الدرس السابع من دروس رمضان لهذا العام


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 7923 - 2024 / 3 / 21 - 16:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا
اللاحدون هم الملحدون بالمعنى الدلالي للكلمة، أم الملحدون غير اللاحدون وفق نفس الأستخدام المعنوي مع ملاحظة ما بينهما من أفتراق في حقيقة الدلالة والمعنى والمضمون، في قواميس اللغة وأستخدامات النص القرآني، حاصة أن معنى الإلحاد في القرآن لم يستخدم خارج مفهوم محدد يقصد به الدفن والتغطية وليس له أستخدام دلالي متعلق بالإيمان أو الكفر، أو إشارة لمن ينكر الدين أو يجحد به، هناك الكثير من النصوص التي سأوردها هنا ومن خلال تنظيم السياق الدلالي لها سنعرف تماما معنى اللاحد والملحد.
أولا لنستعرض النصوص بالترتيب كما هي في القرآن الكريم"؟
1. (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ﴿١٨٠ الأعراف﴾.
2. (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) ﴿١٠٣ النحل﴾.
3. (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ۗ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ﴿٤٠ فصلت﴾.
4. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) ﴿٢٥ الحج﴾.
5. (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا) ﴿٢٧ الكهف﴾.
6. (قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا) ﴿٢٢ الجن﴾.
ستة من النصوص جاءت تحت عناوين يلحدون "فعل" وإلحادا "مصدر" وملتحدا "حال"، كلها أيضا تتحدث عن ظاهرة حسية عملية تسخيريه لا تتصل بأي سبب أو صلة بما نستخدمه اليوم من مفهوم الإلحاد الشائع الذي يعد منسوبا إلى خانة الكفر أو الرفض للدين أو حتى لله، والدليل أن النص القرآني لم يستخدم هذا المفهوم لا عن قريب ولا عن بعيد أننا نجد في النص السابع عندما عرف الذين كفروا بأنهم الذين يصدون عن سبيل الله، وأشار في النهاية لذات المعنى الذي نتحدث عنه في هذا الدرس وهو التلحيد بمعنى وضع شيء في لحد ودفنه فقط لغرض الوصول إلى نتيجة محدد، فلحد الميت يكون أولا وأساسا التخلص من التأثيرات البيئية لجسد الميت بعد التحلل والتعفن، ولاحقا صار الأمر شرعيا عندما جعل الدفن إكراما للميت وحفاظا على صورته عند ذويه.
بعيدا عن المجال الديني ونذهب للعلم الحديث الذي قد يوصلنا إلى المفهوم البعيد للإلحاد الذي نعنيه والذي جاء هنا في النصوص، إنها نظريات الفيزياء الكمومية في نسيج الزمان او المكان وما جاء فيها من نتائج غريبة توضح لنا أو تضع لنا قانونا منضبط وعلمي عملي، وهو "ان كل حركة مهما صغرت في نسيج الكون وجزئياته فلها تأثير في حركة جميع جسيماته"، بمعنى أن إرتداد نتائج أي حركة في أي جزء من الكون تنتقل بشكل أو بأخر إلى عموم البناء الكوني بحسب قوتها وأنها تبقى فيه ولا تتلاشى ولكنها قد تتحول إلى شكل أخر بوضع أخر ولكن بالمطلق لا تختفي من التاريخية الكونية وتدور في فلك الوجود، هذه الحقيقة العلمية يمكن فهمها والأعتقاد بها بأعتبار أن أي حركة هي بالأصل طاقة أو فعل طاقة أو تتحول إلى طاقة، والطاقة وفق قانون حفظها لا تعدم ولا تخلق من عدم، ولكنها من الممكن أن تتحول من شكل لأخر.
فطاقة الكلام مثلا وهي من الموجات الصوتية الطبيعية أو المصنعة أو ما يتولد من هذه الموجات من طاقة عابرة وممتدة ومنتشرة، لا بد أنها تنتقل عبر النسيج الكوني لتؤثر في شيء أو أشياء أو تترك أثرا في مكان ما أو مجال ما، وتبقى كذلك إلا إذا تحولت عن طبيعتها الأصلية وتغيرت تأثيراتها نتيجة لذلك، من التجارب العملية التي عشناها أو جربها الإنسان مثلا الغناء والموسيقى بالرغم من أنها مجرد طاقة تصدر من مصدرها الطبيعي الواحد، وقد لا تفرق عن البكاء مثلا أو عن الضجيج من حيث التركيب العملي والوجودي لها، لكنها تختلف بالتأثير والنتيجة وفقا لما تتركه على المتلقي الذي له القابلية الطبيعية أن يستقبلها بالشكل الذي ترتسم في الذهن الذاتي له، فالموسيقى والغناء التي تعتبر من الجماليات الإيجابية عند الكثيرين من الناس وحتى الحيوانات والنباتات قد يراها البعض بغير الصورة هذه وقد يرفضها أو ينزعج منها أما لسبب من حالة نفسية أو حالة عقلية.
هذا ما جاء بالنظرية الفيزيائية الحديثة عن الأصر والبقاء الدائم له دون أن يكون أي شيء يحصل في الوجود عبثيا أو لا أثر له، هذه النظرية والشيء الغريب أن الأستخدام الحقيق لها دون أن توضع في قوالب علمية وتؤطر بشكل أكاديمي موجوده منذ فجر التاريخ، وعرفها الإنسان الأول بحذافيرها وأستطاع بنجاح أن يمارسها ويسخرها ويستفيد منها في المراحل المعرفية الأولى في حياته عند نشوء ظاهرة السحر والدين المتلازمتين وجوديا، فلا سحر بدون دين معروف سواء أكان أعتقادات أو حتى مظاهر، فالدين في النهاية صورة من المتخيل البشري يشبه السحر من حيث جوهر العرقة بين الساحر والمسحور وبين المتدين والمعبود، فكلا الشكلين من الممارسة يستهدف التأثير بالأخر، فالعابد أو المتعبد يريد أن يجلب رضا الله ويستجيب له، والديان يريد أن ينجح في أن يجلب الإنسان لعبادته وإجباره للطاعة.
فظهور السحر مرتبط بظهور الدين كظاهره وجودية بدوية فطرية، وربما هناك من يقول أن السحر هو الذي أخترع الأديان وطورها من خلال مستلزمات ومفاهيمه كما يقول مثلا خزعل الماجدي، ولكن نظريتي تولي ترجح المبدأ الأول خاصة مع قوة تأثير الدين على الإنسان بشكل عام، أما السحر فهو محدود فقط بطبقة السحرة والمسحورين وقد لا يؤثر على الكثير من الناس إلا من خلال مبدأ التشاكل والتشابه الذي يربط بين الطبائع البشرية ونوع السحر وهدفه ووسائله، ولهذا يركز السحرة على نظرية التشاكل او المشابهة في أعماهم وأعتبارها من القوانين الأساسية لعملهم، فأننا نجدهم ميالين الي استخدام الاثر اي أستخدام اي شيء مرتبط بالإنسان لإيقاع التأثير المشابهة لما يصنعونه علي الانسان في الحقيقة، وهنا لا تفرق الابعاد الزمانية او المكانية بين امكانية حوث السحر او الاثر المرجو من العملية السحرية برمتها .
أسس الإيمان الديني منذ البدء على مرتكز الصراع بين الله وبين الشيطان، وأن وجودهما الأبدي ونتائج الصراع هذا دائما ما كان يلقي بأثره ونتيجته على الإنسان، لذا قسم رجال الدين المجتمع طبقا لهذا التصنيف لقسمين حزب الله وحزب الشيطان، وكلما صور رجال الدين زيادة القوة التي ينسبونها للشياطين لا بد من أختراع مقابل ضدي نوعي مستمد من نصوص الدين أو من أسماء الله وصفاته أو كلامه، وهذا بدوره غذى مخاوف متزايدة إزاء التهديد الذي يشكله إبليس بالنسبة للدين، فإذا كان السحر الطبيعي فننا غيبيًّا يعتمد على الإيحاء النفسي أو نتائج أثر الطاقة السحرية التي يمارسها الساحر، فإن السحر الشيطاني تعد هرطقة وكفر وهكذا، لم يَعُد السحر تعبيرًا عن الوثنية كما يظن أو يعتقد البعض من علماء الأنثروبولوجيا، وإنما هو في الحقيقة انحراف عن الإيمان الديني المعتمد على رسالات الله وكتبه، ومع ازدياد السحرة الذين تكافحهم المؤسسات الدينية وتحاول التضييق عليهم، وازدياد عدد كتب السحر التي يعثر عليها محققوها ويحرقونها أو يدخلون عليها تعديلات، كما حصل مثلا عندما أستخدم السحرة بعد ظهور الإسلام الآيات القرآنية وأسماء الله وحولوها إلى طلاسم وتمائم وأشكال أخرى من ممارسة السحر، وأبدلوا ما كان موجودا مثلا من نصوص وأسماء عبرانية أو فارسية أو هندية ورومية، بأسماء ونصوص عربية من القرآن، ازداد اقتناعهم بأن السحر الشيطان وربما كل أنواع السحر جزء من منظومة الدين الإسلامي.
ونعود إلى السحر الذي يتعلق بالمقابر واللحود وقد شاع عليه البعض تسمية بالسحر الأسود، وهو من أقدم أنواع السحر تأريخيا وقد مورس في بلاد الرافدين وفيه إشارات قرآنية ذكرت في قصة ملك سليمان والملكين في بابل، والأكثر تأثيرا كما يظن السحرة والمسحورين والعموم من الناس، وهذا السحر يعتمد في قوته على أنه يتصل بعالم الأموات والحياة الأخروية، وبعيدا عن مشروعيته وتحريمه والمقالات التي تتعلق به فهو يقوم أساسا على وضع السحر في اللحد "لحد الميت"، وأحيانا يلحد لحالة ويدفن بشكل مخصوص وبكيفية تتعلق به حتى يكون مفعول مجاله العملي بعيدا عن إزالة أسبابه بالتبطيل أو السحر المضاد، والحقيقة كما تقول الفيزياء الكمية أن الطاقة التي تنبعث من ممارسة السحر لا تفنى، ولكن يمكن التأثير عليها بالتغيير في الأثر أو تغير المسارات الوجودية لها من خلال تغيير نوع الطاقة.
فعندما يشير الله إلى المصطلحات التالية في النصوص الست التي ذكرناها في المقدمة، نجد أنها تتوافق تماما مع ما ذهبنا إليه أن الإشارة القرآنية تلك تتعلق بنوع خاص من السحر الذي يتعلق باللحود والإلحاد والملحدة، ولنرى الدلالات هذه حتى ر يقال أننا نتعمد تحريف المعنى عن القصد النصي والدلالة القصدية:.
• {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ}، الله يأمر الناس بالدعوة بأسمائه لطلب الخير والدعاء ويحذر من الذين يلحدون بها كما يلحد السحرة بالأسماء تلك والدليل {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، الدليل أن الملحدين كانوا يعملون بها بمعنى أنهم يحولنها إلى أعمال.
• { لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ}، هذا الأستخدام للكلمة مرتبط للتفريق بين كونية اللسان الذي يدعوا به النبي محمد وهنا اللسان بمعنى الكلام المؤثر والذي يصفه الكفار والمشركين بأنه سحر " قال الكافرون إن هذا لساحر مبين" و " وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين"، ولنفي الموضوع السحري عن كلام النبي قال الله { وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ}، أي أنكم تعرفونه وواضح وبين لكم ولا حقيقة أنه مغيب عليكم أو ملحود ومغطى.
• { إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ۗ} النص هنا يشير إلى عملية الإلحاد في الآيات وهو الشائع عند السحرة خاصة بعدما عرفوا أنه كلام الله ذو قدرة على التأثير الروحي والنفسي على الإنسان والجن (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا.... وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا)، فالعملية الطاقوية السحرية تستخدم الجن والأنس في ترتيب وإطلاق الطاقة السحرية، بشرط أن يكون هناك تواصل بينهما، وأقرب الطرق تأثيرا وأثر هو آيات الله، والدليل أنه عمل وليس أعتقد متعلق بالكفر تكملة النص {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
• {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} السؤال ما هو الذي يراد فيه الظلم بالإلحاد، الجواب في نفس النص (يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)، وسبيل الله هي أوامره ونواهيه التي وردت في الكتاب على سبيل الحصر والتنصيص، فإرادة الملحد هنا أن يغير الهدف من سبيل الله بدلا من الهداية وطلب النور والرحمة إلى السحر ومطاوعة الشيطان وتحقيق غايات لا تتعلق بسبيل الله، والدليل أن الإرادة تلك نتيجتها جزاء الهون {نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.
• { وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا} ربما هذا النص يشير إلى إشكالية وشبهة عند البعض عندما يشير الله إلى قضيتين، الأولى هي {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ}، وهنا الأمر وجوبي أن لا تستخدم أيها النبي من كلمات للتأثير على الناس ودعوتهم للطاعة إلا ما أوحي إليك من ربك أو من كتاب ربك، فالتأثير الذي يتركه كلام الله تأثير هائل وعظيم على الإنسان لأنه مرتبط بالقدسية، والقضية الثانية {لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} وهذا إخبار بأن طريقك الحقيقي بتلك الكلمات للدعوة والتأثير الذي يشبه السحر في أثره، ولا وجود لطريق أخر غيرها لأنك لن تجد غيرها قوة ولن تجد من دونه أو دونها { مُلْتَحَدًا }.
• { وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا} هذا النص وإن جاء عن طريق النص القرآني ولكنه في الحقيقة نقلا عن الرسول، وليس كالنص السابق الذي هو قول الله عن نفسه، وبنفس الدلالة والمعنى.
إذا الموضوع الذي تتحدث فيه الآيات والنصوص المذكورة لا تتعلق لا بالكفر بالدين والخروج عن الإيمان بالله، ولا بالميل عن طريق الله ودينه كما يقول المفسرون وأحيانا علماء اللغة، وأن ما تعنيه تلك المفاهيم النصية تتحدث عن التأثير السحري والطاقة السحرية الإيجابية والسلبية، فالسحر أيضا له جانب إيجابي كما حدث مع موسى وما ورد في سورة طه {قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ (70)}، بالرغم أن ما حدث بشكل ما هو سحر إيحائي مقابل سحر إيحائي مما يفهم من النص، ولكنه في النتيجة قد صار أثر ومؤثر ونفع الدعوة الدينية وشد من أزرها وهذا هو الجانب الإيجابي من السحر.
وللتأكيد من هذا المعنى نعود للغة العربية ومفرداتها ونبين ومن خلال مباحثها وأختصاصها ما قلناه، وزعمنا أنه المراد القصدي الحقيقي من كلمة يلحج وملحد ولاحد تعني الأثر السحري الذي فصلناه في الكلام السابق، أما في اللغة فقد جاء عبر القواميس والمعاجم، فقد جاء مثلا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي_ عربي أن كلمة "لَحَدَ" كـ (فعل) لحَدَ/ لحَدَ في يَلحَد، لَحْدًا، فهو لاحد، والمفعول ملحود، ويقال في العربية السليمة لحَد المَيِّتَ دفَنه أي وضعه في لحده وواراه الترابَ، ولحَد القبرَ حفَره وعمل له شقًّا....وفي قاموس الكل. قاموس عربي_ عربي (لَحْدُ ـ لَحْدُ ولُحْدُ: الشَّقُّ يَكُونُ في عُرْضِ القَبْرِ، كالمَلْحود، الجمع: ألْحادٌ ولُحُودٌ. ـ لَحَدَ القَبْرَ وألْحَدَهُ: عَمِلَ له لَحْداً، ـ لَحَدَ المَيِّتَ: دَفَنَهُ، ـ ألْحَدَ في الحَرَمِ: تَرَكَ القَصْدَ فيما أُمِرَ به، ـ قَبْرٌ لاحِدٌ ومَلْحُودٌ: ذُو لَحْدٍ).
أما في القاموس المحيط فقد ورد "اللَّحْد واللُّحْد" بمعنى الشَّقُّ الذي يكون في جانب القبر موضِع الميل لأَنه قد أُمِيل عن وسَط إِلى جانبه، وقيل: الذي يُحْفر في عُرْضه والضَّريحُ والضَّريحة: ما كان في وسطه، والجمع أَلْحَادٌ ولحُود، والمَلْحود كاللحد صفة غالبة، قال حتى أُغَيَّبَ في أَثْناءِ مَلْحود ولَحَدَ القبرَ يَلْحَدُه لَحْداً وأَلْحَدَه: عَمِلَ له لحْداً، وكذلك لَحَدَ الميتَ يَلْحَدُه لَحْداً وأَلْحَده ولَحَد له وأَلْحَدَ، وقيل لَحَده دفنه، وأَلْحَده عَمِلَ له لَحْداً، وفي حديث دفْن النبي، ص "أَلْحِدُوا لي لَحْداً"، وفي حديث دفنه أَيضاً: فأَرسَلُو إِلى اللاحدِ والضارِحِ أَي إِلى الذي يَعْمَلُ اللَّحْدَ والضَّريحَ، وقال الأَزهريّ: قبر مَلْحود له ومُلْحَد وقد لَحَدوا له لَحْداً، وأَنشد أَناسِيّ مَلْحود لها في الحواج شبه إِنسان (* قوله «شبه إنسان إلخ» كذا بالأصل والمناسب شبه الموضع الذي يغيب فيه إنسان العين تحت الحاجب من تعب السير اللحد، وشبهت العين تحت الحاجب باللحد، وذلك حين غارت عيون الإِبل من تعَب السيْر كما قال أَبو عبيدة: لحَدْت له وأَلحَدْتُ له ولَحَدَ إِلى الشيء يَلْحَد والتَحَدَ.
ومن التحليل الصرفي للكلمة ألحد نجد أنها جميعا لا تخرج عن المعنى الذي ذكرناه في درسنا هذا:
أَلُحِد: كلمة أصلها الفعل (لَحَدَ) في صيغة الماضي المجهول منسوب لضمير المفرد المذكر(هو) وجذره (لحد) وجذعه (لحد) وتحليلها (أ + لحد). انظر معنى لَحَدَ.
أَلَحَد: كلمة أصلها الفعل (لَحَدَ) في صيغة الماضي المعلوم منسوب لضمير المفرد المذكر(هو) وجذره (لحد) وجذعه (لحد) وتحليلها (أ + لحد). انظر معنى لَحَدَ.

أُلْحِد: كلمة أصلها الفعل (أَلْحَدَ) في صيغة المضارع منسوب لضمير المفرد المتكلم (أنا) وجذره (لحد) وجذعه (لحد) وتحليلها (أ + لحد). انظر معنى أَلْحَدَ.
أُلْحَد: كلمة أصلها الفعل (أَلْحَدَ) في صيغة المضارع المجهول منسوب لضمير المفرد المتكلم (أنا) وجذره (لحد) وجذعه (لحد) وتحليلها (أ + لحد). انظر معنى أَلْحَدَ.
أَلْحَد: كلمة أصلها الفعل (لَحَدَ) في صيغة المضارع منسوب لضمير المفرد المتكلم (أنا) وجذره (لحد) وجذعه (لحد) وتحليلها (أ + لحد). انظر معنى لَحَدَ.
أُلْحَد: كلمة أصلها الفعل (لَحَدَ) في صيغة المضارع المجهول منسوب لضمير المفرد المتكلم (أنا) وجذره (لحد) وجذعه (لحد) وتحليلها (أ + لحد) انظر معنى لَحَدَ.
أُلْحِد: كلمة أصلها الفعل (أَلْحَدَ) في صيغة الماضي المجهول منسوب لضمير المفرد المذكر (هو) وجذره (لحد) وجذعه (ألحد). انظر معنى أَلْحَدَ.
أَلْحَد: كلمة أصلها الفعل (أَلْحَدَ) في صيغة الماضي المعلوم منسوب لضمير المفرد المذكر (هو) وجذره (لحد) وجذعه (ألحد). انظر معنى أَلْحَدَ.
أَلْحِد: كلمة أصلها الفعل (أَلْحَدَ) في صيغة الأمر منسوب لضمير المفرد المذكر (أنت) وجذره (لحد) وجذعه (ألحد). انظر معنى أَلْحَدَ.
أَلِحَدّ: كلمة أصلها الاسم (حَدٌّ) في صورة مفرد مذكر وجذرها (حدد) وجذعها (حد) وتحليلها (أل + حد). انظر معنى حَدٌّ.
مما تقدم من الدليل النصي القرآني والدليل اللغوي لا تنصرف كلمة ملحد عن أصلها وجذرها عن مفهوم التأثير السحري الذي يتركه عمل السحر من خلال أستخدام آيات الله وأسمائه وألفاظ الكتاب، عبر قوة الطاقة المصاحبة لها على الوجود ومعبره لتترك أثرها الإيجابي والسلبي حسب الغاية والهدف منه الطاقة السحرية التي يطلقها الملحد أو اللاحد قاصدا بها غائية محددة، لذا عندما نقول أن فلانا ملحد لا تعني بأي حال من الأحوال أنه كافر أو خرج قواعد الإيمان والخضوع لأحكام الدين، بل الصحيح أن الملحد هو المؤثر أو الذي يترك أثرا في الأخر عب أستخدام الطاقة المنطلقة من خلال الكلام أو الفعل، ولا معنى أخر له ... والله أعلم.