ثقافة تحتفى بالجهل والإنبطاح والبلادة والتهافت


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5981 - 2018 / 9 / 1 - 23:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

لماذا نحن متخلفون (59) .

الإنسان ثقافة أى نهج ومنهج فكرى يُنتج سلوك الفرد والجماعة ويشكل محتواها ووجدانها وإرثها الفكري وأدائها ورؤيتها فى طرق معالجتها للأمور , لذا أرى أن حضور ثقافة فاسدة قميئة ستمنع أى تحضر ورقى وإنسانية , وأن أي محاولة للإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعى لن تجدى فستذهب أدراج الرياح وتكون بمثابة الحرث فى الماء , فإصلاح الثقافة وتطويرها وتهذيبها هى الضمانة الوحيدة لتطور الشعوب ورقيها , فالثقافة البائسة لن تكتفى بالجمود والتخلف بل ستكون بمثابة معول هدم لكل تطور إنساني .
لن نتقدم ولن نبارح تخلفنا ما لم نتوقف لنراجع أنفسنا أمام مسلماتنا وثوابتنا ونهجنا فى التفكير والسلوك , ولا أعتقد أن التوقف كافٍ أمام ميراث هائل من الجمود والإنبطاح والتبلد نال الكثير منا لدرجة أننا إفتقدنا الإحساس بالقبح , بل إستعذبنا هذا القبح والهوان وتماهينا فيه , لذا أرى الأمور تحتاج نضال طويل مع ممارسة جلد الذات بقسوة حتى نستفيق وتتحرك آلية الإحساس والدهشة من جديد , ومن هنا جاءت هذه التأملات والتوقفات التي تطلب جلد الذات على الخيبات التى تغمرنا .
إذن التخلف وليد ثقافة وليس نتاج غياب التقنية الحديثة ووسائل الإنتاج , فالتقنية يمكن التدرب عليها لإستهلاكها كما يحدث فى بلاد العربان , ولكن وسائل وعلاقات الإنتاج تتجادل مع الثقافة لتنتجها , ولتمارس الثقافة الرجعية دورها في التفاعل بشل المجتمع عن تطوير علاقات ووسائل إنتاجه , وليساهم تخلف علاقات الإنتاج فى دعم الثقافة الرجعية وتوطينها .
يقيني أن التخلف هو ثقافة تفرض منظومتها وأدواتها على البشر لتبرمج منهجية وطرق تفكيرهم وتعاطيهم وآفاق حراكهم , لذا تكون الثقافة هى سر تقدم الشعوب أو تخلفها , فعندما تبحث فى ثقافة شعب أي منهجية حياة وتفكير أى مجموعة بشرية فستدرك حينها لماذا هذه الجماعة متقدمة أو متخلفة .. كما أن الثقافة هى التي تبنى حضارة الشعوب أو تكون عائقا ضد تطوره ولك مثال اليابان وألمانيا فقد تم تسويتهما بالأرض في أعقاب الحرب العالمية الثانية ولتنظر حالهما الآن فالإنسان بثقافته قادر أن ينتج من الخراب والدماء نماء وحياة .
تناولت فى هذه السلسلة " لماذا نحن متخلفون " أسرار تخلفنا الكامنة فى ثقافة منحطة تشل قدرات الإنسان عن الحركة والتطور والرقى بل تعيقه وتقف حجر عثرة بما تؤسسه من جمود وسلبية وضمور , لأقول أنه مع إستمرار ثقافتنا البائسة ونهج تفكيرنا الإستبدادي التعسفي المراوغ الهارب من مواجهة تلال أفكارنا البائسة فلن نشهد أى تطور مهما إمتلكنا علوم الدنيا .
فى هذا المقال رصد إضافي لمظاهر وأسباب تخلفنا المستمدة من ثقافة بائسة قميئة متحجرة تحرص على تكبيل حرية وفكر وإرادة الإنسان ليحل مكانها قولبة وصنمية ويا ليتها تكون مؤسسة لإنسانية بل مُرسخة للإنتهاك والتشرنق والتشوه .

- ما تسألش وخليك زى البهيمة . ثقافة تمجيد الجهل والنفور من المعرفة .
الإنسان لا يتطور إلا بالسؤال الذي يطلب المعرفة , لنجد ثقافتنا تقبح هذه المعرفة فهي تدرك تماما أن البحث والتنقيب والتفتيش سيُسرع بإنهيارها لذا تحصن ذاتها بتحريم السؤال , ومن هنا يدرك المؤمن منهجية أن السؤال جالب للمتاعب ليجد هذا حاضراً عند تعاطيه مع السياسة والحكام ومنظومات المجتمع ليعزف عن السؤال في أي منحى من مناحي الحياة حتى العلمية منها فنتلقى العلم تلقيناً, فماذا تنتظر من مجتمع ضمر وإنقرض السؤال فيه .
منشأ تحريم السؤال جاء من القرآن في المائدة 101( يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَن أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ )
وفى الكتاب المقدس بسفر الأمثال الامثال 3-5( تَوَكلْ عَلَى الربّ بِكُل قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعتمِدْ ). !
كما نهى نبي الإسلام عن كثرة السؤال، قال ( ذروني ما تركتكم فإنما هلك مَن كان قبلكم بكثرة سؤالهم و اختلافهم على أنبيائهم ) رواه مسلم .
ونقل الشعراني وابن الجوزي عن أحمد بن حنبل أنه قال : رأيت رب العزة في المنام فقلت : يا رب ، ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك ؟ فقال : بكلامي يا أحمد ، فقلت : بفهم أو بغير فهم ؟ قال : بفهم وبغير فهم .!
وفى نفس السياق يذكر الكتاب المقدس بوضوح النفور من المعرفة فى تكوين 16:2( وَأوصيَ الرَّب الإِلَهُ آدَمَ قَائِلا : مِنْ جَمِيعِ شْجَرِ الْجَنَّةِ تَاكُلُ أكلاً، و أما شَجَرَةِ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرّ فَلا تَأكُلْ مِنها، لأَنَّكَ يوم تَأْكلُ مِنْهَا مَوتأً تَمُوت) .. فحُكم الله وغضبه ليس لأن السيد آدم والست حرمه كانا نهمين للأكل بل لأنهما عرفا شجرة المعرفة .

- ثقافة جبانه لا تمتلك أى قدرة على مراجعة نفسها ونقد ذاتها .
ثقافتنا لا تعرف مفهوم النقد الذاتي أو مراجعة ذاتها عند الإخفاق بل ترفض أي نقد موجه لها ولا يوجد فى قاموسها ثقافة الإعتذار ليزيد الطين بلة انها لا تكتفى بعدم الإعتراف بقبح سلوكها فحسب , بل تنكر بتشنج أنه نواتج تلك الثفافة ليصل بها التحجر إلى عدم التوقف والتزييف , فهزائمنا وانكساراتنا مستمرة محولين إياها إلى إنتصارات فخزينا مجد , وتخلفنا أصالة , وجمودنا حفاظ على الثوابت .

- ثقافة الجهل والتقبيح .
من سمات ثقافتنا البائسة ممارسة التقبيح لأي فكر يخالف معتقداتنا لتجد سيل من التقبيح والسخرية والسب لأي فكر مغاير لثقافتنا وإيماننا حتى ولو كان علمياً , فبدلا من محاولة الفهم والبحث فيما هو مطروح من أفكار ونظريات مغايرة تجد الهجوم الشديد عند تشمم المؤمن بأن هذا الفكر قد يقوض فكرة الإله والدين .
ثقافة الصراخ والصوت العالي هي وسيلة ثقافتنا البائسة في مواجهة أي فكر أو نظرية علمية تختلف مع القناعات السائدة .

- ثقافة الثوابت .
آفة الثقافة العربية الإسلامية سريان فكرة الثوابت لتصبح تابو وصنم يَمنع الإقتراب منها .. الثوابت تعاند ناموس الحياة فهي إنكار تام لديمومة الحركة والتطور الإنساني ليبقى نهج وفكر وقيم وسلوك مجتمع قديم مهيمن ساري المفعول ليحكم الحاضر بمنظور الماضي .

- ثقافة النقل قبل العقل .
من فكرة الثوابت جاء تمجيد النقل قبل العقل , فالإرث الفكري المنقول أفضل من إعمال العقل وجدله وحراكه وتطوره وتقدمه , لنحصل على حالة دونية ترى عقول القدماء في البحث والتفسير والإفتاء أفضل من عقول المعاصرين بالرغم أنهم نالوا حظاً وفيراً من العلم والمعرفة .. تمتد هذا الحالة السلفية التي تمجد القديم والمنقول لكافة مظاهر الحياة فنجد تابو وصنمية لأقوال وأفكار الزعماء والساسة الخالدين ليصاب المجتمع بالجمود والتحجر والتبلد .. وللمصداقية نجد هذا النهج سارياً لدى غير دينيين فنجد اليساريين الشرقيين مازالوا ينقلون ويقدسون أفكار وأقوال لينين وستالين وماو رغم إختلاف الظرف التاريخى والموضوعى .

- ثقافة العقل الهزلي .
العقل الهزلي هو عقل يهتم بتوافه الأمور ليخلق منها قضايا فكرية , فعندما يُثار موضوع رضاعة الكبير بين علماء المسلمين , نجد فريق يحاول تخفيف المشهد بالإدعاء أن الرضاع ليس بالضرورة من خلال إلتقام ومص حلمة المرأة بل يكفى أن تعصر المرأة اللبن من ثدييها فى كوب ليشربه الرجل , بينما يرى فريق أكثر سلفية أن الرضاع يتم مباشرة من النهد فهو إسمه رضاعة .
هكذا هي قضايانا الفكرية وهكذا هي ثقافة العقل الهزلي التي تدور فى كل ماهو هزلى وغبى ومتهافت , فلا يتوقف أمام مشهد رضاع الكبير برمته ليرفضه ويستقبحه ويلغيه من قاموس فكره وسلوكه بل يعتني بكيفية الأداء الهزلي .!!
المأساة والمهزلة في نفس الوقت تتمثل فى السائل والمهتم الذي يعتني بالخوض في هذا التهافت , فهكذا هى ثقافتنا التي تعتني بالتافه والمتهافت والغبي .!

- ثقافة المراوغة والتلفيق وخداع الذات .
نحن شعوب تمارس خداع ذاتها ولا مانع من المرواغة والتلفيق المفضوح , فمثلا تجد التبرير للتناقض البشع في النصوص المقدسة يتم بطريقة تتخلى عن أى منطق وعقل , فكلمة "ثم" والتي تعنى التعاقب تصبح "واو" فى تفسيرها والتي لا تعتنى بالتسلسل والتعاقب , وكلمة "لا " النافية تصبح زائدة ولا تعنى النفي ليجد هذا التلفيق الفج مكان فى العقل الديني , ولك ان تنهل العجب العجاب فيما يقال عنه فقه التأويل .
لا تقف الأمور عند هذا الحد لتمارس فصول عبثيتها عندما تجد المؤمن يتبنى هذه التلفيقات ويرددها فى وجه من يفكرون ويتشككون , ولتصير نهجنا فى أوجه حياتنا المختلفة بقدرتنا على التأويل المُخل .

- ثقافة التقية .
منهجية التقية من أقبح سمات ثقافتنا أي تلك الثقافة التي تعتني بالكذب والزيف والخداع , فيمكن أن تلفظ وتتنكر من إيمانك وقناعاتك إذا كانت ستسبب لك الحرج والمتاعب , فلا مكان لنقاء وقوة الإيمان والتضحية من أجل الثبات على العقيدة والمبادئ .
عندما تكون هذه الرخصة من ثقافة دينية , فلن نتوقف أمام تهافت الإيمان وزيفه وتلونه بل سنتوقف عند منهجية تفكير مجتمعي تغلغل فى جيناته هذا الفكر فلا دفاع عن مبادئ بل تلون وتغيير للجلد كلما تطلب ذلك , ليجد هذا النهج سبيله فى الساسة والقادة وحتى لدى البسطاء .

- ثقافة مفلسة بلا رصيد .
ثقافة مفلسة تعيش على إجترار ماضي الأب والجد والزعيم والنبي فليس هناك ما تقدمه , لذا تتشبث بالماضي ليعيش الإنسان على إجترار ماضي فى الغالب هو قميئ وغير سوى , فماذا تنتظر من هذا الخواء والمحتوى الفاسد سوى تأسيس التخلف .

- ثقافة الإختزال .
ثقافة الإختزال تعنى إختزال المجتمعات والتكوينات بحكم واحد مبنى على تجربة فردية تاريخية , فالاختزال عملية نفسية يُختصر فيها الشخص إلى أحد أبعاده أو وجه من وجوده أو إحدى خصائصه فقط , وهكذا لا نعود ندركه إلا باعتباره تلك الصفة أو الخاصية وفي هذا اعتداء على إنسانيته , واعتداء على حريته في أن يكون غير ما نريد .
يتخذ الاختزال طابعاً سلبياً معظم الأحيان كأن لا نرى من الشخص إلا إحدى خصاله السيئة ونوحده معها , وهنا تدخل التحيزات والأحكام المسبقة والأفكار النمطية وتؤدي إلى مواقف إدانة وتعصب , فاليهود الأخبث والأكثر عداوة للذين آمنوا ليتم تعميم هذا الحكم على اليهود على مر الزمان والمكان ومن هنا تنشأ مواقف حادة مُستقطبة تبدد أى فكرة للتعايش السلمي بين البشر من مجرد رؤية تعميمية تاريخية إختزالية .. إختزلت المجموع من مشهد خاص .

- ثقافة الفضول ودس الأنف .
لدينا ثقافة غريبة تتيح لنا حرية دس أنوفنا في حرية الآخرين وسلوكهم .. ثقافة تعشق الفضول فى أعلى مستوياتها بينما ينعدم هذا الفضول وحشر الأنوف عندما نتناول قضايا فكرية , فتجد الجميع مُنصرف ومُستاء من مجرد عقل يفكر ويخوض فى التابوهات والأفكار , بينما الفضول ودس الأنف فى علاقة هذا الرجل بتلك المرأة هو شاغلنا ولهونا .

- ثقافة الوصاية ولمن يملك حق القهر .
مازالت مجتمعاتنا تؤمن بفكرة الوصاية وترى من حق الوصىّ أن يقوض الموصى عليه ويقهره لما يراه , لذا سادت فكرة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لتحقق الوصاية وإنتهاك الحريات الخاصة فى كل أشكالها وأبعادها بدءا من وصاية الأب وكبير العائلة والحاكم والمطوع وأى عابر سبيل .
خيبة عندما تتناول وتتبنى مجتمعاتنا حرية الإنسان فكراً وسلوكاً , فتجد المتحضر منهم يرفض أن يتولى العامة قهر الآخرين والوصاية عليهم فيستنكر من يتولى النهى عن المنكر من العامة ليبيحه للسلطات المختصة والوالى , فلا قتل للمرتد بيد أحد غير الوالي , ولا إقامة الحد على شارب الخمر إلا من الجهة المختصة , ولا يحق لأحد ان يفتش فى هويات شاب وفتاة والعلاقة بينهما إلا لجنة النهى عن المنكر , فالمسلم المتحضر يتقبل الإنتهاك والقهر والوصاية ولكن من الجهة المعنية .!

- ثقافة التفاهة والتهافت والشذوذ عندما يتم تقبيح الجمال وتجميل القبح .
عندما نجد أسئلة تثار فى مواقع الإفتاء والفتوى عن ما حكم إهداء الزهور عند زيارة المرضى ؟ وما حكم الصور التي في ملابس الأطفال وفراشهم ؟ ما حكم لبس العروس للفستان الأبيض يوم الزفاف ؟ ما حكم مشاهدة وشراء أفلام الكرتون الإسلامية ؟ ما
موقف المسلم من الصور التوضيحية التي في الكتب الدراسية ؟ وغيرها من أسئلة تدعو للسخرية والتقيؤ من هكذا عقليات تسأل وعقليات تجيب .
لن أذكر إجابات الشيوخ فهي صادمة غبية فجة قبيحة شاذة مخالفة للعقلانية والبديهية والذوق , ولكن أتوقف عند السائل الذي يعبر عن ثقافة محت أى فكر ومنطق وذوق في داخله , ليطلب الفتوى والمشورة فى أمور بديهية لا تحتاج للحيرة , ولكن هكذا صرنا مع ثقافة مسخت ومحت العقل والتفكير والإرادة .!

- ثقافة الشيوخ والكهنه وأصحاب الزبيبة.
ثقافتنا ومجتمعاتنا بائسة مازالت فى حكم الثيوقراط ليتفردوا فى الهيمنة على القطيع , فعندما تُثار أي قضية حداثية كالتبرع بالأعضاء أو نقل الدم أو الإستنساخ تجد المتربع على عرش الحديث والإفتاء هم الشيوخ ليتوارى علماء الطب والإجتماع جانباً بالرغم أنهم الأولى بالحديث والشرح وتبيان الفوائد والمضار , ليُخلى المكان لهيمنة أصحاب الجهل ليفتوا ويحللوا ويحرموا وليتلقى أصحاب الطب والإجتماع رخصة الحديث وفق ما يقررونه هُم .. بئس مجتمع يدار بواسطة شيوخ وكهنة الجهل مهملاً علماءه الحقيقيين .

- ثقافة تبرير البشاعة .
ثقافتنا منحتنا عقول سميكة قبل الجلود السميكة لتخلق منهجية تفكير تبرر البشاعة , فالجزية على اليهود والنصارى فى الوضع صاغراً ليس إنتهاك لكرامتهم وإنسانيتهم بل هى ضريبة الوطن , والإنتهاكات التى نالت اليزيدين كونهم عبدة الشيطان , والآثار التى حطمها الدواعش فى العراق وسوريا كونها أصنام كانت تُعبد في الماضي وقد فعلها الرسول الكريم فى عصره وأوصى بذلك , ومشهد شق أم قرفة لأنها كانت تهجو نبي الرحمة المهداة , ودهس وطعن المستوطنين اليهود المدنيين لأن هذا هو النضال والجهاد الفلسطيني .

-ثقافة تمجيد البشاعة .
نحن نبرر البشاعة ونبلعها كون ثقافتنا مجدت البشاعة , فالإنتهاك الذى تم فيما يعرف بالفتوحات الإسلامية نراه مشروعاً وعظيماً وممجداً , وخالد بن الوليد على سبيل المثال هو أكبر إرهابي دموي عرفه التاريخ ولكنه فى مخيلتنا مجاهد كبير بمثابة قديس ورمز وعمود من أعمدة الإسلام لنسمى أولادنا ومياديننا وشوارعنا ومؤسساتنا بإسمه , وهكذا حال الكثير من الأبطال والمجاهدين القدامى ليصير البشع بطلاً فذاً , ليمرر في الطريق البشاعة كنهج حكم .

- ثقافة تداعب الغريزة ونزعة القوة والهيمنة والتمايز والاستبداد .
سر هيمنة ثقافتنا وتجذرها أنها تداعب الغريزة ونزعات القوة المفرطة وتخلق لذة متوهمة من التمايز , فعندما تنظر إلى أغوار الإيمان الدينى تجد حلم نكاح الحوريات مُحلق , ولتدرك أن سر إنجذاب الشباب للتيارات الإرهابية أنها تحقق لهم متعة فى تنفيس العنف واستخدام القوة المفرطة التى تعطى إحساس باللذة من الهيمنة والسطوة والتمايز .
نحن أمام ثقافة هوس جنسى , فكل خلايا أدمغتنا تدور وتحلق فى آفاق جنسية , فكل الامور تبدأ بالقضيب وتنتهى عنده .

- ثقافة محاصرة فى أزمة .
ثقافتنا صارت على المحك بعد أن حوصرت فى الركن بأفعال داعش , فكل ما فعلته داعش هو من النصوص والتراث والتاريخ وسلوك محمد نفسه , لتكون إدانتنا لداعش إدانة خايبة ولتضعنا داعش فى مأزق بين التحضر والبشاعة , بين النص والسلوك , بين الإرث والحاضر , بين المدنية والهمجية , ولكن تلك الثقافة العتيدة البليدة تمرر الأمور بإستدعاء إزدواجيتنا وبلادتنا .

دمتم بخير وأختم بهذا المقال سلسلة "لماذا نحن متخلفون" فالأمور صارت شديدة القرف واليأس .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع.