ملحمة بدء الخليقة وميراث التكوين..... رؤيا أخرى ح9


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 7898 - 2024 / 2 / 25 - 22:11
المحور: الادب والفن     

قصة البشر
"هم غرسوا فيهم الكذب دون الصدق إلى الأبد"

مر الزمان ولم يعد البيت القديم مقدس
بيت الخصب والنماء
بيت عشتروت الربة
إذا لم تعد الحياة مقدسة
لم يعد الرب صانع القوانين
يردع المخالفين لضوابط البقاء والعابرين فوق أجساد الأشياء
وأرواحها
حتى صغار الأشياء ما عادت تزعج الآلهة
فلم تعد الآلهة صالحة للبقاء
لم يعد للآلهة لسان
لا يد
لا قرار
فقد تجبر البشر
وصار كل واحد منهم ثور سماوي يضرب في كل مكان
حتى عشتروت المسكينة
صارت تتجول في الأسواق
تبحث عن بقايا طعام
لقد سرق ابن دموزي رداءها الأبيض الملكي
وباعه للكهنة وأصحاب السحر
هذا كل ما صار
لم تعد الأشياء في مكانها الطبيعي
فقد جاء بعد الطوفان ألف إعصار
وإعصار
*****
هكذا بدأ الإنسان يفقد الأشياء وحده
وكأنه يعيش وحده
لأنه يظن ..... ولد وحيدا.... وسيموت وحده
فما الداعي أن يأخذ الأذن
فكل شيء مصيره لوحده
سن القوانين وحده
خاض الحروب لوحده
تعلق بالسماء لوحده
ويذهب لرحم الأرض كما جاء
لوحده .... ووحده.
إذا لا توجد حروب بيضاء
ولا كذب أبيض
حتى الرماد ليس فيه بياض
إنه مجرد سواد أشيب
لا يوجد غير الشر في الأرض
تلك اللعنة التي صبتها الآلهة
في شيء الطين
حينما قررت أن تستريح هي
ويكون الإنسان الخادم المطيع
تلك جريمتها
تلك الخطيئة الكبرى
محض خطيئتها
لماذا صنعت إنسان من دم إلها فقير
إلها ضعيف
هذا ثمن الدم أيتها الأرباب
أشربي من دم الضحية لتكوني ضحية
فقد عرف البشر سر الأسرار
وتمرد الآن
غما عليك إلا القبول
أو التمرد ولتكن الحرب هي الشعار...
حرب... حرب.... حرب بلا قيود وبلا أنتصار
*****
((أدخل البيت وأنا مثقل الروح
وأنا الإنسان أخرج إلى الطرقات معذب القلب
يعترضني الصنديد
راعيَّ الأمين
وينظر إليّ بغضب
ويحسبني عدواً له......
راعيَّ الموكل بي ساق قوى الشر عليّ
أنا الذي لست عدوه.‏....
صاحبي لا يقول كلمة صدق.‏
صديقي يكذّب كلمتي الصادقة
وأنت.......... يا إلهي.... لا تحبط مسعاه..))....
لك حق الفعل
ولكن لي أيضا حق الكلام
وإن كان لك حق الكلام أيضا
فلا تسلب مني حق الصمت
أسمح لي يا إلهي
مرة
أن لا أخاف الحقيقة
مرة واحدة أكلم من يفهم الحقيقة كحقيقة
وليست وهما كما يقول الحكيم
أن تعتقد أن الرب يصغي إليك وأنت غاضب
وهما شريرا
أن تكلم السماء بقوة
وأنت ابن الخطيئة
((حتّى متى تبقيني بلا هدى؟‏
قال الحكماء الشجعان كلمة حق لا ريب فيها‏
"لم يولد قط لامرأة طفل بل إثم.....

ولم يوجد يافع بريء منذ القدم")).‏....
فلست كما يزعمون خطيئة
إنه الدم المسفوك بالطين في أول الخليقة
تلك الخطيئة
وتلك المصيبة...
*****
كتبت أسطرا في ذاكرتي
ذاكرة الطين الذي لا ينسى
سؤال وجواب
قصة لم أعرف بدايتها
لا أعرف كيف سيكون ختامها
لكنني أعرف أني أنا
من سيكتب
أنا وحدي من يريد الجواب
فلست معنيا بشيء أخر
ولا شيء أخر يشغلني عن السؤال
((أين الرجل الحكيم الذي له سعة عقلك؟‏
أين العالم الذي يستطيع أن ينافسك؟‏
أين الناصح الذي أقص عليه عذابي؟‏
أراني قد انتهى أمري وتسلط عليّ الشقاء‏
فعندما كنت صغيراً اختطف القدر أبي‏
وذهبت أمي التي ولدتني إلى أرض اللا عودة
تركني أبي وأمي من دون أن يرعاني))......
تعال معي وأسمع الجواب
ما من جواب
لأن السؤال مجرد هذيان محموم
لخرافة
اعتنقتها ككل الأشياء من حولي
خرافة
السؤال هنا ...... في معرض التفكير خرافة
القوة التي يحملها القدر
وحدها جواب
ووحدها من حقها أن تطلب السؤال
وتفرض السؤال
وتستجلب الجواب...
خرافة ...... نحن عندما نعيش بلا سؤال
فقد أختلط النور الأبيض في ضباب السواد
هم فعلوا ذلك
((هم غرسوا فيهم الكذب دون الصدق إلى الأبد))....
ومن شجر الأوهام المضللة
خرجت زهور وأشواك قاتلة
وخرجت مفاتن الشر لتغري أصحاب العقول الفارغة
وتشعل نار الفتن
في كل مكان
في كل زمان
في كل شيء يقبل الهوان
((إن نارو ملك الآلهة الذي خلق البشر‏
وصاحب العظمة الذي استخرج طينتهم‏
والسيدة "مامي" التي صورتهم
جعلوا قول الزور من نصيبهم)).‏....
وكتبوا لي من ميراثهم
حصة العذاب
وسنوا علي شريعة الغاب
وقالوا....
أنعمت عليك الآلهة جزاء الحساب
بكتاب
لا يغادر صغيرة ولا كبيرة
لكنه في الغالب
ينسى ألآمي
وينسى حرماني الدائم
ويطلب المزيد.....
هكذا من المهد
إلى اللحد.....
أجري ككلب يصطاد لصاحبه الفريسة
ويكتفي بالعظام النظيفة....
كلما أمر على القبور الدارسات
أسألها
عن الكتاب وعن الحساب وعن الجواب السابق
فما من جواب
أصدق أوهامي
أم أصدق ما جاء في الكتاب....
تلك مشكلتي التي من أجلها
أخوض بين الخوف والشك والريبة
كما يخوض صائد الأسماك
بين الماء والوحل
عن هدف مستعينا بالأحتمال
بالتضرع والصلوات
لكن سنارتي ترجع خائبة
وأعود منكسرا في أخر المساء...
هذا أنا
هو
هي هم
نحن في سواء
ننتظر أن ترسل الآلهة لنا موائد الطعام....
حضرت للآلهة ولم يحضر الطعام
ولن يحضر إلا الكلام
الجياع يشبعون ليس من رائحة الطعام
بل من لغة الكلام
فالقناعة كنز لا يفنى
والتمادي في مطالبة الرب
حرام في حرام...
*****
سيدي أبن آدم
الصحة في النظام
والصحة في الصيام
والصحة في قلة الكلام
نام
فخير العبادة نوم يتخلله صيام
ثم قيام
لا تزعج الأرباب عندما لا تجد رغيف خبز
فالأرباب مثلك لا تأكل الخبز
وليس لديها شهوة للطعام....
تمام سيدي
لقد حفظت جواهر الكلام...
وعرفت حدود ما يجب
أو ما لا يجب أو يقام
سيدي الرب
أنت حر فيما تفعل
أما نحن بالأول والأخر
مجرد أوهام يتقاذفها الظن
بين الشك والإنفصام
نحن مجرد مزحة
أو مؤامرة أرباب
أو وسائل أنتقام لأنتقام
لا تزعج نفسك أيها الرب
هي بضع سنين تمر
أو حتى بضعة أيام
وتنتهي رحلة البائسين
ويسود السلام...
لكن ثق سيدي الرب
مهما كان الأمر مرا
صعبا
مؤلما كجرج أدمن التعفن في داخله
لن ينسى أبدا
ولن تنسى مرارة الأحلام المؤدة بكم
بكل قسوة أقدامكم التي هشمت أرواحنا
ليستقيم العالم لديكم
وكل شيء يبدو لكم سائرا بالتمام
بالانتظام.......
((ليس في الحياة ما هو خير حقا .... فالكل باطل
أاتفق معي ايها العبد
اجل سيدي ...
أجل
ما الخير إذن ؟
ان أدق عنقي وادق عنقك
ونسقط كلانا في النهر .. ذلك هو الخير
فيجيبه......
العبد بحكمة قديمة تعبر عن صبره واستسلامه
هل ثمة من طالت قامته فبلغ السماء بيديه ؟
وهل ثمة من أتسع منكبا فاحتوى الارض بذراعيه ....
فيغير السيد فكرته
لا ..... ايها العبد سأقتلك انت وحدك ، لتسبقني
يجيبه العبد
( أو يتحمل سيدي العيش ولو اياما ثلاثة بعدي ؟ )...
نموت كلانا
أو نحيا كلانا
لا يضر
طالما أنت السيد وأنا العبد
لا يختلف الميزان.... وان تغيب الشمس من حيث أشرقت
ولو لمرة واحدة.......