منظومة فكرية وسلوكية فاسدة وضارة


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 6150 - 2019 / 2 / 19 - 19:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

- الحالة الإيمانية ضارة ومنتهكة لإنسانيتنا وتطورنا -جزء ثانى .
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (85) .
- لماذا نحن متخلفون (65) .

لا يكون موقف المرء الرافض للفكر الإيمانى من منطلق أنه يروج للخرافة فحسب ليبعد الإنسان عن الفهم الحقيقى للحياة , بل كون هذه المنظومة الإيمانية فاسدة ضارة تنتهك إنسانيتنا وتطورنا الحضارى بما تؤسسه من معانى وأفكار وأيدلوجية فكرية تتغلغل فى جينات المؤمنين لتسحق ملكة الفكر والتأمل لديهم ولتسحب فى طريقها حرية وكرامة وإنسانية الإنسان .
تناولت فى مقال سابق بعنوان : "الحالة الإيمانية ضارة ومنتهكة لإنسانيتنا وتطورنا" . مظاهر إنتهاك إنسانيتنا من خلال طمس الفكر الإيمانى للمعرفة والسؤال فى الداخل الإنسانى أضف لذلك أن فكرة الإله هى أدلجة وشرعنت الإستبداد والطغيان فهى الفكرة التى روج لها الطغاة والأسياد لتمرير طغيانهم وسيادتهم علاوة على أن الحالة الإيمانية تفتح المجال أمام العنصرية والفوقية والتمايز أ, ضف لدلك الكثير من مشاهد الإنتهاك تجدها على رابط مقالى السابق .
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=626665
فى هذا المقال نضيف مشاهد أخرى لإنتهاك الحالة الإيمانية لإنسانيتنا وكرامتنا وتطورنا .

الإيمان محطم ومشوه لفطرة الإنسان .
- تعريف الإيمان هو تصديق وإعتماد أمور لا ترى وغير خاضعة للمعاينة والبحث , ليناهض هذا النهج فطرة الإنسان الحقيقية , فالإنسان لم يتطور إلا من خلال الشك وتقليب الأمور وبحثها , فلو تصورنا الإنسان يعتمد كل مايراه أمامه دون أن يشك فيه ويختبره لبقى هذا الإنسان على حيوانيته أو للدقة لإنقرض , ومن هنا نقول بأن الشك والإلحاد هى فطرة الإنسان وليست تلك المقولة المزيفة بأن الإيمان فطرة الإنسان .
أيدلوجية الإيمان أعاقت الإنسانية كثيرا عن التطور لإعتمادها مبدأ التصديق وإعتماد الأمور كما هى ولكون هذه الفلسفة والأيدلوجية مناهضة لطبيعة الحياة لجأ الإنسان لفطرته بأن يترك إيمانه جانباً عندما يدخل للمعمل ومن هنا فهم ووعى .

الأنا المتضخمة .
- الحالة الإيمانية جاءت عازفة على أوتار الأنا المتضخمة التى تتصور وهماً أن الحياة والوجود جاء من أجل الإنسان , ولتتطرف الرؤى متوهمة أن كل الكائنات سُخْرت من أجل الإنسان ! وإذا كانت تلك الأنا المتضخمة جاءت فى مهد البشرية بعد أن ادرك الإنسان وجوده وسط وجود محدود كان هو العاقل الوحيد فيه فهذا له ما يبرره , ولكن من السخف أن تظل الحالة الإيمانية بمحورية ومركزية الإنسان على هذا النحو بعد ان أدرك الإنسان حجم الكون الهائل والذى لا تزيد فيه الأرض عن حبة رمل فى صحراء شاسعة , كذا معرفته بوجود 8 مليون نوع من الكائنات الحية لا يعلم عنها شيئاً , لأعتبر أن الأنا هنا تحولت إلى حالة مرضية متضخمة .
- فكرة محورية ومركزية الإنسان أضرت بالإنسان لتخلق فيه حالة من الغرور الجاهل المتغطرس يمنعه عن فهم الحياة والوجود ولتصبغ أفكاره بتلك الأنا المتضخمة التى تحولت لحالة نرجسية أسسها الفكر الدينى لتجد طريقها فى التعاطى مع كافة الأفكار بشكل متعسف مغرور ليتصور كل فصيل دينى طائفى عرقى إثنى أنه الشعب الأعظم والأفضل .

خداع النفس .
- تأسس الإيمان على خداع النفس وتقديم رؤى وإجابات تخديرية لحالة الوجود الإنسانى , فقد تعامل الإنسان مع مشهد وجودى وسؤال فكرى بشكل مُغالط مُتعسف , فالموت حاضر فى الحياة ليجد الإنسان هذا المشهد يسري فى طبيعة كل الكائنات الحية ليقبله على الكائنات ويستاء من حدوثه على نفسه , وهذا من فعل أنا إنفصمت عن الطبيعة وأدركت ذاتها , ثم يأتى السؤال الفكرى عن معنى وجدوى الحياة ليجد المتأمل بعدم وجود جدوى من الحياة .
- فى ظل هذه الحالة من الخوف والقلق والحيرة جاءت فكرة الإله الذى سيجعل الإنسان يتجاوز الموت إلى حياة أخرى , أما فكرة معنى وجدوى الحياة فكانت قربان يُقدم لفكرة الإله الذى سيعبر بنا من الموت للحياة , لتكون جدوى الحياة هو إرضاء الإله السماوى فالإنسان مُكلف بشريعة ونظام يقدمه للإله كجدوى لحياته لنلاحظ هنا :
- أن فكرة البعث والحياة لا يوجد لها أى دليل يثبت أنها ستحدث بالرغم من عظم هذه الرؤية والميديا والتى تعتبر حجر الزاوية للفكر الإيمانى الدينى , فمتى تبددت فلن يبقى إيمان ولا إله ولا دين لتبقى هذه الرؤية كوهم وظن وحاجة نفسية تتعظم فيها الأنا .
- لو رجعنا إلى المعنى والجدوى من الحياة وحياتنا سنجد الفكر الإيمانى يُحقر ويُهمش الحياة فداء الموت والعدم , فالحياة على الأرض دار إبتلاء وإختبار للحياة الأخرى فأنت تستهلك حياتك فداء التجهيز للعالم الآخر الوهمى لنصل إلى أخطر فكرة وجودية يتم ترويجها وتأصيلها فى النفس البشرية وذلك بالإنصراف عن الحياة بغية ماوراء الموت وما تحمله هذه الرؤية من إستهلاك الحياة الملموسة وإستنزافها فداء وهم أو قل فرضية لم يتم إثباتها بالرغم من عظمة وميديا طرحها .

منظومة فكرية فاسدة .
- الفكر الإيمانى يروج لمنظومة فكرية فاسدة يختلط فيها المعنوى بالوجودى والمجرد بالمطلق والواقعى بالخيالى , فمثلا هناك رؤية إيمانية أن للخير والشر وجود حقيقى يتمثل فى الإله الخير والشيطان الشرير , بينما الخير والشر توصيفات معنوية لسلوك الإنسان وفق معايير مجتمعية محددة نسبية , يأتى سلوك الإنسان فيها كمحصلة لتأثير عوامل بيئية وثقافية وإجتماعية وإقتصادية مؤثرة وحاكمة .
- هذا النهج الفاسد للتفكير يجد حضوره فى شتى مجالات الحياة فلا يتم إيعاز الأمور لظروف مادية موضوعية أنتجتها بل لوجود قوى ميتافزيقية تتحكم فى القدر والحدث كمثال سقوط الأمطار والزلازل والأعاصير فهناك فاعل واعى قاصد عازم .. لحسن الحظ أن الفكر المادى الجدلى يفرض رؤيته وتفسيراته وإلا ما كنا بارحنا الكهوف , ولكن يبقى للفكر الإيمانى سطوته فى شلل العقل عن البحث ليكون الفضل للعلماء الذين تركوا فكرة الكائنات المتحكمة وإعتنوا بقوانين المادة .

بالونة فارغة .
- الفكر الإيمانى لا يكون له قائمة دون أن يملأ ذهن تابعيه بمقولات فارغة كالحقيقة المطلقة واليقين فهو يستخدم تلك المقولات لتحصين فكر المؤمنين من الشك والبحث لتنتفخ شرايينهم غرورا بالخرافة .
- كلمة الحقيقة المطلقة كلمة خطيرة تعنى تحقق الشيئ وجوداً ومعاينةً وتجريباً دوماً عبر الأزمنه والأمكنه بلا أى شك أو خلاف ولكافة البشر . فهل هذا حادث مع مايدعونه من خرافات وغيبيات فيكفى قولهم أنها غيبيات , كذلك اليقين يعنى الثقة التامة نتيجة المعاينة والتجربة مراراً تكراراً بدون أى خلل فهل هذا حادث أم غطرسة وغرور الفكرة فيكفى القول بأن الحقائق نفسها زمانية نسبية .
- هذا النهج فى إطلاق الأحكام بدون أى دليل أو تجربة يصير منهجية حياة تجد سبيلها فى الحياة فنجد من يعتبر دين أو فكرة أو مذهب سياسى يقيناً وحقيقة معتمدة وما يغايرها هو فاسد وغير حقيقى لتتحول الأمور لصنمية كصنمية الإله .

الأخلاق ليست للإنسان !
- فلسفة الفكر الإيمانى تتمثل فى أن عمل الخير وإجتناب الشر هو للإله وليس للإنسان , فالمؤمن الصالح هو من يفعل الخير ويجتنب الشر مراضاة للإله وإنتظاراً لمكافأته , وليس وفق المفهوم الإنسانى بأن فعل الخير لصالح أخيه الأنسان , فمن كان هدفه وغايته مراضاة أخيه الإنسان فقد ثوابه مع الإله , فكل الأفعال يجب أن تكون للإله أما المعتنين بالإنسان فى المقام الأول فليكن الثواب من الإنسانية ولا شأن للإله به , ومن هنا نتلمس أنانية الفكرة وإفتقادها للمشاعر الإنسانية .
- هذه الرؤية التى تعتمد على البرجماتية وكيف تؤكل الكتف أسست لفكر النفاق والمداهنة لأصحاب القوة والنفود والحكم والمال والجاه , فالأعمال والسلوكيات لأصحاب القوة والطاعة فى المقام الأول , فكما نفعل الخير من أجل الإله فحسب فسنسلك سلوكاً من أجل إرضاء الحاكم والطاغية فحسب .
- تصل الحالة الإيمانية لأعلى مستوى من القبح عندما يرى المؤمن بأن من يفعل الاعمال الخيرة وهو ليس على إيمانه فلن يكافأ من الإله لتتغلب هنا النزعة القبلية التمايزية عن الرؤية الإنسانية السامية .

الإيمان شرعنت العبودية والإنسحاق .
- يفسر الفكر الإيمانى العبادة والتعبد للإله بأن الإله هو الذى خلقك ويرزقك فمن حقه العبادة لأستدعى هنا فكرتى فى المقال السابق بأن السادة هم من أبدعوا فكرة الإله أو قل صاغوا مفرداتها على أقل تقدير فى سبيل شرعنت العبودية فكما هناك سيد وعبد فى الأرض فهكذا ناموس الحياة فهناك سيد فى السماء وعبيد فى الأرض .
- لم يسأل أحد نفسه هل العبد إختار عبوديته أم تم فرضها وقهر العبد عليها , ومن هنا لا يحق للسيد أن يسحق عبيده ليبقى فى النهاية تأسيس منهج فكرى حقير , فكل من يتحكم فى حياتك ويمنحك الرزق فله السيادة , لتصير منهجية حياة لدى المؤمن ولتتحقق فى كافة المجتمعات من العبودية إلى الإقطاع إلى البرجوزاية إلى الرأسمالية فلا تكتفى العبودية بنهجها القديم لتمتد أمام كل من يتحكم فى حياتنا ورزقنا .

