معجزةُ الأسمرات …. مدينةُ الأميرات


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 6732 - 2020 / 11 / 14 - 15:56
المحور: حقوق الانسان     

العشوائياتُ ظاهرةٌ عالمية منتشرةٌ في أرجاء الكرة الأرضية. إذْ تبلغُ نسبةُ قاطني العشوائيات حوالي 32٪ من سكان العالم، موزّعةً في أفريقيا وأمريكا اللاتينية والكاريبي والشرق الأوسط وجنوب وشرق آسيا، وغيرها من المناطق. وتنشأ العشوائياتُ من بنايات بدائية وأحياء فوضوية يخططها وينشئها الأهالي بأنفسهم، على أراضٍ زراعية وصحراوية وأراضي الدولة، خارج مظلّة القانون على نحو متنافر مع النسيج العمراني للمجتمع، ومتعارض مع الاتجاهات الطبيعية للامتداد، وتكون عادة عششًا من الصفيح أو الخشب أو الطين أو المشمع أو الكرتون والأقمشة البالية، وأحيانًا من الطوب، ولا تحتوي على حمّام ومطبخ وتفتقر إلى المرافق الأولية من ماء شرب وصرف صحي وكهرباء. وانتشرت العشوائيات في مصر مع تزايد ظاهرة النزوح من الريف إلى المدن على مدار العقود الماضية، حتى أصبحت هرمًا شاهقًا من المشاكل والمخاطر تتفاقم حدّته بسبب الانفجار السكاني، والريف الطارد والحضر الجاذب، وارتفاع أسعار الأراضي والشقق السكنية ذات المرافق، ورغبة الأهالي في إسكان أبنائهم إلى جوارهم، وضعف الاستثمارات في مجال الإسكان منخفض التكاليف، والتهاون في تطبيق القانون على مغتصبي الأراضي، وغيرها من الأسباب.
وكان ملفُّ العشوائيات هو الملف "الدائمَ التأجيل" مع تعاقب الحكومات منذ عقود، رغم إنشاء صندوق تطوير المناطق العشوائية بعد انهيار صخرة الدويقة بمنشية ناصر. لكن الظاهرة كانت تزدادُ استفحالا وتغوّلا بسبب عسر حلّها وتطلّبها أموالا باهظة إضافة إلى صعوبة عملية إحلال السكان من أماكنهم العشوائية التي اعتادوا عليها، إلى أماكن حضرية وآدمية بعيدة. ومع عهد الرئيس السيسي جرى تفعيل المادة 78 بالدستور المصري الجديد 2014 التي تنصُّ على أن الدولة تكفل للمواطنين الحق في السكن الملائم والآمن والصحي بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية. فبدأ العمل بجدية حقيقية وسرعة إنفاذ لحل كارثة العشوائيات جذريًّا. ومع عام 2015، وبزغت مشاريعُ سكنيةٌ ساطعةٌ وأنيقة في مختلف أرجاء مصر مثل: طلمبات الماكس في الإسكندرية، القابوتي وأبو عوف في بورسعيد، السمّاكين في سوهاج، زرزارة في الغردقة، جبل الزلط في أسوان، وغيرها في مختلف محافظات مصر من المشاريع العملاقة الآدمية الأنيقة التي شُيّدت لإسكان سكان العشوائيات. ومع بداية عام 2016، قامت وزارة الإسكان المصرية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية بوضع استراتيجية خماسية تهدف إلى تحقيق مسكن آمن للمواطن المصري الذي يقطن مناطق عشوائية غير آمنة أو شديدة الخطورة، والتي قُدّرت بمائة وخمسين ألف وحدة سكنية. ووضع للاستراتيجية جدول زمني لا يزيد عن العامين، هادفةً إلى مراعاة التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع صياغة سياسات وقائية لمنع تكرار ظاهرة العشوائيات الخطرة.
ثم تأتي دُرّةَ تاج مشروعات تطوير العشوائيات. "حيُّ الأسمرات" المشرق البهيّ بألوانه المشمسة ومراحله الثلاث. بناياتٌ جميلة على طراز أنيق مريح، تنهلُ ألوانُه من ريشة الطبيعة، ومسافات فيما بينها تكفل الخصوصية. تضمُّ البناياتُ منازلَ مؤثثة بكل ما يحتاجُ إليه الساكن من أساسيات وأجهزة كهربائية. ونوافذُ تُطلُّ على حدائقَ تسرُّ الناظرين. يضمُّ "حيُّ الأسمرات" بمراحله الثلاث مباني لجميع الأنشطة الطبية والتعليمية والدينية والترفيهية؛ من وحدات صحية، مدارس، مساجد وكنائس، ملاعب كرة قدم وتنس وحمامات سباحة أولمبية وترفيهية، ومبان اجتماعية وحدائق أطفال ومحال تجارية، وتصلُ كفاءته لإسكان ما يقاربُ العشرين ألف وحدة سكنية. وينهجُ مشروع الأسمرات فلسفةَ الإيجار التمليكي بإيجار شهري رمزي قدره 350 جنيه، لاحتواء سكّان العشوائيات الذين يستحقون الحياة الآمنة الكريمة التي تليق بكل مواطن مصري.
معجزة حقيقية كانت حلمًا شبه مستحيل يراود قلبَ مصر، وصارت اليوم حقيقة نلمسها ونراها لنزهو بها في لحظة تاريخية حققتها قيادة سياسية محترمة ورئيس وطني نبيل أحبَّ أبناءَ وطنه وقرر، بالفعل لا بالكلمات، تحقيق العدالة وحق الحياة الكريمة لكل من شقّت عليه في عهود سابقة.
يشعرُ المرءُ بالزهو وهو يتجوّل في حي الأسمرات التي خلقت بيئة اجتماعية صحية وحضارية لقاطنيها، فيما يعدُّ وثبة حضارية حقيقية وفريدة في تاريخ مصر. كنّا نخجلُ من مشاهد العشوائيات التي تنقلُها الكاميراتُ للعالم من قلب مصر، فتحوّل الخجلُ إلى فخر بما حققناه في سنوات قليلة في مجال تطوير العشوائيات وتحوليها إلى مدن سكنية متكاملة وأنيقة تليق "بأميرات مصر" من المصريات المكافحات ربّات الأسر البسيطة اللواتي كنّ راضيات بقدرهن في السكنى في عشوائيات المقابر وعرب المحمدي ومنشية ناصر والدويقة وغيرها. والآن تمنحهنّ مصرُ في عهد قيادة سياسية راقية ما يستحققن من كرامة وحياة حضارية. تحيا مصر ويحيا رئيسُها العظيم. "الدينُ لله، والوطنُ لمن يرتقي بالوطن”.

***