هل يمكننا البدء من جديد دينيا؟....2


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 7911 - 2024 / 3 / 9 - 23:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

من واجب الإنسان الطبيعي والذي يرتبط مع الإيمان الديني بعلاقة تشالك وتشارك وحمل المعرفة، أن لا يقف مكتوف اليد وعاقد السان وهو يرى حال الأمة والإنسان والدين وشكليات الإيمان تترنح يوما بعد يوم دون أن يهزه الموقف أو يدفعه الشعور بمسئولية وظيفية كفرد وجودي علية واجب الإصلاح ما أستطاع إليه سبيلا، خاصة وأن الإيمان في شقه الأكبر قائم على قاعدة لمسئولية في الصلاح والإصلاح وأداء النصيحة، فالدين ليس عبادات حسية ولا طقوس ظاهرية بقدر ما هو ممارسة وجودية حقيقية يضع فيها الإنسان حمل الأمانة موضع التقدير والقبول والفعل الإيجابي.
ومن هذا الباب وأعتمادا علة فكرة أن الدعوة إلى الإسلام لا تعني فقط دعوة غير المسلمين للدخول في الإسلام دين وعقيدة، بقدر ما هو الحفاظ على رسالة الإسلام كما حملها رسول الله ص غضة نقية بيضاء ى يشوبها ما هو ليس منها، ولا إدخال ما هو عير توحيدي وأصيل في مفردات فكر وجوهر وروح هذا الدين، فقد علق به الكثير وصاحبه مما ليس منه أكثر، بل تسللت الشركيات والخرافات إلى الكثير من المفاصل العبادية والإيمانية، حتى يخيل لمن عاش الإسلام في صدر الرسالة أن الدين الذي نتعاطى به ونتعبد بأحكامه ليس ذلك الدين الذي جاء به رسول الله وبشر الأمة بأنها وبه أخرجت كخير أمة للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا تأخذهم بالله إلا ولا ذمة.
لقد قام الدين أساسا على علاقة طوليه بين الإنسان وخالقه من نتائجها أغتنام الفوز والفلاح والخير بهدف أعمار الأرض وأستعمارها وفق مبدأ التعارف، وهذا أساس قضية الدين وجوهر المقاصد فيه، بالتالي فأي عمل أو تصرف أو عبادة خارج هذه المفاهيم هو تسفيه وتحوير وأنحراف عن الهدف والغاية والنتيجة، والتي أرتكبها الإنسان حينما حول هذه العلاقة إلى خط أفقي عريض تدخل هو في رسمها ووضع صورا عديدة لها وفقا لقراءته هو وحدد حدودها، فضاع الأساس المازم والبدي وتشبث بنتيجته هو ظانا إنه أراد أن يساعد الله في التشريع والتأطير والوضع، وهذا ما أخرج الدين من أطاره المعرفي العقلي إلى دائرة التعبد الشكلي وربط بين التدين وبين وظيفة الكهنوت على أنها المساحة المتاحة أمام الإنسان فقط وما عليه سوى السير خلفه، تاركا المقاصد الغائية مؤجلة أو مهملة.
حتى خطاب الله للذين أمنوا أنه وليهم يدخلهم إلى النور بعد أن يخرجهم من عالم الظلمات، ربطها البعض بحالة معاكسة عندما وضعوا أنفسهم ندا مساويا لله، فمن تبعهم نجى ومن خالفهم فقد طغى وقولهم قول فرعون "ما إريكم إلا ما أرى وأنا ربكم الأعلى"، وصدق الحال أن أولياء الطاغوت يتبعون من يخرجهم من النور إلى الظلمات بالطاعة العمياء وبالولاء المسبق الذي لا نقاش فيه ولا حوار، فكل عمل أو أمر أو فكرة أو رؤية تخرج الإنسان من عالم النور إلى لجة الظلام هو عمل طاغوتي، حتى لو صدر ممن يقول انه رجل دين وباسم الله يتكلم، لأن المهم بالنتائج العملية وليس بالمقدمات المطروحة.
الدين كما ورد في أخلاقياته المرشدة أسلوب تعامل حياتي ومظهر من مظاهر الشخصية الفردية في تعاطيها مع الحياة كعنصر إيجابي ملتزم بأهداف وغايات محددة، وحتى يكون هناك أمل في الإصلاح والتغيير والتجديد لا بد من أتاحه الفرصة لها لتغير نظرتنا وأهدافنا ومناهجنا تبعا لحاجات الإنسان المتجددة والحتمية بالتطور وهو يسعى للكمال والتفوق والإبداع، وحين ندرك هذه الحقيقة ونبسطها كجزء من نظامنا العقلي والسلوكي لا بد لنا أيضا أن نمنح العقل فرصة الكشف والنقد والتقرير لما هو متوافق مع الخير والإصلاح فنجسده مشروع وممارسة، ومما نكتشفه على أنه لم يعد فيه ما يكفي ليكون حاضرا وفاعلا ومنتجا لعوامل الخير نركنه في زاوية متحفظين عليه، ونتجاوز إحداثياته حتى تتهيأ الفرصة مرة أخرى لعرضه وفهمه بموجب مستجدات وتطورات الجزء الذي أخذنا به أول مرة، هكذا يمكننا أن نتقرب من الدين ونقربه للواقع ونشركه مع كل المعرفة الإنسانية علوم ومدارك وأخلاقيات وقيم لنعيد نمذجة العالم من حولنا ومن جديد.
رسالتنا للإنسان رسالة تذكير وإبراء ذمة وإعلان منهج تأصيلي لا نحتاج فيه إذن أحد ولا نقاوم فيها إلا الإنحراف والزيف والتبديل، وبذلك نمارس حقنا الذي منحه الله لنا من خلال مفاهيم التذكير والتذكر والتدبير والتدبر والعقل حين يكون مسؤولا (وبه يثاب الإنسان ويعاقب)، ونحن نعرف مقدما أن هناك ألاف الأقلام التي ستشرع بالكتابة التسفيهية والتشهير بما فينا أو لا يمكن أن يكون منا، ومنها من يتهمنا بالكفر والإلحاد ومنهم من ينسبنا لأعداء الله والدين، وأخرون سيرون فيما ندعوا له تمردا على الله وعلى دينه، ولا بد من مكافحة هذا التمرد وغسله وأثاره بالدم، وأيضا نعي ونفهم كل هذا الضجيج الذي سيثار وأهدافه ودوافعه والجهات التي تقف خلفها من عمالقة الكهنوت وأصنامه، ولكننا أمنا بحقنا كما أمنا بديننا ولا بد من كلمة حق بوجه المستبدين والطغاة والمتخلفين الذي لا يرون في الدين إلا سجادة وعمامة وحفنة ماء للوضوء، الدين عندي غاية العقل في أن يجد مرشدا حياديا له يخلي بينه وبين سبيل الجمال والخير والمصلحة الشمولية للوجود، ومتى ما عجز الدين أن يوفر هذه المعطيات سيسقط ويموت كما ماتت غيره معارف وعلوم وثقافات فشلت في تقديم ما يوافق العقل والوجود ويسايرهما نحو المستقبل وحاجاته.
لقد كتبت كل ما قرأتموه أو ستقرأه وأنا واثق كل الثقة أنها تعبر حقيقية وبكامل المسؤولية عن دوري كإنسان فرد في مجتمع لم يعد يتحمل خرافات وأختراقات البعض للفكرة الدينية وجوهرها النبيل، وقد أشبعوا العقل الإنساني من جرعات التخدير والتنويم والتخريب لعلهم يجدوا أنفسهم في يوم من الأيام ألهة أو نصف ألهة على الأقل، وهم الآن على وشك الوصول للهدف بعد أن تحول الكهنوت ورموزه إلى خطوط حمراء من ضمن دائرة الوعي الذي صنعوه وخلقوه للواقع، وكأن وظيفتهم هي الدعوة لأنفسهم والتبشير بوجودهم بديلا عن الوجود الرباني والحضور في مقام البدالة والتماثل والانسجام، هذه رسالتي أبعثها لكل إنسان مؤمنا كان أو غير مؤمن عارف بما يدور أو يحتاج لتعريف ما، مختلف معي أو متفق ففي النهاية كلنا إنسان وكلنا في مركب واحد أسمه الحياة الدنيا أو الوجود الإنساني الحاضر، فمن أصلح وتصالح كسب السلام والمحبة والخير، ومن عاند وأستكبر وجحد فإنه سيجد نفسه يوما ما بحاجة يد تمتد له لتنقذه من غريق أو حريق، ويتمنى أن يتذكر ما نسيه من قبل قول الرب الرحيم (يا ليتني لم أتخذ فلان خليلا).