عنوان الموضوع: هل يمكننا البدء من جديد دينيا؟....3


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 7911 - 2024 / 3 / 9 - 23:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

هنا أوجه كلامي للأخوة والأخوات من القراء الذين ستصلهم الرسالة أو يقرأوا ما فيها ومن خلفها وما أضمر منها، عليهم أن لا يعتمدوا على أن ما جاء فيها هو زبدة الكلام، فحتى الحليب إن لم يدرك تحريكا كثيرا لم يخرج زبدته كلها، علينا أن نضع كل ما يصلنا أمام أعيننا الفاحصة عن خبايا وأسرار لم تعلن أو لم تبان كاملة، وفوق منصة النقد الممنهج العلمي والعملي وبمختلف طرائق ومدارس النقد ومناهجه في الدراسة العميقة والتمحيص الدقيق، فما سلم منها نعطيه مجالا لأن ينفذ إلى عقولنا ونتعامل معه وبه ومن لم ينجح أو يجتاز اختبارات المنطق ومنهج النقد فلا نرميه ولا نتركه على حافة الإهمال، لا بد من البحث عن نواقصه أو الإشكالات التي أثارتها القراءة وعندها سنكتشف ما ينقصنا أو يعوزنا لتكتمل معه الصورة، أيضا أن عملية النقد والتمحيص بحد ذاتها مشاركة عقلية مثرية للفكر ومتفاعلة بظروفها ومعطياتها مع أصل القضية، وبذلك يتحول الناقد إلى خالق معرفي أخر ويصبح المتاح المعرفي أوسع وقد يكون أشمل وهذا الحال بحد ذاته أنتصار للعقل البشري وإنجاز مشهود.
المشروع التنويري ليس بدعة إنسانية ولا هو ترف فكري مقابل حقيقة يعتقدها البعض إن موضوع إكمال الدين يعني أن الديان ختم على كتابه بختم النهاية ولم يعد هناك مجالا أو فرصة للتغيير، الإكمال هنا أعلان من الله أو الديان الذي صاغ حركة الدين في المجتمع من أول الخليقة ولليوم أن مشروع الدين كان مشروعا زمنيا تأريخيا مرتبط بالتحولات والتبدلات التي صاحب وجود الإنسان، وبالتالي هذا الإعلان بالتطور له وجهان الأول أن الإكمال أنتهى إلى نقاط أساسية تشكل خارطة طريق للبشر في حياتهم وعليهم أن يدركوا أن أي جهد أو محاولة إنسانية مهما كانت نبيلة وعقلانية ستصل إلى نفس النقاط التي وصل لها الدين الكامل، هذا يعني أن الديان يقول للناس حاولوا بالقدر الذي يمكنكم العمل منه، ستجدونني في النهاية في نفس النقطة التي تسعون لها، أما القضية الثانية في الإكمال أن المبادئ تبقى مبادي والغايات كما قلنا هي ذاتها ولكن العمل الوسطي بين الغايات والمبادئ هو المطلوب من الإنسان التحرك فيها والتجديد بتفاصيلها ووسائلها وأساليبها تبعا للظروف والمتغيرات.
الخلاصة التي توجهها الرسالة إلى الإنسان عقل ووجود ومسؤولية تتمثل في نقطة واحدة ترتكز عليها كل العملية التصحيحية برمتها وتهدف إلى تحقيق توافق بين الواجب والمستوجب، وهي أن البقاء في دائرة الشك والحيرة والتبرم الذي عليها الآن واقع المسلمين لا بد أن يبدأ من مرحلة النقد العقلي المنطقي لكل ما بين يدينا من إرث متراكم، ماضوي البنية والغالب فيه اللا عقلانية التي يرفضها الدين وحاربها حين جعل العقل دليل الإنسان إلى واقع الفضيلة والخير والمحبة، العقلانية المطلوبة في التعامل مع هذه المسألة تبدأ من حقيقة واحدة أن الدين وسيلة واحدة من مسائل الحياة في الإصلاح ومرتكز مهم في التعامل ولو روحيا مع الواقع بما فيه وما له وما عليه، فلا يصح أن نجعل الدين في الرفوف العليا ونطلب من الناس أن لا يجرؤا على تناوله كما هو مطلوب ومفترض بحسب رؤية الشارع الديان.
وإن كنت واحدا من الأصوات التي نادت بثورة الفكر والتجديد الحضاري وبرغم كل المصاعب التي واجهتها كما واجهها غيري من الداعين لها، إلا أن الواقع يقول قبل أن ننجح في الثورة الفكرية علينا أن نبدأ كما بدأ رسول الله محمد ثورته بكلمة (أقرأ)، فشعب وأمة لا تقرا لا يمكنها أن تستسيغ الثورة أو تقبل بها وبنتائجها مهما كانت المبررات والحجج والعلل، بل ستتحول إلى جيوش جرارة عمياء يقودها الكهنوت وقوى الظلام الذي تحركم من خلف شعارات القدسية والحرام، لا بد لنا أن ندع الناس لثورة (أقرأ) أولا، حتى يعرف من يريد أن يعرف أن القراءة أساس التغيير والتجديد والتمرد على الواقع الفاسد وبدونا القراءة كل الطرق مغلقة وخالية من رواد وسالكين لها وفيها.