أوهام بشرية ومفاهيم مغلوطة وأقوال خاطئة


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5901 - 2018 / 6 / 12 - 21:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

نحو فهم الإنسان والحياة والوجود (81) .

يروق لى التأملات الفكرية الفلسفية عن تناول الأمور الدينية , فالفلسفة تتيح للمرء أن يخوص ويتأمل مغزى وعمق الحياة والوجود بينما تناول الأديان بالنقد تعيد المرء إلى الفكر البدائى والقصص القديمة المتهافتة والمربع الأول للسذاجة الإنسانية وأرى هذا لا يتناسب مع التطور الفكري الإنساني , فهل مازال علينا تناول الخرافات والسذاجة والتهافت في عالم تجاوز هذه السذاجة .
هذا المقال يتناول دفعة من الأوهام البشرية التى وصل بها الحال أن يكون لها حضور لغوى بالرغم أن الواقع الوجودي والموضوعي لا يسمح بهذا الهراء أن يتواجد , لذا نحن أمام تصحيح مفاهيم وفضح أخطاء فى إطار تبدبد أوهام البشر .
هذا المحتوى سبق أن قدمت بعضها فى مقالات عديدة سابقة لأتوسم هنا أن أجمعها فى مقال واحد بشكل مختصر .

* الخلق .
-من الخطأ القول بمقولة الخلق , فلا يوجد لهذه الكلمة أي وجود وحضور ودليل علمى , فكلمة الخلق تعنى الإيجاد من العدم , لكن يستحيل إيجاد شئ من لاشئ , فالعلم ينفى وجود الأشياء من العدم من قانون حفظ المادة والطاقة الشهير الذي يمكن معاينته وتجربته دوماً , فالمادة لا تُخلق من عدم ولا تُفنى إلى العدم , فكل تاريخ المادة هى عملية تحولات من صورة مادية إلى صورة مادية أخرى فى وجود مادى أزلي .
الخلق كمفهوم خاطئ يتم تسريبه من خلال مقولات أن الفنان والشاعر والعالم يخلق بينما واقع الحال أن هناك تعامل مع ماهو موجود لإعادة صياغته وهذا بعيد تماما عن تعريف الخلق .

* العدم .
-كلمة العدم مرادفة لأسطورة الخلق , ولكن لا يوجد شئ إسمه عدم فهو اللاشئ واللاشئ ليس بوجود ..الخلق من عدم هو مستحيل استحالة منطقية حتى بالنسبة للاله على الأقل , لأن وجود الله المُفترض ينفي وجود العدم إذ لا يمكن اجتماع الإله كوجود والعدم في ذات الوقت , أى الوجود واللاوجود , الشئ واللاشئ , وإذا انتفى وجود العدم إنتفت القدرة على الخلق منه .
لا يوجد شئ اسمه عدم , فالعدم فى اللغة نقيض الوجود والنقيضان لا يجتمعان معاً ولا يرتفعان معاً , فإذا صدق احدهما كذب الآخر لامحالة , فجملة بصياغة العدم هي جمع متناقضين لأن العدم نقيض الوجود , فكيف يكون موجوداً , ومن هنا فوجود فرضية الإله الخالق هو انتهاك للشرط الذي يقول أن الخلق من عدم .

* البدايات والنهايات .
من المفاهيم الشائعة القول بوجود بدايات ونهايات بينما الواقع الوجودي لا يعلن عن بداية ونهاية للأشياء , فما نتصوره بداية هو نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة , أى لا توجد بداية ليس قبلها بدايات فى وجود سرمدى أزلى لا يحمل بداية متفردة , فحتى الانفجار الكبير الذى نتصوره بداية لكوننا فهو لا يعنى عدم وجود حالة مادية وجودية تسبقه ولكن علومنا تجهل ما قبل الإنفجار .. الوجود أزلي لا يحمل أي بداية متفردة ولا توجد نهاية ليس بعدها بداية .

* لا يوجد وعي أزلي .
لابد من وجود أزلية ولكن الأزلية لا تعنى أزلية وعى مُدرك , فيستحيل أن يَدرك الوعي اللانهائية من الأحداث , فكلما أدرك حدثاً فرضاً فهناك أحداث لانهائية , بينما أزلية المادة مقبولة ليس من قانون حفظ وبقاء المادة فحسب بل لكون المادة غير واعية لا تدرك سرمدية الأحداث وهذا رد على مقولة أزلية الإله الخاطئة وأزلية المادة .

* التطابق .
- يستحيل تطابق مشهد وجودي مع مشهد وجودي آخر , قد تقترب الأمور من التشابه ولكن يستحيل التطابق الذي يعنى التماثل التام فى عدد وترتيب الجزيئات والذرات , فالطبيعة لا تنتج نسخ كربونية متطابقة فيكفى عامل الزمن فى إستحالة التطابق , فالدى ان ايه مثلا لا يطبع الجين طباعة كربونية تامة ومن هنا يأتى التباين بين الأجنه مثلا كذا الطفرات .
مفهوم التطابق مفهوم خاطئ ولا وجود له والتعاطى معه يُنتج فهم خاطئ للوجود لتظهر فرضيات خاطئة .

* الكليات .
-لا توجد كليات فى العالم , فالكليات تنفى وجود الضد وتلغى وجوده تماماً بينما الضد حاضر دوماً بل الضد هو الذى يمنح الشيئ و الصفة إمكانية الوجود والمعرفة والتحقق والتميز وإلا فلن نعرفها..عندما لا توجد أضداد فحينها ستوجد كليات فى العالم .

* السكون التام .
هناك مفهوم مغلوط عن السكون , فنتصور الاشياء ساكنة وكضد للحركة , والحقيقة لا يوجد شئ اسمه سكون كحالة بل حالة نسبية من الحركة ففكرة السكون المثالى أو التام أو المطلق وهم فكرى أنتج الكثير من الرؤى المغلوطة كالثوابت مثلا.. الحياة والوجود في حالة حركة دائمة وما السكون إلا حالة نسبية للحركة .

* المعنى .
- بالطبع يوجد معنى ومعاني ولكن هذا المعنى خاص بالانسان حصراً , فلا وجود لمعاني للأشياء فى ذاتها , فالوجود والأشياء بلا معانى الا ما يسقطه الانسان عليها من إنطباعات وأحاسيس .
- مشكلة الفكر الإنسانى أنه من أنتج المعاني ثم نسى أنه من أنتجها ليمنح الأشياء معاني مستقلة عنه لتكون ذات كينونة خاصة بينما المعاني نابعة من الإنسان حصراً .

* غاية الأشياء .
- لا توجد غاية للأشياء فى ذاتها فلا يصح القول أن غاية الاكسجين هو صدأ الحديد كذا غاية الرياح إسقاط الأمطار فهذا الكلام مهترئ عابث ,فالوعى الملموس والمدرك عن المادة أنها غير واعية بينما السلوك الهادف صفة الوعي الإنساني , وبالتالى لا يمكن أن تكون الطبيعة هادفة علاوة أن المادة ذات سلوك حتمي لا يحيد عن الخط الحتمي المعروف إلا تحت تأثير سبب خارجى مادى طبيعى أيضاً .
- يتردد القول أن الحامض يتحد بمركب قلوى من أجل تكوين الملح وهذا قول خاطئ فكأنما هناك إرادة للحامض لإنتاج الملح وصوابه يقول أنه في حالة تفاعل حامض مع قلوى فسينتج ملح , فالعلم يرصد حالة مادية لا يضيف إليها رأى ووجهة نظر أو شيئا من خارجها بينما يسقط الميتافزيقيون الغائية بالباراشوت وبتعسف بدون إثبات وبشكل مهترئ كونهم يريدون إرساء منهجية تفكير ساذجة مغتربة باحثة عن إسقاط الأنا لإثبات فعل غائية مجهولة .
- نستطيع تفسير سقوط الأجسام نحو الأرض , وتفسير كيف يشكل النهر مجراه وكيف ينحت موج البحر والرياح الجبال وكيف تتكون الزلازل والبراكين ألخ , دون أن نعتمد على تخطيط فكري غائى مُسبق وذلك بالإعتماد فقط على العناصر الموجودة والآليات الفيزيائية والكيميائية التي تؤثر وتتفاعل , أما فى حالة الجهل وتصاعد الأنا والنزعة النرجسية والإغتراب الفكري فستنطلق ميتافزيقا الغاية لتدلو بدلوها وتسرد لنا قصص طريفة ساذجة .
- إعتبار الظواهر الطبيعية واقعة تحت تأثير غائية يأخذنا الى فرض غير مقبول عقلياً أن الوظيفة سبقت الماهية , وأن التفاعلات الكيميائية العضوية هى تفاعلات تمت بقوى غائية , وهذا ما يرفضه العلم والعلماء , أما مشكلة التناقض فيما يبدو لنا من مظاهر الظواهر الحية الغائية وجوهرها غير الغائى فيمكن تبديدها بتجنب صياغة الظواهر البيولوجية صياغة غائية والاكتفاء بوضعها فى صيغة حتمية كمنهجية تفكير وبحث ومعاينة مثلما تعاملنا مع القوانين الفيزيائية .
- الغاية نظرة بشرية مستقبلية وقدرة على التنبؤ المستقبلى تأمل فى التحقق , فإستباق الحاضر لا يتم إلا عقلياً فكرياً , لذلك الغائية مرتبطة بالتفكير الواعى وحالة تخيلية إفتراضية لذا من الهراء القول بأن الطبيعة ذات غاية فهى لا تفكر ولا ترتب ولا تنظم وليس لديها آمال وخطط تبغي تحقيقها وتجاهد فى سبيلها بل تخضع لحتمية علاقاتها المادية , ومن هنا فمن العبث القول أن للطبيعة غرضاً وهدفاً بالمعنى الإنساني لهذه الكلمة , لأن كل من يقول بوجود هدف معين فهو يفكر في وجود نموذج سابق يستقى منه رؤيته ويطلب تحقيقه بينما تكوينات النموذج السابق واللاحق هو فكر عقلى بشرى فى النهاية بكل مراحله وفقا لظرفه الموضوعى .
- العلة الغائية حالة من الإغتراب الفكرى عن الوجود المادى يحركها البحث عن المنفعة , فالإغتراب الفكري نتاج عجز وفهم خاطئ للعلل والوجود لتنتج حالة إغترابية تؤدي إلى قطع العلاقات بين الأشياء حتى يعتاد الإنسان وضع العلة مكان النتيجة والفرضية مكان السبب .!
عندما يغترب الإنسان أي عندما يبحث عن العلل بدون أن ينجح في بحثه نتيجة إفتقاره للمعرفة مع تشبثه بمحاولة فهم الوجود بمنظور الأنا الذاتية سينتهي به الحال إلى تفسير الظواهر الطبيعية التي تخضع للحتمية بتفسيرها إنطباعياً غائياً حسب ما يشعر به ووفق ما يريد فهمه ليسقط هذا النهج الفكرى المقلوب على الظواهر الطبيعية , فيقول أن الأشياء تَواجدت وخُلقت لهذه الغاية والوظيفة فينزلق في التفسير الغائي بشكل لا شعوري ويصل به الحال إلى النرجسية متوهماً أن وجود الكائنات الحية جاءت من أجل سواد عيونه وليبلغ به الشطط والتخريف حداً ليتوهم أن غاية الكائنات والوجود المادى الجامد هو السجود والتمجيد والتسبيح للإله وبالطبع لن ننحدر فى بحثنا الذى يبغى تفنيد وهم الغائية بتناول هكذا صور خرافية وهلوسات .!

* وظيفة الاشياء .
- يسود مفهوم خاطئ أن الأشياء لها وظيفة تؤديها وقد يرجع هذا إلى أسلوب خاطئ فى التبسيط والشرح ولكن الأمور وصلت إلى تصور وإعتقاد بأن هناك عمل ووظيفة للأشياء رسختها الأساطير والفكر الميثولوجى لتنتج لنا خرافات على شاكلة ان الأشياء سُخرت للإنسان .
- القول بأن الحمض يتحد مع القلوى من أجل تكوين ملح قول خاطئ وغير منطقى , فكأن وظيفة الحمض أن يتحد مع القلوي لأجل إنتاج الملح فهذا قول غائى خاطئ فلا توجد نية وتخطيط للحمض أو القلوى لفعل شئ فالأمور لا تزيد عن توفر ظرف مادى بوجود حمض أمام قلوى بالصدفة كما ذكرنا , وهذا مفهومنا عن الصدفة أى اللاغائية .
- عندما يقال أن وظيفة الكلوروفيل فى النبات تصنيع النشا يكون هذا القول قولاً غائياً منح الكلورفيل فعلا إرادياً وظيفياً , بينما القول أن النشا يتكون حال وجود الكلوروفيل قول حتمى يرصد الحالة بدون إدخال فرضيات ليست فيه كقول أن الحامض يتحد بمركب قلوى من أجل تكوين ملح فكلمة (من أجل) هذه تفتح الباب أمام الغائية بينما الأمور بالنسبة للكلورفيل والملح غير مُوجهة بل تفاعلات طبيعية أنتجت مواد إستطعنا أن نميزها ونعطى لها معنى .
- القول أن وظيفة خلايا الدم البيضاء حماية الجسم من العدوى قول غائى خاطئ وكأن خلايا الدم البيضاء موجهة وذات فعل إرادى لأداء هذه الوظيفة بينما يقول العلم أن وجود خلايا الدم البيضاء في تركيز معين يقلل من فرصة غزو البكتريا للأنسجة وبدء العدوى , فهكذا تفاعلات تنتج منها حالة معينة كحال مثال الملح لنمنحها نحن المعنى ولنتهور بخلق وهم الوظيفة والغاية .
- من المفاهيم المغلوطة أيضاً الفصل الميتافزيقى للوجود المادى ليكون هناك فصل بين العمليات والقوانين البيولوجية والفيزيائية , ففكرة الوظيفة نشأت في سياق تفسير العمليات البيولوجية بدون الرجوع إلى القوانين الفيزيائية الأساسية , أي بدون رد البيولوجيا إلى الفيزياء كما نشأت أيضا في سياق فلسفة العقل الغائى الذى يهدف تجاوز المشكلات التي قابلت تفسير العقل الإنساني .
- الوظيفة والغاية فكر ومعنى إنسانى أسقطه على الحالة المادية أى هو تقييم ورؤية وإستنتاج إنسانى للحالة المادية تتوسم المنفعة والإستفادة وكحالة إستنتاجية خاصة فلا يوجد مشهد مادى يتحرك أو أنتج نفسه ليفى غاية ووظيفة محددة بل هو نتاج تفاعلات كيميائية بيولوجية وتأثيرات عوامل فيزيائية أنتجت حالة ما لنضع نحن لها تقييم ومعنى .

* القيمة .
من المفاهيم المغلوطة إننا نعتبر أن للأشياء قيمة فى ذاتها كمثال الذهب فنتصوره ذو قيمة فى ذاته بينما الإنسان هو من منح الأشياء القيمة , فلا توجد أى قيمة للشئ فى خصائصه الفيزيائية ليسقط الإنسان إحساسه وإنطباعه الخاص .

* المقدس والقداسة .
- المقدس من الأشياء التى منحها الإنسان للأشياء ونسى أنه من منحها التقدير والتعظيم لتنفصل عنه وتصير ذات معنى للقداسة فى حد ذاتها .. ومن هنا نفهم المقدس فهو قيمة ممنوحة من الإنسان للشيئ ولكن هذا الشيئ لا يحمل أى خواص فيزيائية تمنحه قيمة متفردة
- ما يُطلق عليها أشياء مقدسة لا يوجد بها تمايز فى كينونتها الفيزيائية كما لا تشكل قداسة لأصحاب قداسات مغايرة وهذا يثبت أن المعنى المقدس خاص بالإنسان وإنطباعاته .. لا يوجد شئ مقدس فى الحياة والوجود .

* المصمم .
- يعتبر دليل التصميم والنظام من أقوى الأدلة التى يتصورها المؤمنين والتى تبرهن على وجود إله , من خلال فهم يرى الكون والحياة تحتاج لمصمم شخصانى عاقل قام بتصميمها عن إرادة وغاية , لتقول هذه الرؤية إذا رأيت بيت فهناك من صممه ليبدو هكذا ,فهو لم يوجد بدون تصميم وغاية , لذا فالكون المنظم هناك من أوجده ولم يأتي بلا غاية .
هذه الرؤية التى يتبناها المؤمنون بفكرة الإله الصانع هى رؤية خاطئة للأسباب التالية :
- بداية هذا المنطق لا يجب أن يسرى على فكرة الإله , فالإله المُفترض ليس مادة حسب إيمانهم وعليه لا يسرى عليه المنطق المادى , كما أنه ليس كمثله شئ حسب تصوراتهم لذا فلا يسرى عليه المنطق المحكوم بالوجود المادى .
- يصورون الإله كفاعل عاقل أنتج وصمم الكون والحياة كحال المهندس , وهذا مفهوم خاطئ من أساسه , فالمُفترض أن الإله ليس عاقلاً , فالعقل يعنى التحدد بمفاهيم وأطر العقل والمعقول ليخضع الإله هكذا لمفاهيم العقل ومحدداته وترتيبه مما يقوض الحرية والمشيئة الإلهية المطلقة علاوة أنه ُيشخصن الإله بالإنسان محدود الحرية والقدرة .
- الإله أيضا لا يفكر , فالتفكير يعنى الإلتزام بمحددات الفكر ومتطلباته ونظامة وترتيبه ومنطقه بينما يُفترض فى الإله أنه غير خاضع لمتطلبات وترتيب ومنطق .
- الإله لا يمكن أن يكون مصمماً وخالقاً فى نفس الوقت , فهو إما خالقاً وإما مصمماً , فالمصمم يتعاطى مع ماهو موجود من مواد ليعيد ترتيبها وصياغتها وفق لرؤيته وفهمه . فالفكر المُخطط يلزم وجود المادة أولا فمنها يأتى التصميم والتخطيط , فيستحيل وجود فكر مُخطط بدون المادة , فالمهندس أو المخترع لا يُصمم ولا يَخترع شيئاً بدون وجود وحدات مادية موجودة ليقوم بتركيبها بطريقة خاصة , بينما الخلق هو الإيجاد بدون تعديل أو تطوير أو إعادة إنتاج وعليه لا يكون الإله مصمماً لو كان خالق ففكرة أنه مُصمم ستنفى صفة الخلق عنه .!
- هناك العشرات من الحجج المنطقية التى تنفى وجود الإله المصمم العاقل والتى تناولتها فى مقالى : وهم المصمم والمنظم – مقدمة .
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=567667

* الحقيقة .
- ماهى الحقيقة وماهى الأشياء التى توصف وتصنف بأنها حقيقة ؟ هل مانراه من مشاهد حياتية ووجودية يعترى بعضها الحقيقة ؟! هل ما نلمسه ونحسه وما نؤمن به هو حقيقة ؟ كيف عرفنا بوجود حقيقة فى عالمنا النسبى ؟ هل كان إدراكنا بالعقل أم بالتسليم الإيمانى أم بهما معاً ؟ هل هناك حقيقة لكي نبحث عنها ؟ هل هناك آلية أو منهج معروف نستطيع من خلاله أن نصل إلى الحقيقة إذا كانت موجودة ؟ كيف نعرف أننا عرفنا أو وصلنا إلى أعتاب حقيقة وليس إلى وهم ؟ بمعنى آخر كيف نُميز الحقيقة عن الوهم ؟ وماهو معنى قولنا إننا نبحث عن الحقيقة ؟.
- لن تجد إجابات على هذه التساؤلات لعدم وجود شئ اسمه حقيقة , فالحقيقة هى تقديراتنا للأمور ورؤية نسبية للأشياء محكومة بالزمن ونوعية وطبيعة وحجم معارفنا وزاوية رؤيتنا الخاصة , ومن هنا فالأمور نسبية تقديرية تغلفها حالة نفسية مزاجية بالرغبة فى تعظيم معرفة ومنظومات سلوكية وسلطوية محددة ليراد لها أن تخترق الزمن وتصير ثوابت بينما الأمور نسبية بشرية غارقة فى تقديراتها وزمانها وظنونها .
- أتصور أن الفكر الإنسانى الذى أنتج مقولة الحقيقة كان محكوماً بجهله فى فهم الطبيعة والحياة والوجود متمثلاً فى عدم وعيه بالحركة ليتصور أن الحركة مُستجدة حادثة على المشهد الوجودي بينما الطبيعة والحياة والوجود حركة دائمة فى كينونة المادة ذاتها لا تنفصم عنها , ومن هنا جاءت فكرة الثوابت التى من خلالها يستطيع الإنسان تقييم الحياة أو النظر لها من خارجها لينتج عن هذا ما نسميه حقائق .
- الواقع والمنطق والحياة والعلم ينسف قولنا الدائم بأن الحقيقة ثابتة , فلا ثوابت فى الحياة كونها ديناميكية متطورة وليست ذات صور متطابقة , فالماء لا يجرى فى ذات النهر مرتين , لذا الحقيقة نسبية .

* العدمية .
العدمية هى فلسفة وفكرة الحياة والوجود ولكننا لا نستطيع الحياة فى حالة عدمية فإخترعنا وأبدعنا المعنى والغاية والقيمة لتكون لحياتنا معنى .. كل البشر يعيشون حالة إحتيال وإلتفاف حول مفهوم العدمية ولهم كل الحق فى إحتيالهم حتى يعيشوا الحياة فالبديل هو الإنتحار .

* ختاما .. الإنسان هو مصدر كل الأفكار والمعانى والرؤى والإنطباعات ولكن من الخطأ تصور أن رؤيته هى منطق الوجود وأنه محور هذا الوجود ..فقليل من التواضع لن يضر بل سيفيد فى معرفة ماهية الحياة والوجود .

دمتم بخير .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته" – أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .