تأملات فى لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5920 - 2018 / 7 / 1 - 23:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون (46) .

هذا المقال هو مشاكسة لثقافتنا وأداءنا وثوابتنا وتحليل لنهجنا فى الحياة , ورصد لنفسية وذهنية الإنسان وكيف أنتج فكرة الآلهة والمعتقدات والأديان كسبيل لإيجاد التوازن النفسى فى وجود غير معتنى , ومن هنا جاء الإيمان بالميتافزيقا لأقدم هذه الرؤى من خلال تأملات تعبر عن رؤيتي وفكري متوسماً أن أستكملها وأستفيض فى تبيانها مستقبلاً .
كما ذكرت فى هذه السلسلة من "لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون" أن الإيمان بفكرة الإله شديدة الثراء والتنوع فهي كالموزاييك ثرية بالألوان والخطوط المختلفة لتفي احتياجات نفسية للإنسان في الأساس , وهى ليست متجانسة ولا ذات نهج واحد لتجمع كل التناقضات فى ذات الوقت كفكرة الإله الرحيم والمنتقم , لأرى هذا التباين شئ طبيعي لتباين الحالة النفسية والمزاجية والثقافية للإنسان .. ولكنها لا تكتفي بذلك لنحظى على ذهنية ونفسية إيمانية متناقضة إزدواجية لا تخلو من التسطيح والهشاشة .
أعتذر عن دسامة المحتوى فكل تأمل سأذكره كفيل أن يكون مقالاً بحد ذاته , ولكن هكذا طبيعة كتاباتى تريد طرح كل أفكاري وتأملاتي قبل طي صفحة العمر .

يؤمنون لتحقيق العنف .
- أرى أنهم يؤمنون للتنفيس وتحقيق العنف عن طريق الدين الذي هو بمثابة أدلجة العنف وتأطيره ومنهجته ليكون كمظلة لممارسة العنف لذا يؤمنون ويتحمسون , فكلما حافظ الدين على رخصة ممارسة العنف والإستمتاع والتلذذ بممارسته ولو في أقل مستوياته كالقول والوصاية مثلا كلما زاد تابعيه تشبثاً به .
- الإنسان كائن يخفى تحت جلده نزعته للعنف ويرجع هذا لأصوله الحيوانية وصراعه من أجل العيش والبقاء , ولكن الإنسان من تجاربه وبحكم التطور والتحضر أدرك خطورة العنف المُنفلت ليمارس محاولات لتحجيم هذا العنف وتقليل منسوبه بعدما أدرك أن العنف المنفلت سيقوض الجماعة البشرية ويضعفها أمام الأخطار الخارجية المتمثلة فى الطبيعة والجماعات البشرية المنافسة .
- تحريم وتجريم وإستنكار القتل جاء قبل الأديان والوصايا العشر مذ عرفت الجماعة البشرية أن قتل أحد أفرادها هو إنتقاص من قدرتها على مواجهة أخطار الطبيعة , ولا يعنى هذا تخلى الإنسان عن العنف والدم بل قل كبحه وتنظيمه , فليُمنع داخل الجماعة البشرية وليُطلق سراح العنف ضد الآخر لتتحقق غريزة العنف , ومن هنا جاءت الأديان لتؤدلج العنف لتعتبر القتل داخل الجماعة البشرية أو المؤمنة جريمة بشعة تستجوب العقاب الإلهي والأرضي , بينما أطلقت عنان العنف ضد الأغراب أى الجماعات البشرية الأخرى تحت دعوى أنهم أنجاس أو كفار أو مشركين لتعتبر تلك الأديان قتلهم وذبحهم عمل بطولي جهادي يتقرب به المؤمن للإله وسيثيبه على عنفه ودمويته تلك , ومن هنا يأتي الدين كأدلجة للعنف ومنح مظلة مقدسة لممارسة العنف المُفرط بضمير مستريح متلذذ وبدم بارد بديلا عن فوبيا التحريم .. بالطبع ما أذكره هو واقع وحادث في الأديان , ولنا ما يقال عنها كتب مقدسة كالقرآن والكتاب المقدس التي تحوى آلاف النصوص التى تبيح وتمجد ممارسة العنف .
- بالطبع تتفاوت نزعة العنف لدى المؤمنين فيكون أكثرهم تديناً ميالاً لممارسة العنف كما نراهم في الأصوليين الإسلاميين واليهود فهم ليسوا أكثر تديناً وإلتزاماً وتشبثاً بالنص بل لكون النص يفتح المجال أمام ميولهم العنيفة .
- "اللهم زلزل الأرض من تحتهم اللهم فجر البراكين من فوقهم .. اللهم اغرقهم بالفيضانات والاعاصير .. اللهم أرسل عليهم الصواعق .. اللهم أنزل عليه الأوبئة والأمراض ..اللهم يتم أولادهم ..اللهم شرد نساءهم ."
العنف لايتحقق بدنياً فقط فيمكن أن يجد سبيله فى القول كهذا الدعاء , ولن نقول بئس هكذا دعاء وبئس هذا الإله الذى يستمع ويستجيب لهكذا دعاء , ولكن سنقول هكذا جاءت فكرة الإله لتنفيس غضب يُراد أن يتحقق لواقع ..إيجاد معنى للشر وتمريره ..إيجاد مشروعية لنفسية إنسان عنيفة سادية سوداوية .

يؤمنون لتحقيق الهوية والعنصرية .
- الإيمان بفكرة الإله من خلال دين ومعتقد هي بحث عن الهوية ورغبة إنسانية في ممارسة العنصرية والتمايز باحثة عن حالة فوقية , فما الذى يجعل مؤمن بالله يحس أنه مُتمايز ومُفضل عن الآخرين إلا من خلال فهم عنصري بأفضليته لدى الإله والباقي أنجاس ضالين , أنا مؤمن وانت كافر أنا من المنعمين والمباركين وأنت من الضالين والمغضوب عليهم , أنا من المخلصين بدم يسوع وأنت لا , ويصل هذا المفهوم في غباءه وإقصاءه بنبذ مذهبى طائفي بالرغم أنهم يشاركونه نفس الإيمان بالإله ورسالته ليترجم هذا الإيمان العنصري نفسه فى حظوظ من الجغرافيا والتاريخ .. هو بالفعل كذلك ففى عمقه تمجيد الإنسان للهوية والجغرافيا والتاريخ كإنتماء ولكن لا مانع من ممارسة العنصرية والتمايز لتنتج عدوانية إقصائية تعطى لذة التمايز والفوقية ..الفكرة الإيمانية أصبحت شديدة الضرر .

الأرجوحة .
- لماذا يؤمن البشر بالأديان والمعتقدات رغم أن العلم قدم رؤية للحياة والوجود في منهجها المادي , لماذا يؤمنون رغم تهافت المعتقدات بما تقدمه من سذاجة؟ الأديان تخاطب وتداعب طفولية الإنسان النفسية , فالإنسان يتأرجح بين سلام حالته النفسية وإضطرابها ليركب الدين هذه الأرجوحة لتعطى للحياة معنى ولذة .. لا يكون تفسيرنا للمعتقد أنه يمنح السكينة والهدوء في نفس وجلة ضائعة في عالم مادى لا تدركه فحسب بل التمتع بالأرجوحة .

الإله المتهم .
- فكرة الله جاءت من حاجتنا لوجود مُتهم ضخم يكون هو الجانى الحامل لأوزار الخطأ والخطية فهذه أحد الأسباب العميقة في إيمان الناس ‏بالإله العظيم , لقد آمنوا بالإله لأنهم محتاجون إلى مُتهم ضخم بلا حدود يتهمونه بكل جبروت الطبيعة ليدفع الإنسان عن ذاته الضعف والفشل.
- لقد كانت قضية "من المتهم" هي البرهان على وجود الإله , لقد كانت إرداة العدوان والإتهام هي التي دلت الإنسان ‏إلى فكرة الإله وصاغت صفاته وأخلاقه ومنطقه وضميره وجبروته .
- المؤمن والإنسان عموماً عند أول مشكلة تصادفه يبحث فيمن يلقي عليه اللوم , فعند وقوع حادث سيارة مثلا يقول أن فلان ‏هو المسئول عن الحادث فإذا لم يجد هذا الفلان ربما إتهم نفسه لكن الأفضل والأسهل عليه هو إتهام الله بعبارة رقيقة خجولة بأن هذا قدر الله , فالإله أصبح المتهم والشماعة التي يعلق علية المؤمن أخطاءه وضعفه .
- قد يتصور البعض أن فكرة الإله المتهم فجة لنسأل من المسئول عن وقوع الزلازل مثلا , أليس الله كما يعتقدون , فالمتهم لديهم هو الله بغض النظر عن محاولة صياغة الإتهام بعبارات رقيقة كالقول بأن هذا إختبار الإله ولكن هذا لن ينفى أن المؤمن يتهم الإله وهذا مايريده المؤمن بإزاحة التهمة عنه وتبرير ضعفه وهوانه . ‏
- الغريب أن المؤمنين بعد أن أدركوا المتهم إرتضوا بجريمته ولكن نزعة الإنتقام والثأر تعطلت لديهم نتيجة الرضوخ للقوة المفرطة الغير مدركة للإله, ومقابل فكرة الرشوة والتلاعب على النفاق والبرجماتية الإنسانية بتلك الجنه المبتغاة أو طلباً أن يكف الجاني عن المزيد من جرائمه .