الإنسان الحائر بين مازوخيته وساديته .
- تتأسس الحالة الإيمانية على حالة مازوخية يتماهى فيها المؤمن بتقديم كل فروض الخضوع والإذلال والإنسحاق أمام الإله المُفترض ليحول تلك الحالة المهينة إلى الإستمتاع وهذا مايُعرف بالمازوخية , ونتيجة هذه الحالة المنسحقة تعوض الحالة الإيمانية أصحابها بشعور سادى تجاه الآخر فهو المميز والأفضل والأرقى لدى الإله لتجد الأمور طريقها فى الحياة ليطفو التعصب والإضطهاد والنبذ .

الإيمان وأسطورة القصاص .
- تجد الحالة الإيمانية حضورها وزخمها من مقولة أن الإله سيقتص ويعاقب الاشرار على شرورهم وسيثيب الأبرار على برهم فليس من المعقول أن تمر الأمور بدون عقاب الظالمين والأشرار , ليجد هذا المنطق أو قل تلك الفرضية قبول لدى المظلومين والمهمشين والضعفاء فهناك من سينتقم لهم من ظالميهم .. لنلاحظ أن هذه الفرضية تتأسس على فرضيات سابقة غير مثبتة أيضا , علاوة أنها فرضية متخيلة لا تجد حضورها فى ظلم الكائنات الحيوانية فلماذا لا يقتص الإله من الحيوانات المفترسة , ليقفز المؤمن قائلاً لأنها غير واعية وغير مكلفة ومن هنا تفضح هذه الإجابة الفرضية , فالوعى هو الذى إستنكر أن يوجد ظلم وشر بدون عقاب ليبدع الواعى فكرة الإله العادل الذى سيقتص .
- من هنا نتلمس خطورة الفكر والفلسفة الإيمانية من جوانب كثيرة فهى تبقى على نزعة الإنتقام بل تصل بها إلى مراحل جنونية , فالعقاب الإلهى سيكون لانهائياً ممتداً على أفعال محدودة ! ومن جهة أخرى تخدر الإنسان الضعيف عن محاولة مقاومة وإسترداد حقوقه على الأرض لذا ليس غريباً أن المجتمعات الدينية حظت بالظلم والقهر فالشعوب مُخدرة بفكرة الإله المنتقم الذى سيقتص من الظالمين , ومن هنا نتلمس بشرية وإبداع فكرة الإله العادل المنتقم فعلاوة أنها تخلق حالة نفسية مستقرة إلا أنها تكتيكات الظالمين للسيادة والهيمنة وتخدير المقهورين فلتنتظر أيها البائس القصاص فى السماء .
- هذا المشهد بالرغم من سلبيته إلا أننى أرى له جانب إيجابى يتضاءل أمام جانبه السلبى ,فالضعيف المقهور بدون حل الإله العادل الذى سيقتص سيعيش حياته مكتئباً غاضباً ناقماً على هروب ظالميه من العقاب , ولكن الضريبة أنه فقد فى داخلة أى روح للمقاومة والثورة على ظالميه ..الحياة صراع على الأرض ولن يحسمها أمنيات بالإنتقام عندما تصير فى القبر .

الإيمان أفيون الشعوب .
- الإيمان بإله له إرادة وغايات وتكليفات هى رؤية سياسية فى المقام الأول , لتحرص كافة المنظومات الدينية والعقائدية على تصدير فكرة الإله الرازق الذى يقسم الأرزاق على طاولته بمزاجه فهو من قدر رزق كل إنسان ليصل التطرف الفكري ذروته بالإدعاء أن تقسيم الأرزاق على البشر جاء قبل الخليقة , ومن هنا يتخدر الفقراء والمهمشين فهكذا مشيئة ورزق وقسمة الإله لهم , وهكذا رزق الأغنياء فلا يحتج ولا يتذمر أحد وليرضى الجميع بما قسم الإله وليرتاح الأغنياء بتخدير الفقراء وإعتمادهم ثرواتهم حتى لو جاء من مص دماء لفقراء .. هذا هو أقبح شئ فى الفكر الإيمانى عندما يمرر ويبارك الإستغلال والنهب ويكون بمثابة أفيون يخدر البشر المطحونين , فمتى يستفيق السادة المؤمنين .

الإيمان والألم .
- فى الحقيقة الإيمان بارع فى تخدير الألم , فالإنسان أنتج المنظومة الإيمانية ليعالج بها آلامه وضيقاته وقلقه كما ذكرنا فى معالجته لقضية الموت مثلاً , ولكن لنا توقف أمام فكرتين الأولى هل الأفضل علاج الألم علاج حقيقى موضوعى أم تخديره وتسكينه وإهماله , والفكرة الثانية أن طمس الألم ليس فى صالح تطور الإنسان .. فالألم صانع الحضارة فمن بوتقة الألم نبدع الحلول لتجاوزها ليحل ألم جديد نتعامل معه وهكذا , وعندما يتوقف إحساسنا بالألم وقدرتنا على دفعه ليتحول إلى واقع طبيعي فنستسلم له ونتأقلم معه , فمن هنا يأتى جمود الإنسان وتخلفه الحضارى من اعتياد الألم والتعايش معه لتصل لحالة من المازوخية تنتشر فى الشعوب المتخلفة كشعوبنا عندما تتلذذ بالألم وتحتفى به فقد ضاع الفهم والإحساس بالألم .

السطحية والتهافت فى التعاطى مع الأفكار.
- السطحية والتهافت فى التعاطى مع الأفكار حجر زاوية فى الفكر الإيمانى فهو المطلوب وخلاف ذلك سيدخل المؤمن فى الشطط والزندقة فأى محاولة للتفكير الحر والتأمل ستكون عواقبه وخيمة , لذا تميل كافة المنظومات الإيمانية إلى الإيمان التلقينى التسليمى الإنبطاحى , ومن هنا صارت أيدلوجية وفلسفة فكرية للمؤمن فى شتى مجالات الحياة ليصير التسليم والإنبطاح منهجية حياة لنحظى على الجمود والتخلف .
- مشهد آخر للسطحية والتهافت فى التعاطى مع الأفكار وهو تعامل المؤمن مع اخطاءه وإخفاقاته فهو هنا لا يلجأ للبحث فى أسباب الخطأ والإخفاق ليلجأ لخداع نفسه بالصلاة والتمتمات المصحوبة بالتطهر وتقديم القرابين والأضحية وزيارة الاماكن المقدسة , فهو هنا يهرب من مشاكله أو قل يخدع نفسه بحلول زائفة بدلا من الدراسة الموضوعية لخطأه وفشله وإحباطاته .

الهروب والتبرأ من المسئولية .
- لدى المؤمن إعتقاد بوجود الشيطان الذى يوسوس له بإرتكاب الشر لتكون حجته بأن الشيطان هو من وسوس لي أن أفعل هذا , كما يقدم الإيمان الدينى رؤى عن أقدار الإله الذى لا يستطيع الإنسان منها فراراً , لتتطرف بعض الميثولوجيات طارحة أن الإله يضل ويفتن ويغوى من يشاء ولا هروب من قدره وحكمه وضلاله .
- أرى هذا النهج الفكرى الإيمانى نشأ من رؤيتين , رؤية أرادت تمجيد وتعظيم الإله وأن كل الأمور تحت إرادته وسيطرته وهيمنته منفردا ً مما أنتج رؤية تبدد فكرة الإختبار والحرية , كما أتصور أن هناك رؤية إنسانية تعبر عن أعماق الإنسان المظلوم فى تلك الطبيعة كحالة رفض وتمرد على واقعه لتنتج هذا الأحتجاج الخجول المتوارى المزعن فى النهاية للإله وشيطانه .

فوبيا المؤامرة .
- الفكر الإيمانى لهشاشته باحث عن خلق فكرة المؤامرة حتى يتم شحذ وتجييش المؤمنين فى شرنقته الحامية من مؤامرات الأعداء لنجد هذا الطرح حاضر بقوة فى اليهودية من مؤامراة الأغيار والأنجاس , وفى الإسلام من الكفار والمشركين واليهود والنصارى وكل صاحب إعتقاد مغاير للإسلام , لتأتى المسيحية لتعتنى إعتناء شديد بمؤامرات الشيطان كفكرة جامعة وذكية للمؤامرات مع عدم إغفال أن المعتقدات الأخرى إعتنت أيضا بمؤامرات الشيطان .
- قبح فكرة المؤامرة أن المؤمنين بها يعيشون فوبيا الوهم لتصرف تفكيرهم عن التفكير الموضوعى فهناك خطر يحيط بالمؤمن من أعداء خارجيين سواء متصورين او خياليين ليبدد حياته فى هذا العراك الوهمى وليزداد تعصبه لإيمانه فهى الشرنقة الحامية .

الإيمان يعنى التعصب وإقصاء الآخر .
- الحالة الإيمانية تبث التعصب وضيق الأفق فى عقول تابعيها لتلجأ لوسائل عديدة كفكرة المؤامرة التى تناولناها , فبدون التشرنق داخل الفكرة والتعصب لها لن يكون للإيمان قائمة , فيتعلم المؤمنون أن الإيمان القوى هو القابض على مفرداته الإيمانية بقوة رافضاً أى أطروحات مغايرة او ناقدة ومن هنا نتلمس التعصب بين الأديان وبين الدينيين واللادينيين بل يصل التعصب والنبذ بين المذاهب داخل الدين الواحد , ليتعلم المؤمن ثقافة العداء لأى فكر مغاير لعقيدته الإيمانية ويصير هذا منهجية تفكير تمد ظلالها فى شتى مجالات الحياة السياسية والإجتماعية حتى لو تحلى أصحابها بفكر قومى أو ليبرالى او يسارى , فلا يكون هنا حوار يتقبل الآخر بقدر شيطنته ولعنه فهو خارج القطيع .

الفكر الإيمانى يعنى القولبة والزيف وإنعدام المصداقية .
- عندما تتأمل حال المؤمنين أثناء ممارسة صلواتهم وطقوسهم فلن تجد من يعيش حالة وجدانية خالصة بل حالات من الشرود ليتطرق ذهنه لأمور شتى فى حياته وهذا لا يرجع إلى رتابة الصلوات وتكراها فحسب بل لطبيعة إنسانية تفكر وتتواصل مع كل ماهو مادى ملموس وذو وجود ووعى وذكريات , فلا تطالبه أن يُقيم تواصل مع كائن ميتافزيقى لامادى لا يعرف كينونته وماهيته يفتقد حتى للخيال.. العملية الإيمانية بصلواتها وطقوسها تشبه الكرسى الهزاز فهى تعطيك إحساس إنك تفعل شيئا ولكنك لا تذهب الى اى مكان فأنت تهتز فى مكانك فحسب .. ومن هنا تكون الصلوات والطقوس أفعال مزيفة عبثية بلا معنى سوى طلب التقوى سواء من الإله أو من الآخرين .
- هذه الحالة من الزيف تجد سبيلها كنهج حياة وتعاطى لذا لا تندهش عندما تجد المجتمعات التى تحتفي بفكرة الإيمان بالإله مجتمعات يرتع فيها الزيف والنفاق والتدليس ,فالفكر الأيماني يؤسس هذا فلا يطلب من الإنسان الصدق مع ذاته بقدر تأدية الطقوس والفروض بدون نقاش ولا إحساس ولا معايشة فالمهم ان تنفذ ما هو مطلوب منك بغض النظر إذا كنت مقتنع به ومتعايش معه بوجدانك أم لا . وفى الحقيقة لن نجد من يتعايش فكيف يتم الإحساس والتواصل مع كيان مجهول الماهية والهوية ذو طبيعة مغايرة كما ذكرنا ليكون مخاض تلك الحالة المشوشة المزيفة منظومة فكرية تعتنى بالمظهر والمنظر دون الجوهر وللأسف تتسلل لتكون بمثابة منهجية حياة وتعاطى .

الفكر الإيمانى يجهض العقل والمنطق ولا يمد الأمور على إستقامتها .
- الفكر الإيمانى فى حالة نفور من العقل معادياً للمنطق فهو يعلم جيدا أن حضور العقل والمنطق سيبدد الإيمان ولن يبقى منه شيئا لذا تسود مقولات على شاكلة أن عقل وفكر الإنسان قاصر ومحدود وأنك لن تستطيع أن تحول ماء المحيط داخل حفرة .
- الفكر الإيمانى يستخدم العقل والمنطق للوصول لرؤيته ولكنه يعدم العقل والمنطق بعد ذلك ملقياً إياهم فى أقرب صندوق قمامة , فمثلا يقولون أن لكل سبب من مُسبب ولكل صنعه من صانع ولكل تصميم من مُصمم لتسألهم بعدها من سَبب المُسبب والصانع والمصمم فتجد الإجابات توقفت وتعلثمت .
- يصير منهج الفكر الدينى التعسفى اسلوب حياة فى فكر المؤمن فهو لا يمد الأمور على إستقامتها فى بحثه ليكتفى بشعار محدد يردده رافضاً أن يكمل البحث ليتقولب فى رؤى سياسية وإجتماعية متشنجة متعسفة لا تقبل الجدل ومن هنا ندرك سبب عدم تقبل المجتمعات الدينية للحرية والديمقراطية فهى وصلت لقناعات معينة لا تريد بحثها وتجاوزها , لذا تجد أن إيمان البعض بالحرية والديمقراطية لا يتجاوز سوى الوصول بفكرته ليتعسف بعدها مع باقى الأفكار الأخرى .
- مشكلة المؤمن مع الحياة والوجود أنه يعتمد الحدوتة فى فهمه فهناك بدايات ونهايات وتوتة توتة خلصت الحدوتة , بينما الحدوته ليس لها بدايات ولا نهايات .

إنعدام الجدوى .
- هناك فكر جوهرى غائب عن الفكر الإيمانى وهو السؤال عن جدوى وجود إله بدلا من عجزهم عن محاولة إثبات وجوده وهذا نتاج أن الفكر الإيمانى تحايلى مفتقداً للتأمل هارباً من إشكالياته فى قضايا فرعية فقبل أن تحاول إثبات وجود إلهك فلتبحث عن جدوى وجوده فى حياتك .

دمتم بخير.
- أجمل ما فى الإنسان هى قدرته على مشاكسة الحياة فهو لم يرتقى ويتطور إلا من قدرته على المشاكسة ومعاندة كل المسلمات والقوالب والنماذج , وأروع ما فيه هو قدرته على السخرية من أفكاره فهذا يعنى أنه لم يخضع لصنمية الأفكار فكل الأمور قابلة للنقد والتطور .. عندما نفقد القدرة على المشاكسة سنفقد الحياة .
"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع.