يرشقون نوافذَ القطارات! مِقصلةُ الفرص الجميلة!

Facebook: @NaootOfficial
"علامة التعجب" في عنوان المقال كان يجب أن تكون ألف علامة وعلامة لتكافئ حجمَ الدهشة والذهول والألم! اقرأوا هذا الخبر ثم تألموا معي: “رشق عربة النوم المُطوّرة بالحجارة في أول رحلة لها على خطّ الصعيد!” عجبٌ من الذين يخربون ملكيات عامة، وخصوصًا: "حُلم الاهتمام بالصعيد المنسي"! لماذا ولصالح مَن؟! لكن الأعجبَ أن الأمر مرَّ مرور الكرام؛ وكأن رشقَ نوافذ القطارات وتصديع زجاجها؛ باتَ أمرًا عاديًا مألوفًا ومن طبائع الأمور في مصر! أمرٌ كهذا لو جرى في دولة مثل اليابان مثلا، وهذا مستحيلٌ قطعًا، لانفجرت الثوراتُ في كل الطرقات، ولضجّتِ الشاشاتُ بالخبر الجلل، ولأُجريت أبحاثٌ وشُكّلت لجانٌ، وعُقدت مؤتمراتٌ وانبرى خبراءُ نفسيون وتربيون يدرسون السبب وراء هذا السلوك المشين، ولأعاد كلُّ أبٍ وأمٍّ النظر في منظومة تربية أطفالهم الأخلاقية (لأن من يأتون هذا الفعل الشاذ أطفالٌ أبرياء! ولسبب مجهول!)
بدأت تلك الظاهرة حين كان الأهالي يرشقون قطارات الجنود الإنجليز أيام الاحتلال البريطاني لمصر كنوع من المقاومة. ورحل الاحتلالُ منذ عقود، لكن الأهالي فيما يبدو لم يخبروا أطفالهم بعد!
منذ قرأتُ الخبر أمس الأول وأنا في حال يأسٍ وإحباطٍ أظلم الأمل في عيني! وكاد عقلي ينفجرُ بالسؤال الحائر: “لمــــــاذا؟! لصالح مَن؟! شيء جميل قدّمه الوطنُ لنا، فلماذا ندمره بأيدينا؟! نتنفسُ الصعداء حين ننجزُ شيئًا جميلا في بلادنا في لحظة عُسر اقتصادي، فبدلا من الفرح به والحفاظ عليه، نُدمّره يوم ميلاده؟! ثم نشكو الحكومات التي لا ترانا ولا تترفقُ بنا ولا تهتم بنا، ونتباكى على حظنا العسر حين نقارنُ بيننا وبين المواطن السويسري والياباني والسويدي! لكننا ننسى عامدين أن نعترف بأن مواطن تلك الدول الراقية لا يدمر منشآته العامة، بل يربي أطفاله على أن الحفاظ على الملكيات العامة هو ألف باء الفضيلة والمواطنة والدين والأخلاق!!!!
إنها "مِقصلةُ الفرص الجميلة"! ما أن رفرف الحلمُ بجناحيه على قضبان الجنوب، حتى انقضّ عليه حجرٌ أعمى، حَسِبَ أن في وجه القمر لطخةً يجب أن تُمسَح برشقٍ بحجر. قطارٌ جديد، نظيف، ناعمٌ كحُلمٍ، عصيٌّ كرجاء، يتسلّل إلى رئة الصعيد ليزرع فيه شيئًا من الحُسن، شيئًا من؟: “نحن نستحق”. لكنه لم يُكمل يومه الأول… ارتطم بالحقيقة القديمة: بعضُ القلوب ما تزال تسكن الكهوف، وبعضُ الأيادي لا تجيد سوى رشق الطوب، وبعضُ العقول تكره النور وترتجف من أن يُضيء عتمتَها. رشَقوه بالحجارة! لماذا؟!
رشَقوا الحُلمَ في مُقلته، ثم راحوا يرقصون حول صراخه كأنهم أبطال! متى صار التخريبُ بطولة، و"تدمير الذات" لهوًا ولعبًا؟! إنما هو "انتحار" مجانيّ، وطَعنٌ الذات بيد الذات!
أولئك الصِّبية العابثون لم يصدّعوا زجاج نافذة في قطار جديد أنيق يزهو في خُيلاء ميلاده، بل صدّعوا أملا جفّّتِ الحلوقُ في المناداة به: “الصعيد مُهمل! نظرةً للصعيد أيها السادة”. وحين مدّت الدولةُ له يدًا، عاجَلها بعضُ أبنائه بقطع تلك اليد! أيُّ لعنةٍ هذه؟! أيُّ منطق يُبرر أن يهاجمَ الفقيرُ فرصتَه في الخلاص؟ أن يَخدشَ صورة نفسه حين تسطعُ مشرقةً؟
أيها الصعيديُّ النبيل، الذي تشربت نخوتَه الأرضُ فصارت "طِيبةُ" عاصمةُ الحضارة والجمال… أتُرضيك مثل هذه الأفعالُ المشينة؟! هذا الاغتيال للجمال؟! أيروق لك أن يهربَ القطارُ من جنباتكم وتعود سُحب الإهمال لتبسط خيمتها فوق مدنك الطيبة؟ أيروقك أن يتبدد أملُ الاستحقاق، لأن حجرًا أحمق سبق يد الشكر؟!
التخريبُ ليس “مزحة أولاد” ولا "لهو لاهين"، ولا: "دول عيال صغيرين بتلعب". بل هو خيانةُ جيلٍ لجيل، وكَسرُ مرآةٍ كانت على وشك أن تُريَنا أنفسَنا في هيئةٍ أجمل. التخريب يعني أن أبًا وأمًّا انشغلا وتغافلا عن تربية طفل أن يكون صالحًا وإنسانًا سويًّا متحضرًا!
تأملوا تقريرًا يقول: “كشف رئيس رابطة قائدي قطارات السكة الحديد، أن القطارات تتعرض بشكل يومي لاعتداءات بإلقاء الحجارة بمداخل المحطات التي تتمركز فيها المساكن العشوائية والمدارس والأسواق وتزداد ظاهرة التعدّي أثناء الدراسة، ويرشق الطلابُ القطار بوابل من الطوب والحجارة. وأكمل: "لو قلنا في يوم مفيش خساير، هيكون تكسير ٨ ألواح زجاج." رشق القطارات بالحجارة يعرض الركاب وسائقي القطارات للخطر، عطفًا إلى التلفيات التي يتم إصلاحها من ميزانية السكك الحديدية، ما يشكل عبئا على تلك ميزانية الصيانة الدورية.” تصوروا!
السؤال: كيف سيمارس أولئك الأشقياءُ هوايتهم الآثمة مع "المونوريل"؟ هل ستطاله حجاراتهم في عليائه؟ أم سيلجئون إلى تطوير أدوات التخريب لتشمل النبال والسهام والقاذفات الطائرة؟
غاضبةٌ من كلّ أب وأم لم يربيا أطفالهما على أن الفضيلة تبدأ من الصلاح والتحضُّر وصناعة الجمال، لا من الشر والإيذاء وتخريب الممتلكات العامة واللهو الرخيص والعبث. اغرسوا في أطفالكم حسَّ الجمال، بدلا من أن تزرعوا في يده حجرًا.
***