أصل السببية .
- من الأمور التي تؤكد أن السببية هي طريقة عقلية مريحة لوصف الأحداث هي قدرة الإنسان علي دمج أسباب غير طبيعية في سلاسل الأحداث الطبيعية , فعندما يعجز الإنسان عن الوصول لهدفه العقلي وهو هنا الوصول للأسباب الطبيعية فإنه يخترع أسباباً لا طبيعية كالجن والعفاريت والغيلان والآلهة .
- هناك أمر آخر يؤكد أن السببية ما هي إلا طريقة عقلية وليست قانوناً طبيعياً وهي قدرة الإنسان علي القفز من أسباب طبيعية إلي أسباب ميتافيزيقية دون أن يشعر العقل الديني بأي تناقض بل يتابع التفكير وكأن تلك القفزة الرهيبة لم تحدث , هنا يجب أن نتأمل في عمق الجهل الإنساني ثم نتأمل في القدرة الخيالية المتحررة , ثم نتأمل في الغرور النفسي والكسل الإنساني ,فكل هذا الكوكتيل يدفع الشخص العادي للإيمان بالآلهة والتي يسميها فيورباخ مخلوقات الجهل المرتفعة إلي مرتبة الكائنات الخارقة للطبيعة.

الإله كوسيلتنا للنسيان .
-لا خروج من لحظة ألم أو مشكلة تعتصرنا إلا بمخدر أو النسيان ولكن النسيان لا يأتي بسهولة فنستدعى فكرة قوية تلهينا وتشغلنا عن تذكر المصيبة التي تعترينا لتجد من يعمل بجدية أو يمارس الرياضة أو الفن ..فكرة الله لا تزيد عن كونها فكرة تشغلنا وتلهينا عن سبب الألم لنستعيرها بعد ذلك لعلاج الألم .

الإله بطقوسه وسيلة للنظام الإجتماعى .
- الإيمان لم ينشأ فقط من الخوف من المجهول والفناء والرغبة في فهم الطبيعة ومحاولة التصالح معها أو التحكم فيها , بل هناك سبب آخر وهو الترابط الاجتماعي , فنحن حيوانات اجتماعية قطيعية بطبعنا.. أي إن خاصية التعاون هي التي تجعل من الكيان الإنساني الضعيف قوة هائلة على الأرض , لكن التعاون يصبح أكثر صعوبة مع تزايد العدد. لذا فمن الأهمية بمكان ضرورة وجود نظام إجتماعي حاكم يفرض قواعد سلوكية على هيئة طقوس وشعائر كوسيلة لتمكين الجماعة الإنسانية من العيش في جو من الإلتزام والنظام لا يخلو من التقارب والحميمية , فالطقوس تخلق مبادئ ضد ما قد يجعل الناس يحكمون بسهولة على سلوك الآخرين في بيئات اجتماعية مختلفة , فأي إنحراف عن المبدأ من السهولة تمييزه وكشفه, وبهذه الطريقة يمكن أن يتمّ الحفاظ على النظام.
- الإنسان بوعيه المفارق للطبيعة اصبح كيان إجتماعى لا يعرف العيش بدون المجموع لا يعرف العيش وحيداً فهو عدم التحقق والموت بعينه , كما أحس أن عدم وعيه بالوجود المادى يشكل عنصر إغتراب بالنسبة له ,لذا تكون الآلهة فكرة تحقيق العيش في المجموع بأن تخلق الأجواء التى تتيح للإنسان التواجد وسط مجموع يثبت وجوده , ولا يهم أن يكون المجموع مُترفق أو مُتصادم , فالبطبع سنفضل أن يكون مُترفق حانياً مهتماً , ولكن حتى الوجود المتصادم المتصارع سيجعل للوجود معنى فهناك قضية حياة تعطى للحياة معنى .

الإله يحقق الذكورية .
- الدين هو الأيدولوجية الوحيدة القادرة على تحقيق الحلم الذكوري الثلاثي الأبعاد, المال والسُلطة والنساء .. فحينما تتبع الخطوط الأولى البعيدة عن الرؤية للدين أو المعتقد أى تغوص فى أى مشهد لتدرك أعماقه ستجد الثالوث الذكورى حاضر .. الأديان القوية هى التى حققت هذا الثالوث وهناك أديان إعتنت بضلعين وهناك أديان أضلاعها واضحة من أول وهلة فلا تستغرب لماذا هي حاضرة بقوة بالرغم من بداوتها .
- أنا أمتلك بحبوحة وتميز رائع فقد منحنى الإله ميزات تفاضلية على الأنثى فى الأرض والسماء وحسم الصراع لصالحي , فأنا أرث ضعفها ولى الحرية فى أن أتزوج النساء وأطلقهن متى إستهلكتهم لأنتقل من حضن آنية جنسية إلى آنية أخرى لأستمتع بمذاق كل إمرأة .. فلماذا لا أؤمن بهذا الإله الذي منحنى السيادة و الهيمنة والبحبوحة والسطوة عليهن لأكون الملك المتوج .

الإله الذى يحقق لقاء الأحبة .
- فى السادسة من عمرى كان عندي كلب لم أتركه ولم يتركني لأتعلق به بشدة ولأخشى أن يفارقني , فعندما أدركت أن هناك موت وعالم آخر فى السماء بعد موتنا تمنيت أن يصاحبني كلبي في السماء ولكن والدى قال أن الجنه للإنسان فقط .. يمر عشرون سنه ويموت أخى لتتمنى أمى أن تلتقى بأخي فى السماء , ومن هنا أدركت مغزى تعلقي بالكلب لأتمناه فى السماء , فهكذا جاءت فكرة الاله الذى يجمع الأحبة بعد فراق .
- أن المحرك الأساسي للإيمان الديني ، هو الحاجة النفسية للعزاء والمواساة من حالات الخوف والتهديد باللجوء إلى قوى خارجية تقدم عزاء للنفس وتساعد الانسان على تحمل واقعه الأليم , ومن هنا جاءت الممارسات الدينية للإنسان .

المعيل النفسى .
- من وقع في حالات تهديد وفقدان السيطرة على الواقع سيلجأ لاشعوريا إلى معيل نفسي .. في بدايات الأديان كان المعيل النفسي هم الأجداد القدماء أب أو جد متوفي , فهم تحولوا إلى ظواهر روحية ممكن تساعد في إيجاد حل أو مساعدة ,ولايزال بعض الناس يلجئون حتى اليوم إلى أجدادهم أو أقاربهم المتوفيين ليستمدوا منهم العزاء , ثم تطور الموضوع ليخاطب الإنسان للكيان المجرد الإله، فهو يخاطب مباشرة كائنا وهمياً مجرداً يعيش داخله .
- الحقيقة ما هذا الإله إلا الأنا نفسها وقد انفصمت , فالإله يعيش في الداخل أكثر مما هو موجود فعليا في الخارج , ومن هذا الإتكاء النفسي تستمد الأديان شعلتها التي لا تنطفىء مادام هناك بشر في حالة حاجة وحالة فقدان سيطرة على الواقع كما هو حال معظم البشر في عالمنا اليوم .
- اساس الايمان الديني بإله هو وهمنا بالقدرة على إجراء حوار داخلي مع أنا أخرى متخيلة وتوقع ما يدور في فكر الشخص الآخر ,فمن هنا تمكن الإنسان من نحت إله نفسي داخلي يخاطبه ويستمد منه العزاء بينما الحقيقة هى أنا منفصمة عن صميم الذات.
- الحب الإلهي الصوفي والرهبنة ماهو إلا حب الذات في سعيها للتكامل .. آن للإنسان اليوم أن ينعتق من هذه الفصامية النفسية التي تسمى إله , ولكن ذلك لن يتم هذا إلا عندما يشعر الإنسان أنه مسيطر على واقعه واعياً بطبيعة الحياة والوجود في منظومة أمان نفسى اجتماعى .

الجبن والبرجماتية كطريق للإيمان فهكذا يؤمنون .
- لباسكال رؤية يراها منطقية محتواها يقول : إذا كنا نشك فى وجود إله ولا توجد أدلة قوية على وجوده فعلينا أن نؤمن بوجوده حتى لا نتعرض لخسائر كبيرة , فالإيمان به سيحول أن نتعرض لعقابه وإنتقامه حال وجوده أما رفض الإيمان به فسيعرضنا لخسائر فادحة فى حال وجوده أما فى عدم وجوده فلن نخسر شيئا .
- لا أعتقد أن باسكال تفرد بحيلته الباسكالية هذه لأتصور أن الفلاح والبدائى توصلا لفكرة أن عليه أن يتعامل مع فكرة الإله والإيمان بمنظور برجماتي بحت , فهو سيخسر إذا لفظ فكرة الإله وإتضح بعد مماته بوجود إله ولن يخسر شيئا إذا آمن ثم إكتشف بعد موته وهم الإله والحساب والعقاب , تلك الفكرة التى تربط بين الإنسان ووهمه التجريدي الذي اختلقه بنهج زائف وبراجماتي منافق وجبان وبرؤية المكسب والخسارة , فبئس فكرة تطلب منى أن أكرس حياتي كلها لخدمة الوهم حتي لا أتعرض لغضب الوهم أو حتي أمنح الفرصة الكاملة للروح , فلو كانت الروح حقيقة وضرورة وجودية أكانت تحتاج لفرصة .
- هناك ما منح مبدأ باسكال الحضور وهى الخوف الطبيعى من الخطر , فخوف الإنسان من الخطر وبحثه عن الحرص والحظر هو نهج طبيعي, فالإنسان البدائي عاش حياة قاسية , فعندما كان يسمع حركة الأعشاب فإما يعزيه لتأثير الرياح أو حركة حيوان مفترس لذا من المنطق أن يلجأ إلى الظن الثاني فتصوره أن حركة الأعشاب نتاج تأثير الرياح قد يكلفه حياته لذا فليتعامل مع الظن الثاني , وهذا نهج طبيعى فى التفكير ولكن إذا إمتلكنا المعرفة والذكاء والوقت والمراجعة فسنتفحص جيدا إذا كان حركة العشب من رياح أو حيوان مفترس لذا لا داعي أن يكون الخوف محرك تفكيرنا .
- إن البرجماتية أو المصلحة هي جوهر العلاقة التى أنشأها البشر مع قوى الطبيعة , فهم أرادوا آلهة تنفهم وتجود عليهم وتمتنع عن بطشها فى دنياهم ولم يتبادر فى أذهانهم فكرة الحياة بعالم أخر كون الهم الوجودي الأرضي كان حاضراً بكل قوة وقسوة لم يمنح الإنسان الأمان أن يفكر ويحلم بترف عالم أخروى , فالحياة على الأرض لم تكن لذة بل صراع وإشتباك لا تجد لها هدنة محددة , وعندما توفر بصيص من الأمان بظهور المجتمعات الرعوية والزراعية نظر إلى تجاوز الموت .
-نحن لن نعبد الآلهة إذا كنا على يقين بعدم وجود عالم آخر ولن نقدم لها شيئا , لتنكشف نفعيتنا ونفاقنا فعندما كان لدينا حلم البعث والخلود قدمنا نفاقنا ورشاوينا لفكرة الآلهة من أجل مراضاتها وإذا تبدد هذا الحلم فلا داعى لهذا الأمر فسننصرف لحياتنا ولن نبدد دقيقة فى العبادة .
-لو تبدد حلم عالم آخر من حياتنا فسينصرف البشر عن تبديد أى دقيقة من وقتهم فى صلوات وطقوس , ولكن قد نجد البعض يؤمنون بالله ويقدمون له الصلوات والعبادات ولكن يستحيل ان يخرج نهجهم عن منهجية النفعية البرجماتية , فالله هنا مطلوب للحياة التى نحياها على الأرض فهو الشافي والستار والمعتنى والرازق فلما لا نقدم له نفس الفعل النفاقي حتى نحظى بتوفيره أمان وراحة على الأرض .. بالطبع سنجد الكثيرون الذين ينصرفون عن التمني فى القدرات الآلهية أن تحقق لهم الأمان والإشباع والراحة على الارض لإدراكهم أن المرض له سبب مادى والرزق هو إقتصاد ألخ .. فالوجود مادي له ظروفه الموضوعية المادية وفى غير حاجة لإدخال أفكار فنتازية .

التركة والإرث .
- بدأت معركة المؤمنين فيما بينهم عندما أعلنوا وطالبوا بأحقيتهم وإحتكارهم للتركة السماوية , ولإن الورثة كثيرون والتركة عظيمة بدأت شرارة معركة الوصاية على عرش السماء , فكل فئة منهم تَدعي أنها المقصودة بالرحمة الربانية والرسالة السماوية والعناية الإلهية وأن الآخر كاذب ضال مُدلس مزور عدو لله ..لكل فئة منهم أفكار غزلوها من عصارة أساطير تاريخهم ومؤلفات أخبار أنبيائهم وروايات ماضي تراثهم..لكل فئة ٍمنهم مُنظريهم ومُفتيهم ومُجدديهم ..لكلٍ منهم حِججه وبراهينه ..لكل فئة منهم تابعين ومؤيدين ومريدين ومنتفعين..الكلَ يرى بنفسه الحق دون سواه ,وما عداه فهو على باطل..كل يرى منهجه فضيلة مقدسة تستحق البقاء وما عداه رذيلة مدنسه تستحق الفناء..إنه الصراع على وهم التركة والإرث الذى خلق التشبث والتعصب .

الأب الراعى الحامى .
- يخاف الإنسان أن يشعر بمسئوليته عن حياته أو أنه المتحكم بها وأنه بمفرده فالوحده قد تقتل أحياناً ولذلك بحث الإنسان عن ذلك الأب التخيلي ليلتصق به , فالإنسان يمكنه إستحضار أبيه التخيلي هذا في أي وقت وأي مكان في أوهامه و تخيلاته فيعطيه بعض الثقة والمدد النقسى والتماسك هذا لأن الإنسان يخاف , يخاف المسئولية والوحدة والإعتماد على قدراته الشخصية الخالصة..أتصور المسيحية تمنح الإنسان هذا الشعور الزائف بالإعتناء والمحبة ولذا تجد قبول بقصة الأب الراعي بالرغم أنها تحملها على كاهلها ميثولوجية وخرافات ثقيلة .

تبقى الآلهة بوجود الموت .
- لا يكون الإنسان القديم فقط هو الذى فتنه العالم الآخر وإستأثر على مساحة آماله لتقدم له التعزية والصبر لذا تبنى الإنسان المعاصر فكرة العالم الآخر فمازالت قسوة الموت متحققة ومازالت هناك تعزية مقدمة للإنسان الضعيف العاجز الجاهل فى مواجهة قسوة الحياة والوجود .. مازال العالم السحري يقدم جسر عبور لكل ألم فلتصبر فستعيش عالماً آخرا رائعاً بين أحضان الحوريات أو القديسين .

المخدرات مفيدة أيضا .
- يقولون أن العملية الإيمانية تمنح السعادة والسلام والراحة وهذا قول صحيح من ناحية أن المخدرات تمنح شعور رائع بالسعادة واللذة فلا يستطيع أحد أن ينكر ذلك , ولكن كما أن المخدرات ليست جيدة في تعاطيها فكذلك الفكر الإيماني ليس مفيداً للعقل والحياة ,لأننا سنحظى على حالة سكون وخمول فلا يوجد شئ يهدد العقل لتكون النتيجة حالة من التجمد والغيبوبة والشلل تقود لنهاية عقل .
- الإنسان لم يتطور ويرتقى إلا من قلق العقل , فالقلق يبعث الرغبة فى البحث عن حلول للراحة لتستمر هذه الجدلية مما يؤدى إلى إرتقاء , لذا نلاحظ أن الحضارة الإنسانية عندما كانت غير قلقة عند شيوع الفكر الإيمانى كان إنتاجها الإبداعي ضعيفاً وعندما تخلصت من الأفيون تجدد القلق في شرايينها لتنطلق كالصاروخ .

دمتم بخير.
"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته "أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع.