرد شعور طيب، بل هو الوجود ذاته، هو الخلاص. فلنعلن فخرنا به بلا خوف، لأنه الطريق الأوحد نحو عالم أجمل مليء بالسلام والإنسانية، خالٍ من العنف والتفرقة، وفي الأخير: "الحب"، كما الحق، لا يسقط أبدًا.


***