هل يمكننا البدء من جديد دينيا؟....4


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 7914 - 2024 / 3 / 12 - 00:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

ثامنا
غياب المؤسسة الدينية عن واقعها وأستغراقها في الخوض بإشكاليات أفتراضية ومناظرات تأملية أو تنافسية محكومة بمبدأ الغلبة والربح والخسارة دون أن تقدم جديد أو مستجد على الساحة الفكرية، قادها إلى مرحلة موت سريري بأنتظار الإعلان عن فنائها ومعها الدين الميت الذي تتعامل معه وبه، وبالتالي فكل ما تتعاطى به مكرر ومدروس وقد شبع شرحا وتفصيلا إلى أدق الدقائق ومع ذلك ما زالت تلوك به وتعيد أجتراره وكأن العالم ليس فيه معارف أخرى إلا ما قال فلان ورأي علان.
فلم تبادر يوما إلى الأهتمام بالعلوم النقلية التجريبية ولم تجعل من وجودها عامل مشجع للخوض فيها أو دعمها للتطور المعرفي والبحث العلمي والابتكار، وتخصيص جزء مهم من مناهجها وما تملكه من موارد وإمكانيات مالية ومادية أحيانا تفوق حتى إمكانيات دولة، لدعم موارد التعليم التقني وتطبيقات النظرية العلمية الحديثة، ولم تبادر بشجاعة ومسؤولية وظيفية مع شعورها التام أنها أمام عجز حقيقي في تطوير واقعها وواقع البائس وما يوجه لها من أنتقادات حادة وحقيقية، ولا تشارك في تحولات المجتمعات التي تتحرك فيها لا على المستوى العملي ولا في المستويات الأجتماعية والسياسية لتكون قريبة من الإنسان قريبة من الله.
تاسعا
المتأمل للواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم يجد أن كل المجتمعات الإسلامية تعيش حالات من فرط التناقض والتشظي والانقسامات، التي تجعل منها مجموعات متصارعة على قضايا فرعية وتأريخيه سياسية لا علاقة لها بالصراع الأجتماعي والطبقي والحضاري الذي تعيشه الأمم والشعوب من حولها، وكأنها في حالة فريدة من نوعها حين قدمت أسباب الأختلاف الجزئية والضيقة على علاقات التكامل والأشتراك البيني الأوسع مساحة والأعظم تأثيرا في مجال الأهتمام والأهمية، ويقف وراء كل هذه الصراع مؤسسات دينية ومذهبية حريصة على البقاء في هذه الأطر الضيقة حفاظا على مكاسب ومغانم خاصة دون الأهتمام الأصلي بالواجب والأوجب.
وتفرع من جراء ذلك صراع أستبدادي بينها وبين بعضها يدفع الإنسان المسلم البسيط التكلفة موهوما بأن الله يريد ذلك تحت عنوان جهاد المخالف وتكفيره، هذه الحالة لا تنفع معها مؤتمرات الوحدة ولا دعوات كلامية للتقريب بين المذاهب والأديان، إلا من خلال إسقاط المبررات والعلل التأريخية وأسانيدها وجعل القرآن وحده المرجع الأعلى والوحيد كمقياس وعائي للأفكار والنظريات التي لا بد منها، وأعادة النظر بالمنهج الحزبوي السياسي لتلك المؤسسات والتنظيمات التي تتخذ من الإسلام جميعا عنوان عريض وفضفاض.
عاشرا
لحراجة النقطة التي وصل لها الفكر الديني الإسلامي وليس فكرة الدين بذاتها، كان لا بد من التحرك العلمي المدروس لتصحيح المسارات والعودة للبدايات السليمة للبناء عليها، مع حذف وأهمال كل القراءات الإرثية التي حملها الفكر الإسلامي طيلة أربعة عشر قرنا من الزمان وأثرت على مستقبلنا كمجتمع إسلامي متخلف، وأول هذا الإرث ورأسه أن لا أعتقاد بعد اليوم أن الله قسم العالم إلى دارين دار حرب ودار إسلام، فالأرض للناس جميعا من يعمرها وينشر السلام والإصلاح فيها فهو من أهل الله والمؤمنين برسالته حتى لو يدع ذلك.
علينا كمسلمين اليوم ومن أجل العودة للوحدة والمفاهيم المشتركة ورفض الداخل المفرق الذي نشأ في أسبابه وظروفه فك الأشتباك بما يعرف بالصراع الإسلامي _ الإسلامي، فهو في غالبيته يدور حول فهم المفاهيم وتصنيفها ودلالات الرموز فيها، وليس صراعا فكريا قائما على تنازع بين مفاهيم محددة أساسية جاءت مع الدين أو تبلورت من تطبيقه، فالولاية والخلافة كمثال عند الشيعة فإن الحاكمية لها مسمى هو ولاية الإمام، وعند بقية المسلمين هي سلطة التوجيه والتحكم والقيادة الزمنية والدينية، إذا المفهوم تجريدا واحد هو سلطة القرار الجامع، أما الأوصاف الملحقة علي أصل التنازع فهي شكلية تدبيرية ظرفية، لذا يكون منشأ التنازع ليس من الكليات الجامعة ولا فيها، مثلا يؤمن الشيعة أن وجود الحاكم حتى لو كان فاجرا مستلزم أساسي للتنظيم وهو الحل الأخير الذي يعني بعده الفوضى، الطرف الأخر يعتبرها قاعدة تصالحية ممكن الأخذ بها في أي حال وأي وقت ولا ترتبط بالتراتبية الضرورية.
هنا المشكلة في تدخل السياسة وأنحياز صاحب المشروع للفهم السياسي وليس للفهم الفكري، ويمكن مثلا في هذا المثال أن يكون لنقطة اللقاء التي تجمع الطرفين تتمثل في أن المجتمع بحاجة إلى تنظيم كحاجة ضرورة وحتم بدي، كي تسير أمور المجتمعات وفق مصالحها العامة التي لا غنى عنها، وعلى أن يتولاها الأصلح لها والمتوافق مع مصدرية هذه الأعتقاد وهو القرآن الكريم، حتى ينفذ الخيار أمامنا، فلا بد إذا من اللجوء إلى أسوأ الاحتمالات على قاعدة الإضطرار المؤقت والطارئ الذي يزول بزوال الأسباب، وهو الحفاظ على مأسسة المجتمع بأن يتم التحكم لسلطة بالفاجر، كحل أستثنائي لحين توفر الخيار المناسب، ولا مانع أن يسمى القائم بالأمر خليفة أو والي أو إمام حسب مقتضى الفهم العملي، وليس للنظر هنا أهمية وفق قانون الضرورة.