عِلمُ بلادي الجميلة: Egyptology


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 7389 - 2022 / 10 / 2 - 12:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

يغمرُني الفرحُ أنني شهدتُ لحظةً جميلة تتضافرُ فيها جهودُ الدولة المصرية لنشر الوعي المجتمعي بعظمة حضارتنا المصرية الاستثنائية. في عهود سابقة كنتُ أكتبُ بمَسٍّ غائرٍ من الأسى أن العالمَ بأسره يعرف قيمة تاريخ بلادي ويُدرسّه للنشء، فيما نحن أقلُّ شعوب الأرض درايةً واعتزازًا بتاريخنا العظيم. لكن في "الجمهورية الجديدة"، ومنذ اللحظة الأولى لتولّي الرئيس السيسي المثقف مقاليد الحكم، بدأت كوّة النور تتسع لننظر إلى الجدّ المصري بعين التقدير، فدُشِّنتِ المتاحفُ في جميع أرجاء مصر، وبدأ العمل الدؤوب على توعية الشعب بكنزنا الحضاريّ، وكُلِّفَ علماءُ مثقفون لحمل حقيبة وزارة الآثار والسياحة مثل د. "خالد عناني"، الذي حقّق طفرة مشهودة في ملفّ السياحة والآثار ونشر الوعي المجتمعي والعالمي بفرائد كنوزنا، ليُسلّم المشعلَ إلى د. "أحمد عيسى" لتشييد صناعة السياحة لتكون أهم ركائز الاقتصاد القومي بالعمل على زيادة حجم الوفود السياحية لتدرَّ على مصر مدخلات هائلة. وأثناء كل هذا لا يتوقف د. "مصطفى وزيري" عن الإعلان شبه اليومي عن كشوف أثرية جديدة، يحفرُ بيديه مع فرق الكشوف لإماطة التراب عنها.
نزهو بتاريخنا ونفخر بأن مصر، هي الدولة الوحيدة التي اِشتُقَّ من اسمها عِلمٌ عالمي عظيم يُدرَّس في مدارس وجامعات العالم. علم المصريات Egyptology الذي تأسس قبل ٢٠٠ عام، ونحتفل به في سبتمبر الراهن على مستوى دولي سيادي راق، كما يليق بحضارتنا. ٢٧ مارس هو اليوم العالمي للسياحة، وفيه فتحت الدولةُ المصرية جميع أبواب متاحفها للزوار المصريين وغير المصريين؛ لينهلوا من رحيق ماضينا الساحر المثقف الفنان. يتزامن نشوء علم المصريات مع اكتشاف حجر رشيد في يوليو ١٧٩٩، أثناء الحملة الفرنسية على مصر، ثم عكوف علماء الآثار على محاولة فك رموز الحجر الذي نُقش عام ١٩٦ قبل الميلاد، عن طريق مضاهاة الكلمات المكتوبة باللغات الثلاث: الهيروغليفية، الديموطيقية، اليونانية، حتى نجح في الأخير عالم الآثار الفرنسي "فرانسوا شامبليون" في فك الرموز الكاملة للأبجدية الهيروغليفية في ١٤ سبتمبر ١٨٢٢، فنشأ من ثم علمُ المصريات؛ لنتمكن بعدئذ في قراءة البرديات التي تركها لنا الجد المصري القديم، والخوالد الأدبية المحفورة على الجداريات في المعابد المصرية المنتشرة على ضاف النيل شرقًا وغربًا من الدلتا حتى أسوان، لنتعرف على جوانبَ من عبقرية الجد المصري القديم في جميع ألوان المعارف العلمية والفنية والإنسانية والسياسية والأخلاقية والدينية.
لولا كشوف حجر رشيد، الذي نرجو استعادته من متحف لندن وتجري محاولات سيادية جادة في هذا الأمر، لولا كشوفه وفك شيفرة أبجدياته ونشوء علم المصريات، ما تعرفنا على أرقى وأقيم قانون أخلاقي عرفته البشرية ذاك الذي ابتكره الجد المصري القديم لبناء المنظومة الروحية والأخلاقية والإنسانية لدى الإنسان، قبل نزول الرسالات السماوية بآلاف السنين. أتكلم عن "قانون الماعت" Egyptian Maat s Laws الذي نسَبَ الجدُّ المصريُّ مبادئه للإلهة "ماعت"، ربّة العدل والضمير، الذي من خلاله ضُبِط ميزانُ المجتمع المصريّ على قيم "الحق والخير والجمال”. ومن تلك المبادئ: “لم أكذب، لم أقتل، لم أسرق، لم أشهد زورًا، لم أستغل منصبي، لم أغضب دون سبب، لم أساند الإرهاب، لم أتسبّب في دموع إنسان، لم أسلك سلوك الشر، لم أخرّب ممتلكات الوطن، لم أعذِّب حيوانًا، لم أتسبب في شقاء نبات بأن نسيتَ أن أسقيه، … كنتُ عينًا للأعمى، كنتُ يدًا للمشلول، كنتُ ساقًا للكسيح، كنتُ أبًا لليتيم.” إلى آخر الاعترافات الإيجابية البالغ عددها ٤٢ اعترافًا، والاعترافات الاستنكارية بنفس العدد، وهو عدد محافظات مصر القديمة، وكان على رأس كل محافظة قاضٍ يقف أمامه المتوفى ليُنقّي ثوبَه من الخطايا، وتشهد لصدقه أو كذبه ريشةُ "الضمير" أو "ريشة ماعت" بعد وضعها في الميزان أمام قلب المتوفى، لنرى إن كان قلبه خفيفًا من الآثام، أم مثقلا بالخطايا. هكذا تحدثنا الميثولوجيا المصرية القديمة في كتاب: “الخروج إلى النهار"، أو كتاب الموتى.
قبل أسبوعين حضرنا احتفال "المتحف القومي للحضارة المصرية" بالفسطاط بذكرى مرور ٢٠٠ عام على فك رموز حجر رشيد، برعاية د. "أحمد غنيم" مدير المتحف. ويوم ٢٧ حضرنا احتفال المتحف القومي المصري بالتحرير بذكرى ٢٠٠ عام على نشوء علم المصريات الخالد. وكان الحفلُ البهي برعاية وزير السياحة والآثار د. "أحمد عيسى"، الذي نرجو له التوفيق في استكمال المسيرة الوطنية في الدفع بقطاعي السياحة والآثار إلى آفاق رحبة تطمح في استهداف المزيد من الأسواق السياحية الجديدة لتحقيق تنمية اقتصادية واعدة لمصر العظمى في الغد القريب بإذن الله. وتحيا مصر.
               ***