سليمان والعرش ومن عنده علم الكتاب في معادلة الفعل والتشكيك. (ملك سليمان) ح 16


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 7876 - 2024 / 2 / 3 - 04:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

في البدء كان إبراهيم ومن ثم الحكاية

في البدء من عام 1900ق.م وبين عام 1850 ق.م على الأغلب ولد إبراهيم بن تارح في كور كوثى من كور بلاد بابل، ليكون الجيل العاشر من ولد نوح وعلى ملته كما يخربنا النص القرآني والتوراتي، لأب رحل قبل ولادته وتبناه العم أزر الذي كان من طبقة الكهان في المعبد ومن سادات القوم، ورد اسم إبراهيم في القرأن كصفة وإدعاء وليس لسم شخصي له، ففي النص القرآني يقول (سمعنا فتى يقال له إبراهيم)، كلمة يقال هنا ليست دلاله على أسمه بل على صفة الشخص الذي عرف عن التبرم، لذا يذكر علماء التوراة من أنه أسمه في ثومه "إبرام" قبل الهجرة منهم، وإبرام بالعبرية يعني المتبرئ وليس كما يزعم التوراتيون من أنه يعني الأب الرحيم، كما ورد ذلك أيضا في القرآن لصفة الغلبة على إبراهيم (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) ﴿١١٤ التوبة﴾، فقد تبرأ إبراهيم من أبية وملة قوم لا يؤمنون بالله، وصار أسمه إبراهيم أو المتبرئ من الجذر أبرأ وأداة التعريف حرف الميم كما في اللهجة البابلية العراقية القديمة كما في اللهم.
عاش إبراهيم بعد أن تبرأ من دين قومه وأعلن إيمانه بالله ربا واحدا وأعلن عن أن أسمه مسلم "وأنا أول المسلمين"، بعد حادثة الحرق ونجاته من النار ليمارس الدعوة إلى الله في بلده بابل، حتى أشتهر عنه حكمته وعلمه وتقواه بين الممالك العراقية القديمة، فقد ذكرت الوثائق التاريخية والمدونات المنقوشة التي قرأت بشكل ما وربما حرفت عن الحقيقة لأجل البقاء على صوابية الرواية التوراتية، أنه مؤسس وأول ملوك مملكة كيش المجاورة لبابل وربما هي كوثى أو قريب منها، كما يذكر ذلك صمؤيل كريمر التوراتي التلمودي وتلميذه النجيب طه باقر، دون أن يذكروا المصدر الذي جعلهم يصنفون مسلم أو مسيلم ملك، فقد ذكر الباحث فايز مقدسي (بينما كنت أنقب وأبحث وأدرس النصوص السومرية القديمة ومنذ الألف الثالث قبل الميلاد لفت إنتباهي ورود اسم ملك سومري يدعوه النص (ملك مملكة مدينة كيش) في جنوب العراق ويعود تاريخ اللوح المدون عليه الاسم إلى سنة 2550 قبل الميلاد، واللوح موجود اليوم في متحف اللوفر باريس) .
ومما يؤكد إن مسلم كان على ديانة التوحيد وأنه ليس بملك ما جاء في النص الذي نقله الباحث المقدسي، والذي يظهر منه النقاط التالية".
• أن مسلم ليس ملك كما هو وارو أسم لو جال "بمعنى ملك" في النص ونسبته لمسلم، فالجال أو الجل أو لوجال تعني عظيم أو سيد، فالنص عندما نقرأه بلغة أكد يتحول من الصيغة التي أستخلصت من الإنكليزية إلى العربي، لتصبح هذه العيارة نصا (آن - ليل - لوجال - كور - كور - را - اب - با - دين - جير - دين - جير)، والترجمة الصحيحة هي (العظيم أو السيد رب آن "السماء" ليل " العالي" ورب "كور_ كور " الأرضين ورب الدين).
• في أعتقادي أن النص الذي نقله الباحث المقدسي لم ينقل محتوى النص بأمانة ولا باللفظ البابلي أو الأكادي القديم كما هو أو كما كتب أو قصد به، والصحيح أن الجزء منه (آن - ليل – لوجال) يجب أن يكون (أنا الله السيد) أو (أنا الله العظيم)، وهكذا تم تحريف كلمة "أنا الله" من قبل التوراتيين بشكل مركز إلى معنى مزيف قالو أن يعني الإله (آن ليل) مرة وإلى الرب (أنليل) مرات كثيرة، والغرض دوما هو جعل العبرانيين هم أول من أمن بالله، والدليل أن الله تعالى عندما خاطب موسى عند النار كان النص (إني أنا الله)، الخطأ قد لا يكون مقصودا أيضا ولكن قد يكون من سوء الترجمة، فلم يعرف العراقيين ربا أو إلها أسمه "أن ليل أو أنليل" إلا بعد أن وضعه التوراتيون في المحتوى التاريخي وركزوا على التسمية ، كما حرفوا اسم مدينة بابل وجعلها من كلمتين هما (باب) و (إيل)، والحقيقة أن بابل هي باب الله وخففت لاحقا كما تلفظ بالعراقي اليوم بابل ومنها جاءت تسميتها المحلية "الحلة" أي حل الله، والدليل ورود اسم مدينة كربلاء الحالية بصيغة "كربله" بالأكادية التي هي منحوتة من "كرب الله" يعني أرض الله، ومثلها إن شاء الله تلفظ (إنشالله).
• عبارة رب السماء والأرض السيد العظيم تنفي أن يكون هناك شريك له في الربوبية لا في الأرض والسماء، وهذا هو جوهر التوحيد الذي دعا له نوح من قبل مسلم (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) الأعراف 59.
نعود لمسلم رجل الدين الصالح والذي تلقى النبوة بعد أن كشف الله له البصر والذي أجتهد في نشر دعوة التوحيد التي وجدت لها أرضا خصبة في العراق، عندها أمره الله أن يذهب ليرفع القواعد من البيت العتيق لإتمام مناسك دين الحنفية والإسلام، ولكونه وحيد وليس له من معين وقد بلغ من الكبر عتيا وأمرأته عاقر (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) الصافات، وهكذا تمت رسالة إبراهيم بإسماعيل وإسحق فرضا من الله ونافلة، ورفعت القواعد من البيت العتيق، وتولى إبراهيم ومن بعده أبنيه أسماعيل وذريته السدانة في بيت الله الحرام، وجعل الله أفئدة الناس تهوى لبيته بين قائم وراكع وساجد، حتى كبر أل إبراهيم من بعده وخلف الخلف وأصبح لأسحق يعقوب وذرية موصفة بالنص التالي (وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ)، فمن أمن وصدق في إيمانه مخلصا لله هم أل يعقوب صدقا وعدلا، ومن كان ظالما فهم الفرع الأخر من إسحق كما يقال إنه "العيس أو العيص" أو إسرائيل "المقاتل للرب" أو المحارب لله وبنيه، وكل الرواية مذكورة بالتفصيل في سورة يوسف في القرآن كما ذكرا في التوراة، وصادف أن ضربت المنطقة مجاعة شديدة أضطر أبناء يعقوب أن يبحثوا عن طعام ومؤنة لهم ولعيالهم وماشيتهم وهم في البدو، فدخل أبناء يعقوب مصرا وصار الذي جرى من قصة يوسف وأخوته وأستقرار يعقوب وأبنائه في مصر، الذين شكلوا جالية من غير المصريين لهم سلطة ومركز سياسي وأجتماعي مهم، فأطلق عليهم المصريون لفظ العبيرو أو العبرانيون للتدليل على أنهم غير مصريين.
هذه البداية ومنها تتواصل الحكاية في ملك سليمان ومن قبله مملكة داوود، ونبدأ من حلم يوسف (وتـزوج يعقوب من ابنتي خاله "ليئة" و"رحيل" حسب وصية أبيه إسحاق ثم تزوج أيضا بجاريتهمـا، ولـد له أثني عشـر ابنا ولقـد حظـي ابنـا رحيـل (يوسـف وبنيـامين) بعطـف أبيهمـا يعقـوب أكثـر مـن بقيـة أخـوتهم، فلمـا رأى إخوتـه أن أبـاهم يحبـهم أكثـر مـنهم أبغضـوهم لـم يكلموهم، وشب يوسف غلاما يرعى الغـنم مـع إخوتـه حتـى بلـغ مـن العمـر 17سـنة، ويـذكر الإصحاح الســابع والثالثــين قصــة حلــم يوســف عليــه الســالم ورأيــاه الشــمس والقمــر وأحــد عشــر كوكبا ساجدة له، مما زاد في حسدهم وبغضهم له وجعلهم يتآمرون عليه لقتله .
وتـــذكر الإصحاحات التاسع والثالثين إلى الخمسين قصة يوسف في مصر وشغف امرأة فوطيفار به، وسجنه وتفسـيره لرؤيا خادمي الملك في السجن ثـم قصـة حلـم الملـك وتعبيـر يوسـف لـه ونيلـه الحظـوة لديـه وجعلـه قائما على جميع أرض مصـر، وخزنـة الغلال والطعـام لمواجهـة سـنوات القحـط التـي تنبـأ بهـا مـن حلـم الملـك، واشـتد الجـوع فـي الأرض، فأرسـل يعقـوب بنيـه للأمتيار، وتظـاهر يوسـف بارتيابـه فيهم وطلبـه إحضـار أخا لهـم لـم يحضـر معهـم، ومـن ثـم احتجـزه عنـده بحجـة السـرقة، ثـم تعريـف يوسف بنفسه لأخوته، وطلب منهم القدوم مع أبيه وجميع أهلهم للإقامة في أرض مصر، وجـاء بيان ذلك في قوله تعالى (وأتوني بأهلكم أجمعين).
هكذا نشأت سلالة يعقوب ومعهم سلالة أبناء العم بني إسرائيل منذ إن طلب يوسف من أخوته أن يأتوا بأهلهم أجمعين من أل إسحق بأعتبارهم أشقاء وأهل بيت واحد من صلب واحد، لا سيما بعد أن أستقر أل إسماعيل بسدنة بيت الله العتيق، يقول المؤرخون أن دخول بني إسرائيل إلى مصر كان في أثناء حكم الهكسوس الذين سـيطروا عليها حوالي عام 1730 ق.م، وكان عمر يعقوب مئة وعشرة سنين وكل عائلة يعقوب وأهله كما تذكر الإصحاحات حوالي سبعين نفرا ، ليتحول هذا الوفد إلى جالية ساهمت في الحكم والوعي الديني والفكر الحضاري المصري، وترسيخ يعض مفاهيم ديانة التوحيد في المجتمع المصري، حتى صار لهم حضور قوي منافس على مر السنوات اللاحقة، مما دعا الكثير من المتضررين وخاصة من الكهنة ورجال الحكم، أن يسعون للخلاص منهم بطريقة أو بأخرى حتى جاء فرعون موسى ربما يكون رمسيس الثاني (حوالي 1280 - 1213 قبل الميلاد)، الذي ذكرت التوراة والقرآن الكثير من تفاصيل الأضطهاد والقتل والتنكيل الذي جرى بحق العبرانيين. خرج موسى بقومه هاربا من بطش فرعون ووعده ووعيده من أرض مصر مشرقا نحو الأرض المقدسة التي بارك الله بها لإبراهيم كما هم يقولون في توراتهم (سفر التكوين 14:13 بعد اعتزال لوط عن إبرام: "قال الرب لإبرام انظر من الموضع الذي أنت فيه شمالا وجنوبا وشرقا وغربا 15- لأن جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد)، هنا وعد الله لإبراهيم ونسله وليس لمحدد خاص، فالإسماعيليون هم النسل الأكبر من إبراهيم والأعظم قوة وسطوة وأنتشارا في الأرض، وهم من جعل الله لهم الوعد فعلا فملكوا شرق المكان وغربه وشماله وجنوبه كما ورد في الإصحاح المذكور، أما بني إسرائيل بما عملوا وعصوا كتب الله عليهم الذل والمسكنة أينما ثقفوا، ومن يوم تمردوا على هارون لم تقم لهم قائمة، فكلما عفى الله عنهم وتجاوز جاؤوا بأعظم ذنب ويعاقبهم الله ويذلهم لأستكبارهم وعنادهم المستمر.
وكما ورد في النص التوراتي خصوصا والقرآني على وجه العموم تكون الوراثة للصالحين منهم فقط من كل بني الإنسان، وليس تحقيقا لوعد مزعوم لبني إسرائيل فيها تخصيصا ونصا، فالله وعد موسى كما وعد غيره من الرسل والأنبياء أن الله يرث الأرض لعباده الصالحين ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ الأنبياء 105، أما وعده لقوم موسى بما فيهم بني إسرائيل فكان ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ المائدة 21، فكلمة كتب الله لكم أن تدخلوها من باب العلم أن الله أراد لهم أن يخرجوا من أرض مصر في يوم من الأيام، وهذا من باب القدر المحتم، أي أن الله لم يجعل لكم أرض مصر وطنا دائميا، وإنما كتب لكم أن تخرجوا منها لتدخلوا أرض الله المقدسة، فالله يورث ما يشاء لمن يشاء ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ الأعراف 128.
الوعد الذي كان لموسى وقومه عقدا بين الله وبينهم موقوفا على شرط فاسخ، فالنص به شرط ومشروط ومضمون شرطي لا يمكن أن نأخذه بعلاته دون أن نستحكم الوعد بما أشترط الله له، ولنتأمل النص (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ "الوعد أو البشارة"... الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ "هذا الشرط اللازم والفاسخ" فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ "النتيجة التي تترتب على عدم الألتزام في الشرط")، هذا ليس فقط في القرآن بل عندهم في التوراة وملحقاتها وإليكم دليل واحد على الشرط والمشروط والشارط فقد ورد في سفر اللاويين (وهو من أسفار موسى): 20: 22 فتحفظون جميع فرائضي وجميع أحكامي وتعملونها لكي لا تقذفكم الأرض التي أنا آت بكم إليها لتسكنوا فيها 23 - ولا تسلكون في رسوم الشعوب الذين أنا طاردهم من أمامكم لأنهم قد فعلوا كل هذه فكرهتهم 24- وقلت لكم ترثون أنتم أرضهم وأنا أعطيكم إياها لترثوها أرضا تفيض لبنا وعسلا، ومن القواعد الفقهية والعقلية والمنطقية إذا كان الوعد مقرونا بشرط لا يمكن أن يتحقق الوعد وينفذ في حق الواعد ما لم يتحقق الشرط من قبل الموعود له به، فهل ألتزم بني إسرائيل من قوم موسى بالشرط حتى يتمسكوا بالوعد؟.
في سفر العدد 14: 11 كمثال على العصيان والتمرد وعدم الألتزام بالشرط ما ينفي أن الوعد باق وأن الأمر قد قضي من قبل سواء أأمن بنو إسرائيل به أم لم يؤمنوا، فهو حق مكتسب لا جدال فيه رضي الله أو أبى، (وتذمُّر جميع بني إسرائيل وتمنيهم لو ماتوا في مصر بدلا من أي يسقطوا بالسيف في هذه الأرض... يذكر النص: " 11- وقال الرب لموسى حتى متى يهينني هذا الشعب ...22- إن جميع الرجال الذين رأوا مجدي وآياتي... ولم يسمعوا لقولي لن يروا الأرض التي حلفت لآبائهم. وجميع الذين أهانوني لا يرونها... 29- ..من ابن عشرين فصاعدا الذين تذمروا عليَّ 30- لن تدخلوا الأرض التي دفعت يدي لأسكنكم فيها...30- وبنوكم يكونون رعاة في القفر أربعين سنة".، فهذا النص يحرمهم من دخولها وسكناها لفسادهم وإهانتهم لله، وهذا يعني أنه كان وعدا شرعيا متوقفا على طاعتهم لله، وليس عطاء أبديا ولا حقا أزلياً.
تاه قوم موسى أربعين عاما بعد أن تمردوا وعصوا وأتخذوا ربا من دون الله، ومات موسى وهارون وبعث الله لهم ما لا يعد من الأنبياء، نبيا بعد نبي، فكانوا لا يترددون في قتلهم واحدا بعد الأخر أو تكذيب، حتى إذا أدركهم الهلاك باءوا وعادوا إلى الله "يا رب أنجينا منها فإنا لك هادون"، فهادوا وعفى الله عنهم وجدد لهم الوعد والوعيد وصاروا من يومها يهودا، يعصون ويتوبون والله معهم غفور رحيم، فظلوا مشتتين بين الأرض والأرض بين قتل وطرد، ينفون من كل مكان جزاء ونكال لهم، لا أمان لهم ولا عهد ولا لأحد يأمن لهم لمكرهم وطمعهم وقسوتهم، حتى قال نبي لهم محرضا على وحدتهم وضرورة أن يكون لهم وجود بثمن (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) البقرة 246.
من هذا المفصل بدأت حكاية داوود وسليمان وما تشعب منها وعنها من أباطيل وتضليل، فقد قال نبي لهم ولا يهمنا من الحكاية من هو النبي بقدر ما نؤكد على أن ما جرى كان قدرا ومقدر وشرط ومشروط مرة أخرى من الله لبني إسرائيل، وقد ضاقوا ذرعا من أذى الأراميين الذين أذاقوهم الأمرين من أعتداء وسلب وطرد من أي مكان يجتمعون فيه، وقتل لأبنائهم وسلب أموالهم، وكذلك سطوة الكنعانيين عليهم وعدم السماح لهم بتكوين مجتمع ينافس مدنهم أو رفض أن يكونوا هؤلاء المشردين جزء من مجتمعهم لأختلاف في الثقافة والطباع والدين، في الوقت الذي أمتد ذراع الدولة الأشورية بقادتها الموحدين حتى تخوم مصر وسيناء ليمنع عنهم أي أتصال أو مواصلة مع من بقي منهم في مصر، كان أمر النبي أن يتحالف مع ملك أشور وإمبراطورها الموحد ضد الكنعانيين وضد الأحلاموا ليأمن شعبه ويضمن لهم القوة، فطلب من قبائل بني إسرائيل أن يكونوا جزء من إمبراطورية أشور وأن يكون ملكها ملكا لهم وأن يكونوا جندا بين يديه لمحاربة الأخلامو أو الأحلامو بزعامة رئيسهم وبطلهم جالوت.
هكذا تمت المبايعة بين نبي لهم وبين الإمبراطور الأشوري الذي قاد حربهم ضد جالوت وجنوده عبر النهر "الفرتو" أو الفرات وليس نهر الأردن كما يزعم التوراتيون، فقد كان الفرات هو الحد الفاصل بين الأحلاموا والأشوريين وهو النهر المذكور في القصص الديني في أعاليه من أرض جنوب سوريا وغرب العراق، حيث كان الأحلاموا منتشرين قطاع طرق وسلابي القوافل، وطلب الإمبراطور الأشوري ذي الأيدي "أدد" من بني إسرائيل أو ممن تطوع للقتال مع جيشه، أن يتقدموا الصفوف لأنهم هم أصحاب القضية ولا بد أن يقاتلوا أعدائهم، فنكصوا عن القتال بحجة النهر وأن لا طاقة لهم بقتال جالوت وجنده وهم لم يتعودوا القتال من قبل، إلا من كان مؤمنا حقا فقاتل ذو الأيد داوود بجيشه ومن معه من بني إسرائيل جالوت وقتل داوود جالوت وأنهز الأراميون الأحلاموا وثبتت نبوءة النبي، وقد جاءت الملائكة بالتابوت علامة النصر من الله، ولتنشأ بعدها الإمبراطورية العظمى لداوود ومن بعده سليمان بعد أن كسر شوكة الأحلاموا والكنعانيين، ليمتد ملك سليمان بعد ذلك حتى بحر العرب والاحمر والخليج العربي وأواسط أسيا وجزر المتوسط، في إمبراطورية موحدة لا تنبغي لأحد من بعده، ليس لوسعها ولكن لما حملت من أسباب ومبررات ومكونات لا يمكن أن تتكرر من بعده.
بعد أن مات سليمان أو سلمانو أو شلمانو وبدأت تتفكك الدولة الأشورية من بعده، وقويت شوكة بني إسرائيل الذين عاشوا في دولة النبي سليمان حفيد النبي أدد أو داوود الملك، نتيجة لسيطرة التوحيد كمعتقد في واقع جغرافي ممتد من شرق العراق وجبال زاجروس حتى حدود مصر، ولكون بني إسرائيل هويتهم توحيدية مقابل وثنية وشرك الكنعانيين والأراميين، فقد توحد هؤلاء القوم لينفردوا بحكم منطقة يعتقدون أنها تمثل لهم جذر تأريخي ووعد ديني كونها الأرض المقدسة أو ما يمكن أن تكون جزء من هذه الأرض، إلا إن النزاعات والشقاقات والتنافس بين القبائل الإسرائيلية أو ما يعرفون بالأسباط، بقيت تفرقهم وتعيدهم للتشتت والتمزق لينتهي وجودهم محصورا في منطقتين أور سليم أو دار السلام، ومملكة يهوذا في الشمال منها في الناصرة وما حولها، أما ما يزعم عن هيكل سليمان فلم يكن سوى قصر سليمان العجيب في كالخ، عاصمته العظيمة والذي يعد واحدا من أكبر الصروح العظمى في التاريخ.
هذه القصة سريعا منذ أن خرج لإبراهيم النبي مسلم من أرض كوثى قاصدا الأستجابة لأمر الله في رفع القواعد من البيت العتيق، مرورا بـ "كربله" ثم التوجه غربا بمحاذاة الفرات وصولا إلى بلاد الشام، ومنها منحدرا صوب أرض الله التي بارك حولها في مكة، ليبدا من هناك ببناء عالم الرب الموحد، ويدعو لدين التوحيد ويعلم الناس مناسكهم هو وأبنيه إسماعيل وإسحق من زوجته الوحيدة سارة، لا هاجر ولا غيرها ولا دخل بلاد المصريين ولا عاش أكثر مما يحتاجه الطريق، مع من حمل من عائلته أبن عمه لوط، عاش ومات ودفن في مكة في مقام إبراهيم وكل مكة مقام له، ليورث السدانة والقيامة بأداء الإدارة الروحية لبني إسماعيل وذريته حتى يومنا هذا ليكونوا مصداق وعد الله وأمره.




."