ثقافة تصحير العقول والوجدان..ثقافة الخراب والتخريب


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5626 - 2017 / 8 / 31 - 18:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

- لماذا نحن متخلفون (47) .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (88) .
- الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت ( 104) .

- يروج الدينيون أن هناك حالة روحية تعتريهم يفتقدها الغير مؤمنين ليحدثوك عن الصفاء الروحى والسلام الداخلى والسمو الأخلاقى .. فى الحقيقة لا أستاء من هذه المزاعم بل أأمل أن تكون هناك هذه الحالة الوجدانية والأخلاقيات الراقية وليس إدعاء مزيف يتم ترديده كتعويض الإنسان مقابل إنسحاقه للوهم , فبعض المعتقدات منحت بالفعل هذه الحالة الوجدانية والسمو الأخلاقى لمريديها ولنا فى البوذية مثالا بالرغم أنها ليست دين , أما الأديان التى تتشدق بأنها سمائية المنشأ والمحتكرة لفكرة الإله الواحد فيقيناً لم ترتقى بالحالة الوجدانية والروحية والأخلاقية لمعتنقيها كون أيدلوجيتها غير معتنية بهذا الأمر حيث الدين مشروع سياسى عسكرى جبهوى يقترب من هوية وإنتماء لا يستطيع أن يحلق فى سماء أحاسيس روحية متوهمة كونه لا يمتلك جناحين وبدون أى فضاء .

- أعتبر تحضر وتخلف الإنسان من الثقافة التى ينتهجها , ولا أعنى بالثقافة هنا حجم المعارف والعلوم التى يزحم بها رأسه , وإن كنا لا ننفي أهمية المعلومات ليبقى نوعية تلك المعارف ومدى تأثيرها وتشكيلها للعقل والوجدان هى القضية , فالثقافة فى جوهرها أنماط وطرق ونهج تفكير ورؤية وتعاطى مع الحياة , وليست سعة العقل لإستقبال وتخزين المعلومات أى أن الثقافة منهج فكر وطرق معالجات فكرية وسلوكية لمشاهد حياتية وفق ما يتوفر للإنسان من معارف متاحة .
الثقافة الدينية باعثة للتخلف والجمود الإنسانى والتصحر الوجدانى ولم تعد تجدى نفعاً مع الإنسان الحديث لتصيبه بالشلل والجمود والبلادة , وهذا يرجع فى الأساس لكونها ثقافة دوغمائية لا تسمح ولا تقبل بوجود ثقافات أخرى فهى ترتعد خوفاً من أن تضع مفرداتها على المحك لتطلب التحصن والتفرد بتعنت , لذا فهى لا تكتفى بتصلدها وتعنتها بل تمارس دور الإقصاء للآخر ولأى فكر مغاير ومن هنا يصبح الإنسان الدينى أسير أطروحاتها نابذاً أى فكر مغاير ليأتى الإنغلاق والتشرنق والتعصب والجمود والبلادة الفكرية .

- لا تكتفى الثقافة الدينية بفرض الإنغلاق والجمود الفكرى إنما تُمارس دور تخريبى للحالة الروحية والوجدانية والأخلاقية للإنسان بالرغم من زعمها أنها جاءت من أجل الإنسان , لذا يأتى هذا البحث معتنياً بفضح حالة التصحر الوجدانى والتبلد الفكرى والإنسانى لدى المؤمن ليقوده فى النهاية إلى حالة من السطحية والنمطية والعجز والتقولب لنحظى بحالة من التخلف والجمود والتصحر الوجدانى والإنحطاط الأخلاقى .

- الإنسان يتقدم ويرتقى ويتطور بعقله ويتخلف وينحدر ويتهاوى بعقله أيضا فلا يوجد شئ آخر يحكم إرتقاءه أو تدهوره غير العقل الكامن فى جمجته , لذا كلما توفرت وضعية للعقل أن يكون حراً قوياً جريئاً قادر على إقتحام الأفكار وإثارتها وإثرائها ونقدها وتحليلها بشجاعة وثقة كلما حظينا على إنسان قادر على الإبداع والتطور , بينما العقل الذى يظل خائفاً مرتجفاً من الخوض فيما يطرح عليه من أفكار ليستسلم لها فلا يقدم شيئاً سوى إجترار ما يعبأ به عقله فسنحظى بالتأكيد على عقلية متجمدة مشلولة بليدة تنتج التخلف بغزارة .

- العقلية الدينية لم تصل لحالة من الشلل والجمود والقولبة فقط بل تجاوزت هذه المرحلة لتتماهى فى تخلفها وتحلق في آفاقه لنجدها تجتر من حالتها الدونية وتنتج معرفة وأسئلة تنم عن عقلية مسطحة غبية بلا أى عمق ليصل حال تخلفها أنها أنتجت بالضرورة نفسية ضعيفة مهترئة مهزوزة تعيش الفوبيا وترضع من نهج العبودية والوصاية فلم تحظى على موعد فطامها بعد !

- يعتنى هذا البحث بالأسئلة التى تشغل فكر المؤمنين وما يدور فى ذهنهم , وكيف يفكرون , وبماذا يهتمون ويعتنون فمن خلال السؤال تستطيع أن تدرك آفاق فكر الإنسان وماهى مداراته .
لو بحثنا عن الأسئلة التى تشغل بال المسلمون من خلال شبكة الإنترنت سنجد زخم هائل من الأسئلة التى تطلب الفتوى من شيخ معمم , وصدقاً وجدت فى بعض المواقع سخرية وإستهزاء من الشيوخ والعلماء الذين يتطوعون للفتوى لما يقدمونه من رؤى وأراء تضرب كل عقل ومنطق وذوق بالنعال , ولكن ليس هذا ما يعنينا فى بحثنا فقضيتنا الإهتمام بالسائل نفسه وما آل إليه حاله ولن يشغلنا صب السخرية على المُجيب المتمثل فى الشيوخ وفتاويهم , فالقضية فى جوهرها ليست فتوى الشيخ بل المناخ الفكرى والثقافى الذى سمح له أن يحلق بهراءه , فلو لم يجد المعمم مناخ قابل وحاضن ومعتنى لما يقوله بل يطلب سؤاله فلن يُحلق ويغرد بهراءه وسيجلس بجوار الحاخام والقسيس فى صوامعهم بعدما نجح اليهود والمسيحيين فى حجزهما داخل المعابد .

- إذن بحثنا يعتنى بدراسة الحالة الذهنية والنفسية للمسلم المُلتزم وما آلت إليه من تدهور وتسطيح ليصل لحالة من العجز والشلل الفكرى ليعتنى بعقله بتوافه الأمور التى تنم عن عقلية مازالت فى حالة رضاعة فكرية تطلب المدد والوصاية لتنتج أسئلة طفولية بالضرورة .
بالطبع لابد أن نقترب بشكل أو آخر من حراس المعبد أى الشيوخ والعلماء الذين يصولون ويجولون فى عقلية المسلم مُشكلين نهجه وتوجهه بل نفسيته ليصبح الإنسان أسير حالة نفسية تضغط على عقله وتدفعه فى محيط إحتياجات هزيلة مشوشة ورؤية مسطحة تافهة .
قبل أن نبدأ فى طرح زخم الفتاوى التى يطلبها المسلمون من شيوخهم وقبل أن نحلل هذه الفتاوى ونفسر تأثيرها على الحالة الذهنية والنفسية للمتدين , تُجدر الإشارة لفكرة الكهنوت فليس الكهنوت حالة تمييزية تفضيلية للكاهن يقرها زى ونص مقدس كما فى المسيحية واليهودية فحسب لدرجة أن الكاهن يُمنح الحل والربط , ولكن يكون الكهنوت هو الحضور القوى للكاهن , لنجد أن الإسلام حافظ على الحالة الكهنوتية على مر العصور فيكون للفقيه والإمام والشيخ وجود حاضر وقوى ومهيمن فى الخطاب الدينى المؤثر على جموع المسلمين بشكل أكثر قوة من نظيره الكاهن المسيحى .

* زراعة التصحر والكراهية والغباء .. بئس وبؤس السائل والمجيب .
- فى مقال سابق أثرت مشهد يستنكر فيه الشيخ ابن عثيمين قول المسلم للكافر يا أخي حتى فى معرض دعوته للإسلام .
https://www.youtube.com/watch?v=oUONpL9DFcQ&spfreload=10
فدم الأخ عبد الحكيم عثمان رابط لشيخ من موقع إسلامى يتناول فيه هذه القضية العسيرة والمعضلة الحقيقية عن جواز القول للكافر يا أخى ؟ وبالرغم أن الشيخ يتحفظ على القول للكافر بيا أخى فلم يبيج هذا النداء فقد زاد الطين بلة بالتحذير من مواداة اليهود والنصارى وتهنئتهم فى أعبادهم .

- لست هنا بصدد إستنكار وتقبيح هذا الفكر والسلوك البدوى !! ولكنى أتناول هذا المشهد من زاوية أخرى وهى حالة الشلل الفكرى والوجدانى للشعوب الإسلامية ,ليصل بها الحال أن تتماهى فى السطحية والتفاهة والغباء لتنصرف عن بديهيات التعامل الإنسانى ,وتنتظر الإجابة من شيخ أن يفتيها عن علاقة إنسانية مع الآخر , ليقول المرء بئس وبؤس السائل والمجيب .!

فلنتناول بالتفصيل السائل والمجيب , فالسائل يسأل فى أمر إنسانى بديهى لا يحتاج للسؤال , فالأمر بسيط ولكنه لدى سائلنا معضلة ليتوجه للشيخ بالسؤال هل يجوز أن أقول للكافر يا أخى , والغريب أنه فى حال دعوته للإسلام , فلا أعرف ما هى المعضلة هنا ؟! فماذا يحدث لو قلت له يا أخى فى معرض حديثك معه ؟! فهل ستفقد إسلامك هكذا وتنزلق نحوالكفر؟! ولكنه التصحر الفكرى والوجدانى !!

- نأتى إلى شيخنا ابن عثيمين فقد رفض القول بياأخى للكافر , فالأخوة فى الإيمان فقط وهذا ليس غريب عن شيوخ الإسلام السلفية غلق كل الأبواب الإنسانية وإستدعاء الجلافة والبلادة لتعتنى بخلق الشرانق والتعصب الإسلامى , فلا تسأل لماذا يكره المسلم الآخر فهناك مزارع لتدجين التعصب والكراهية والنبذ .

- نأتى إلى رابط إسلام ويب وسؤال ما حكم أن نقول لغير المسلم " الأخ" بزعم أنها أخوة إنسانية أو وطنية وليس المقصود بها دينياً ؟
وما حكم تهنئة النصارى بأعيادهم على اعتبار أن المصلحة تقتضي ذلك بالقياس إلى اختيار أخف الضررين واختيار أفضل المصلحتين ؟
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=67185
فلننظر للسائل أولا لنجد هشاشة فكرية وتصحر وجدانى , فمعضلة السؤال الأول كما ذكرنا كسائل الفيديو فهو يرى إشكالية ومعضلة , فكأن القول الإنسانى بيا أخى سيخرجه من إسلامه ثم يأتى المجيب بحالة أكثر بؤسا بقوله (فإطلاق كلمة أخ على الكافر فيها تفصيل، فإن كان القائل يريد أخوة الدين فإن ذلك لا يجوز، وإن كان يريد أخوة النسب ولو النسب البعيد فلا بأس بذلك. ولكن ليحذر المسلم المستقيم العقيدة من كثرة إطلاق كملة أخ على الكفار والمشركين والملحدين لغير حاجة من تأليف لقلوبهم على الإسلام أو اتقاء لشرهم فإن كثرة إطلاق كلمة أخ عليهم قد تؤدي إلى ميل قلب المؤمن لهم ومودتهم وعدم بغضهم وإن مودة الكفار محرمة بل إنها تقدح في إيمان العبد. قال تعالى: ( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )المجادلة 22 .

-أنظر لقول الشيخ ( إن إطلاق كلمة أخ على الكفار والمشركين والملحدين لغير حاجة سيؤدى إلى ميل القلب لهم ومودتهم وعدم بغضهم , فمودة الكفار محرمة ). فهنا شيخنا ينهج فكر على أساس رؤيته التى يؤسسها على قول القرآن فى آية المجادلة , فالنص يرفض مودة الكافرين والملحدين بل يحث على تصدير البغض والكراهية لهم , وهنا نحن أمام نص غير إنسانى وغير حضارى فما المشكلة من إحترام ومودة الآخر الكافر , فهل سيخرج المسلم من الإسلام , فلا تستغرب إذا قلت لك أنه سيخرجه وفقا لقول محمد "الحب في الله والبغض في الله والولاء والبراء من أوثق عرى الإسلام " . وفي حديث آخر قال: "مَن أحب في الله وأبغض في الله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان" .!
من هنا نجد انه لا شئ من المودة فى التراث الإسلامى تجاه الآخر بل الكراهية والبغض مطلوبة وما يسلكه الكثير من المسلمين تجاه النصارى من مودة هو جهل بمكنون التراث وهكذا يكون الجهل مانح لحياة أكثر رحابة وسلام .!

-الشيخ يتعامل مع كائنات هلامية هشة فحسب قوله أن كثرة إطلاق كملة أخ على الكفار والمشركين والملحدين لغير حاجة من تأليف لقلوبهم على الإسلام أو اتقاء لشرهم فإن كثرة إطلاق كلمة أخ عليهم قد تؤدي إلى ميل قلب المؤمن لهم ومودتهم.!
شئ غريب وواهن وفى منتهى السخف والهشاشة , فالتعامل الطيب قد يؤدى إلى ميل قلب المؤمن لهم فهل هذا الميل سيخرج المسلم من إيمانه فيرتد عن إسلامه !, ليرى شيخنا هذا ولكنه يعتنى بأن مودة الكفار مُحرمة لنرجع ثانية إلى بشاعة النص الذى يجلب الكراهية والنبذ والتصحر الوجدانى والفكرى .

- فى الرد على سؤال مودة النصارى , فالسائل تصحر لدرجة أنه يرى أن هذا السؤال العويص يحتاج لفتوى ولم يفهم أن هذا شئ إنسانى بسيط وبديهى لن يخرجه من إيمانه وإسلامه ولكن الأكثر غرابة أنه ربط تهنئته بمصلحة يترجاها من مودة النصارى بتهنئتهم ليأتى رد الشيخ حازما بقوله : ( لا يجوز تهنئة النصارى وسائر المشركين بأعيادهم التي هي من خصائص دينهم فضلا عن مشاركتهم في الاحتفال بها، ولا نرى الضرورة التي ذكرها السائل التي تلجئ المسلم لتهنئة الكفار بأعيادهم الكفرية وإقرارهم عليها، ولتعلم أيها الأخ الكريم أن تهنئة الكفار ببعض أعيادهم تعد تكذيبا لصريح القرآن ومما يدل على ذلك أن القرآن جاء فيه أن عيسى عليه السلام لم يصلب بل رفعه الله إليه، وأما النصارى فكما هو معلوم فإنهم يعتقدون أنه صلب ودفن وبقي في قبره ثلاثة أيام ثم قام، ويوم قيامه من قبره يعظمونه ويحتفلون به ويسمونه عيد القيامة المجيد، فكيف يطيب لمسلم موحد أن يهنئهم على مثل ذلك الكفر).
الشيخ إستند إلى أن النص القرآنى يرفض أعيادهم كون النصارى يؤمنون بقيامة المسيح وهذا مخالف للإعتقاد القرآنى ولكن لنا أن نتوقف هنا فهل تهنئة عابرة تستحق كل هذا الإنزعاج والتحريم .. هل المسلم عندما يهنئ المسيحى بعيده يعنى أنه إعترف بقيامة المسيح ؟! وهل يعنى أنه إرتد عن الإسلام وإتبع إيمان النصارى ؟! .. ما المشكلة فى القول عيد سعيد والانصراف بعدها .. إنه فكر صحراوى إقصائى مُرتبك مُرتعش خائف يخشى أى إحتكاك بالآخر يُظهر ضعفه وهوانه أو هو نهج وفكر الكراهية المتأصل ليطلب التشرنق .

* حتى فى الموت الكراهية والغباء حاضرة منتعشة
- توفى البابا شنوده الثالث بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى 17-3-2011 عن عمر يناهز 89 عاما ليترك حزن وألم فى جماهير الشعب القبطى بل يمتد الأسى لينال شرائح من المسلمين فقد كان الرجل مثالا طيباً للمحبة والتسامح والحكمة داعياً دوما لوحدة الوطن وإعلاء قيمة مصر ككيان واحد جامع .
لا نستطيع ان نغفل تأثير الرجل فى الحياة الإجتماعية المصرية وخصوصاً فى حضوره القوى لدى الأقباط , فكان بمثابة رمانة الميزان التى حافظت على حالة من الإستقرار فى ظل وضعية كان التصاعد فيها وارداً ومدمراً .
تعجبنى مقولة البابا شنوده " مصر وطن يعيش فينا وليس وطن نعيش فيه " لتظهر هذه المقولة مدى الوطنية وعشق الوطن وهذا ليس غريبا على الكنيسة المصرية فهى تلقب بالقبطية ( القبطية تعنى المصرية وليست المسيحية كما هو متعارف ) قبل تحديد هويتها الإيمانية " الأرثوذكسية "..لنجد هذا الهم بالوطن فى فكر الرجل فلم ينزلق نحو التصعيد أمام تطرف الجماعات الإسلامية وإرتخاء الدولة أو تعمدها الإرتخاء بمعنى أدق , لتشهد مصر على مدار 40 عاما إعتداءات على الأقباط وكنائسهم وممتلكاتهم وحالة من الإضطهاد والنفور والإجحاف لحقوقهم ليهرب الرجل بطريقته بالهدوء والإعتكاف للصلاة كوسيلة لعدم الإستفزاز والتصعيد وهذا يُحسب له فقد انقذ مصر بالفعل من حرب طائفية لم تكن تُبقى على أخضر أو يابس .. كما ظهر موقفه الوطنى برفض زيارة القدس والتطبيع مع إسرائيل مفضلاً الإنحياز لمزاج الشارع المصرى عن الإنخراط مع أهواء النظام مما أدى إلى تصادمه مع السادات .

- لا ننفى أن للبابا شنوده ما يؤخذ عليه فله مواقف خاضعة للنظام والحزب الوطنى فلم يتصادم معه شأنه فى ذلك شأن القوى السياسية الأخرى , فقد توسم ان يكون النظام أميناً على الأقباط لا يتلاعب بهم على طاولة السياسة , ولكن هل كان النظام حريص على مسلمى مصر حتى يكون حريص عى اقباطه ؟!.. لم يفطن البابا أن النظام يتاجر بأزمته وبلعبة الفتنة الطائفية فهو من اطلق التيارات الإسلامية لتتحرك وتمارس دور الفزاعة .
يؤخذ على البابا شنوده أنه ساهم فى تشرنق المسيحيين داخل الكنيسة بحيث أصبحت الكنيسة هى الوطن والهوية والإنتماء والملاذ ولكن لا أرى أنه إختار هذا الدور بإرادته فبعد إهمال وإنسحاب الدولة بالقيام بدورها ككيان حاضن للجميع وتصاعد تطرف وتعصب التيارات الإسلامية بتسميمها الجسد المصرى بكراهية ونبذ الأقباط كان طبيعياً ان تكون الكنيسة هى الملاذ والحماية , وأعتقد أن حالة الشرنقة والإغتراب شملت مسلمى مصر أيضاً فبات الإنتماء للإسلام والمسجد هو انتماء وهوية متفردة بعد أن إقتصر دور الدولة على القيام بدور قمعى لا يقدم مشروع قومى يوحد ويجمع , بل يخدم مصالح طبقية ونخبوية محددة .

- الرجل مات بما له من مآثر لا ينكرها أحد وبما عليه من مآخذ ولكن يُحسب له أنه أحب مصر وقام بدور وطنى وقدم الكثير من اجلها ليحظى على محبة وتقدير الشعب القبطى والمسلم بل احترام وتقدير تخطى الحدود .. فلا يتبقى سوى تقديم واجب العزاء لمحبيه كشعور انسانى نبيل .
أقولها صريحة اننى تلمست الكثير من مشاعر التعزية قدمها المسلمون لأخوانهم من الأقباط مما يعطى دلالة على عمق الحضارة والإنسانية فى هذا الشعب بالرغم من موجات الوهابية السلفية الناعقة بالكراهية والنبذ والخراب .. ولكن هذا لا يعنى ان الشعب المصرى لم تتسمم شرائح فيه من موجات التطرف والتعصب الأسود , فعندما تنهال فتاوى السلفيين مثل حديث الشيخ وجدى غنيم وآخرين فمن المؤكد ان الجسد المصرى ناله التسمم من أشكال الكراهية والنبذ والفتنة .
https://www.youtube.com/watch?v=ube_xsOCKn8&pbjreload=10

-هذا الفيديو " هلاك شنوده رأس الكفر " للشيخ وجدى غنيم جاء فيه كم هائل من السب واللعن والسواد والتشفى فى موت البابا شنوده بما لا يمكن تبريره .. فالشيخ لم يتوانى فى إبداء كل الكراهية والتشفى لموت إنسان ليغلفه بلعنه له وإبتهاجه بموته .!!
هل لنا ان نتأفف ونشمئز لدرجة التقيؤ من سلوك وجدى غنيم الذى عهدناه دوما مصدراً للكراهية والفتنة والتطرف , وهل لنا أن نعتبر حديثه أقوال شاذة وعفنه من شيخ متطرف إفتقد اى درجة من الإنسانية و اللياقة واللباقة فهو لم يكتفى بالصمت والإهمال عن تقديم واجب العزاء لشركاءه فى الوطن بل إنهمر كالسيل فى كراهيته وسواده وقسوته ليعلن سخطه وفرحته بموت إنسان لم يعتبره مات بل نفق كالحيوانات !.. فهل لنا أن ننعته بأنه خارج عن دائرة الانسانية .

- لا يجب تخفيف هول ماقاله الشيخ بأنه لا يمثل الإسلام , ولا كون بعض المسلمين يرونه ظاهرة اسلامية فجة متطرفة ومتعصبة تسئ للإسلام .. ولا القول بأن حضور وجدى غنيم غير مؤثر فى مسلمى مصر فهو قول مناف للحقيقة . فالقضية ليس وجدى غنيم كشخص مؤثر له مريديه ولكن القضية أنه يمثل جزء من تيار سلفى له وجود فى المجتمع اتسعت دائرته للدرجة أن يحظى على 20% من اصوات الشعب المصرى فى الإنتخابات البرلمانية فى حكم مرسى , لنجد صورة ممتدة للشيخ وجدى غنيم فى البرلمان ممثلة فى رفض الأعضاء السلفيون الوقوف دقيقة حداداً على البابا شنوده فى سلوك لا يمكن وصفه سوى بالجلافة , فالوقوف حدادا لن تُقيم الميت ولن تدخله الجنه الموهومة فى صحبتهم بل هو شئ من البروتكول والذوق والإنسانية واللياقة البسيطة , وإذا كان هذا يعبر عن شئ فهم إمتداد لوجدى غنيم أو هو إمتداد لهم ... للأسف هذا التيار اصبح له وجود مُؤثر ومُخرب ومُسمم للعلاقات بين المسلمين والأقباط .

- لا يجب أن نتصور بأن وجدى غنيم ظاهرة متفردة فى تعصبها ممثلاً لحالة خاصة من التطرف يمكن للمسلمون أن يلفظوها .. ففى البحث عن الفتاوى التى تناولت هذا الشأن سنجد إجماع حول رفض تعزية النصارى بل اعتبار تعزيتهم عمل قبيح ومُستهجن !! فنجد الشيخ سليمان بن ناصر العلوان فى رده على سؤال : هل يجوز للمسلم أن يحضر جنازة الصديق غير المسلم إذا كانت في كنيسة كإحترام أو تقدير للميت ومواساة لأهله ؟.
فكان رده : لا يجوز للمسلم أن يشيع جنازة الكافر ، ولا أن يدخل كنائسهم ، سواء على وجه الاحترام أو على وجه التقدير ونحو ذلك ؛ لأن التشييع فيه نوع محبة واحترام وتقدير ، وهذا لا يجوز بذله للكافر على الصحيح . !
ثم يستطرد قائلاً إن السائل يقول : ( يحضر جنازة الصديق غير المسلم ) ، فلا يجوز للمسلم أن يتخذ الكافر صديقا !؛ لأن الله أمرنا بمعاداتهم وهجرهم والبعد عنهم ، وهذا لا يعني عدم وجود التعامل معهم أو البيع أو الشراء أو الشركات معهم ( لاحظ المصلحة والبرجماتية ) فهذا شيء واتخاذهم أصدقاء شيء آخر ، قال تعالى : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) المجادلة / 22 ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام ، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) رواه الإمام مسلم في صحيحه ( 2167) من حديث أبي هريرة

- الشيخ ناصر العمر سبق الشيخ وجدى غنيم فى رفض تعزية النصارى ولكن فتواه كانت خاصة بوفاة بابا الفاتيكان حينها لتتطابق المواقف .ففى اسئلة وجهت له عن
هل هذا البابا كافر ؟ هل يجوزالدعاء له بالرحمة؟ هل يجوز لعنه والدعاء عليه؟ هل الترحم عليه والحزن لأجله من الموالاة الناقضة للإسلام أم لا؟
يجيب الشيخ ناصر : إن مما ابتليت به الأمة في عصورها المتأخرة كثرة الجهل وضعف العلم، مع كثرة قرائها وكتابها، ومن أثر ذلك ضعف معالم الولاء والبراء، والجهل بالبدهيات من أمور العقيدة، والرقة بالدين، ومداهنة أعداء الله.! .. وبعض ما ذكره السائلون يندرج في هذا الباب مثل السؤال هل البابا كافر ، فإذا لم يكن البابا كافراً فمن الكافر، وهل عن مثل ذلك يسأل لولا ما ذكرت، وقريب منه الدعاء له بالرحمة، والله المستعان.
وأشك في صحة النقل بأن أحد المشايخ يوجب الترحم عليه، ولا يقول بذلك من له أدنى علم بالشرع فضلاً عن أن يكون من المشايخ، ولكن لعل السائل نقل له ذلك أو التبس عليه ما قال، فإن ثبت ذلك فلا نقول: إلا حسبنا الله ونعم الوكيل، قال سبحانه: {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً} [المائدة /41]، وخلاصة الأمر:
1 - البابا كافر، لا شك في كفره، ووصيته وشهادة قومه تؤكد أنه مات على ذلك، وما شهدنا إلا بما علمنا.
2 - لا يجوز الترحم عليه، وهذا من الدعاء المنهي عنه، قال سبحانه: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أنْ يسْتغْفروا للْمشْركين ولوْ كانوا أولي قرْبى منْ بعْد ما تبيّن لهمْ أنّهمْ أصْحاب الْجحيم} [التوبة:113]، وقال سبحانه: {ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} [التوبة:84]، والبابا مشرك؛ لأنه يعتقد أن عيسى ابن الله تعالى الله عما يقولون، ويقول بعقيدة التثليث، وهذا من بدهيات عقيدة النصارى.
3 - أما لعنه، فالصحيح أنه يجوز لعن من مات كافراً !!، أما إعلان اللعن والدعاء عليه فتراعى فيه قاعدة المصالح والمفاسد كما قرر أهل العلم.
4 - أما التعزية، ففيها تفصيل:إن كان المراد تعزية أهله وقرابته لا أهل ملته، فقد كرهه بعض السلف، لكن الراجح جواز ذلك؛ لأن من السلف من عزى أهل الذمة في أمواتهم، ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه الرائع: (أحكام أهل الذمة) ج1/ص438 "فصلٌ في تعزيتهم".

- أسئة أطرحها لنبحث لها عن إجابة :
هل التعزية تستحق السؤال من السائل فهذا أمر فطرى بديهى إنسانى لن يخرج صاحبه من الإسلام بل سيؤكد إنسانيته؟!
هل سلوك مسلمى مصر الذى مارسوه فى تعزية الأقباط برحيل زعيمهم الروحى هو من الإسلام أم لا ؟!
هل إحترام وتقدير مسلمى مصر للبابا شنوده وإشادتهم بحكمتة ومحبته ووطنيته هو من الإسلام أم لا ؟!
هل فتاوى الشيوخ ومنهم الشيخ وجدى غنيم هو من الإسلام أم لا ؟!
هل المودة التى يبديها المسلمين للأقباط هى من الإسلام أم لا ؟! وأيهما نفضل إسلام المصريين أم إسلام السلفيين واهل الفقه والعلم .؟!
هل الإنسان يتجاوز الأديان ؟! وهل الواقع البائس يمكن ان ينزلق بالإنسان إلى التشدد والتطرف واللاإنسانية عندما تضيع بوصلته .؟!
هل الدين ينتهك إنسانيتنا أم لا .؟!
-قبل هذه الأسئلة لا يسع المرء سوى أن يقول بئس وبؤس السائل والمُجيب , فالأمور من الفطرةالإنسانية التى تحث على التعاطف والمواساة لأصحاب الميت , ولكن ماذا تقول عن عقول تصحرت ونفوس بشعة تشربت ثقافة الكراهية .!

*ثقافة الكراهية المتجذرة التى تلغى أى منطق وإنسانية .!
- يقول مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء ردا على سؤال عن حكم وجواز الإقامة فى بلاد الكفار للتعلم والدراسة والعمل : بأن الإقامة في بلد يظهر فيها الشرك والكفر، ودين النصارى وغيرهم من الكفرة لا تجوز، سواء كانت الإقامة بينهم للعمل أو للتجارة أو للدراسة ، أو غير ذلك لقول الله تعالى ( إِنَّ الذِينَ تَوَفاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوا غَفُورًا ) سورة النساء 97 . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم :( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر
المشركين ) رواه الترمذي في السير برقم 1530؛ وأبو داود في الجهاد برقم 2274 .

-يستطرد المفتى قائلا : هذه الإقامة لا تصدر عن قلب عرف حقيقة الإسلام والإيمان ، وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين ، ورضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً. فإن الرضا بذلك يتضمن من محبة الله ، وإيثار مرضاته ، والغيرة لدينه ، والانحياز إلى أوليائه ما يوجب البراءة التامة والتباعد كل التباعد عن الكفرة وبلادهم ، بل نفس الإيمان المطلق في الكتاب والسنة لا يجتمع مع هذه المنكرات، وصح عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله بايعني واشترط ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين وتفارق المشركين ) رواه النسائي في البيعة برقم 4106 , وأحمد في مسند الكوفيين برقم 18436 . وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث السابق وهو قوله عليه الصلاة والسلام : (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين )، وقال عليه الصلاة والسلام : (لا يقبل الله عز وجل من مشرك عملا بعدما أسلم؛ أو يفارق المشركين ) رواه النسائي في الزكاة برقم 2521، وابن ماجه في الحدود برقم 2527 والمعنى حتى يفارق المشركين , وقد صرح أهل العلم بالنهي عن ذلك ، والتحذير منه، ووجوب الهجرة مع القدرة ، اللهم إلا رجل عنده علم وبصيرة ، فيذهب إلى هناك للدعوة إلى الله ، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وشرح محاسن الإسلام لهم، وقد دلت آية سورة براءة: ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤكُم وَأَبنَاؤُكُم وَإِخوَانُكُم وَأَزوَاجكُمْ وَعَشِيرَتكُمْ وأَموَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وَتِجَارَة تَخشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) سورة التوبة الآية 24 - على أن قصد أحد الأغراض الدنيوية ليس بعذر شرعي، بل فاعله فاسق متوعد بعدم الهداية إذا كانت هذه الأمور أو بعضها أحب إليه من الله ورسوله ومن الجهاد في سبيل الله ، وأي خير يبقى مع مشاهدة الشرك وغيره من المنكرات والسكوت عليها، بل وفعلها، كما حصل ذلك من بعض من ذكرت من المنتسبين للإسلام . وإن زعم المقيم من المسلمين بينهم أن له أغراضاً من الأغراض الدنيوية، كالدراسة، أو التجارة، أو التكسب، فذلك لا يزيده إلا مقتاً. وقد جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى الوعيد الشديد والتهديد الأكيد على مجرد ترك الهجرة ، كما في آيات سورة النساء المتقدم ذكرها، وهي قوله تعالى ( إِنّ الَّذِينَ تَوَفاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِم ) سورة النساء الآية 97. فكيف بمن يسافر إلى بلاد الكفرة، ويرضى الإقامة في بلادهم، وكما سبق أن ذكرت أن العلماء رحمهم الله تعالى حرموا الإقامة والقدوم إلى بلاد يعجز فيها المسلم عن إظهار دينه، والمقيم للدراسة أو للتجارة أو للتكسب، والمستوطن حكمهم وما يقال فيهم حكم المستوطن لا فرق، إذا كانوا لا يستطيعون إظهار دينهم ، وهم يقدرون علىالهجرة .

- وأما دعوى بغضهم وكراهتهم مع الإقامة في ديارهم فذلك لا يكفي ، وإنما حرم السفر والإقامة فيها لوجوه منها :
-أن إظهار الدين على الوجه الذي تبرأ به الذمة متعذر وغير حاصل .
- نصوص العلماء رحمهم الله تعالى ، وظاهر كلامهم وصريح إشاراتهم أن من لم يعرف دينه بأدلته وبراهينه، ويستطيع المدافعة عنه، ويدفع شبه الكافرين ، لا يباح له السفر إليهم.
- من شروط السفر إلى بلادهم أمن الفتنة بقهرهم وسلطانهم وشبهاتهم وزخرفتهم، وأمن التشبه بهم والتأثر بفعلهم .
- أن سد الذرائع وقطع الوسائل الموصلة إلى الشرك من أكبر أصول الدين وقواعده، ولا شك أنما ذكرته في رسالتك مما يصدر عن الشباب المسلمين الذين استوطنوا هذه البلاد هو من ثمرات بقائهم في بلاد الكفر، والواجب عليهم الثبات على دينهم والعمل به، وإظهاره، واتباع أوامره، والبعد عن نواهيه، والدعوة إليه ، حتى يستطيعوا الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام . والله المسئول أن يصلح أحوالكم جميعاً، وأن يمنحكم الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعينكم على الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، وأن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين لكل ما يحبه ويرضاه، وأن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من مضلات الفتن ومن نزعات الشيطان، وأن يعيننا جميعاً على كل خير، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يصلح ولاة أمور المسلمين ويمنحهم الفقه في دينه، وأن يوفقهم لتحكيم شريعة الله في بلادهم، والتحاكم إليها، والرضا بها، والحذر مما يخالفها، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .- إنتهى قوله.

- قول مفتى عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء لا يأتى من عقلية تملأها الكراهية والحقد والغدر فحسب فهو إتكأ على القرآن وعلى حديث أبو داود والترمذي والنسائي: عن جرير أن النبي بعث سارية إلى خثعم، فاعتصم ناس بالسجود فأسرع فيهم القتل ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بنصف العقل ، وقال ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال: لا ترايا ناراهما) .
(انا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين ) و ( لا يقبل الله من مشرك عملا بعد ما أسلم حتى يفارق المشركين ) و( ومن عاشر قوماً اربعين يوما صار مثلهم ) بماذا نسمى هذا الفكر الأسود الذى يحمل بين ضلوعه حقد وكراهية ورفض للآخر حتى لو كان يعيش بين ربوعه يحظى على عمل وتجارة ورزق ودراسة علاوة على حرية وكرامة وإحترام لكرامته وإنسانيته لم ينالها فى بلاد الإسلام , فألسنا أمام ثقافة حاقدة كارهة لن تسلم من غدرها .!
هل من هنا يمكن تفسير نزعات العزلة والتطرف والإرهاب التى نالت المسلمين بالمجتمعات الأوربية فى الجيل الثانى والثالث للجاليات المسلمة , فبالرغم أنهم ولدوا فى هذه المجتمعات التى وفرت لهم الحرية والكرامة ورغد العيش إلا أن الثقافة النابذة الحاقدة الكارهة أتت أكولها ومحت من داخلهم أى نزعة حضارية إنسانية لتخلق قطيعة ونفور وكراهية مع مجتمعاتهم ليجد التآمر والإرهاب سبيله فى بلاد إحتضنتهم .!

- ما يدعو للتقيئ قول المفتى:( وأما دعوى بغضهم وكراهتهم مع الإقامة في ديارهم فذلك لا يكفي ) فكأن بغض المسلمين للغرب وكراهيته أمر مفروغ منه ليس محل جدال ولك أن تتوقف أمام هذا المشهد عندما نجد كراهية مواطنين لمجتمع يحتضنهم ويرعاهم ويمنحهم المواطنه الكاملة والحقوق ورغد العيش ليقابلوه بالنفور والكراهية والنبذ ستقود إلى ما نشهده من إرهاب وهمجية .

- يقول المنطق طالما أن نهجك وفكرك يؤمن بأن من عاشر قوماً أربعين يوما صار مثلهم فلماذا لا تترك هؤلاء المشركين وترحل إلى بلدك المؤمن .. لماذا تحرص وتتشبث بالتواجد بالغرب الكافر سوى إنك إنسان إنتهازى معندكش دم .

- من الخطأ أن نعمم هذا الفكر والنهج على كل المسلمين فى الغرب فبلا شك هناك مسلمون مسالمون لم يتلوثوا بهذا الفكر الأسود بل إنخرطوا فى مجتمعاتهم الجديدة يحملون فى داخلهم الفخر والإعنزاز بالتجنس بجنسياتها والإنتساب لها ليعملوا فى ربوعها بكل إعتزاز ولكن لا يوجد شئ مضمون , فصحيح أن الجيل الأول من المهاجرين المسلمين سعوا سعياً حثيثاً للهجرة إلى الغرب والتمتع بالحرية والكرامة والرفاهية فلم يكن حينها هؤلاء الأصوليون الإسلاميون السلفيون قد غزوا الغرب وإعتلوا المنابر بثقافتهم الدينية ونعرتهم العنصرية المتطرفة ليبثوا السموم والكراهية فى العقل والفكر ويتم غسل أدمغة أبناء وأحفاد المسلمين الأوائل وشحنهم بالكراهية والحقد والنذالة تجاه المجتمعات التى إحتضنتهم لنرى إرهاب على أراضيها بأيدى المسلمين .!

- أعتنى بإدانة الثقافة التى تؤسس للغدر والإرهاب قبل إدانة المسلمين .. لذا فلا سماح ولا مسامحة لحضور التراث الإسلامى بكل بداوته , فهذه المسامحة أو قل الميوعة فى التصدى هى التى جلبت الإرهاب ليصبح أى مسلم قنبلة موقوتة فى أوربا فأنت لا تضمن إستمرار مُسلم على إعتداله طالما تم السماح لهذا الفكر والتراث الحاقد الكاره النابذ الغادر أن يتواجد ويُسمم , ولن يستطيع الغرب أن يراقب كل المسلمين لذا فلتكن المراقبة والحظر لمن يبثون الفكر المُخرب ويروجون له ويُسممون به عقول المسلمين.

- أقول دوماً لابد من مراجعة التراث وفرزه ونبذ النصوص الداعية للكراهية والعنف والعنصرية ولكن أتصور أن قولى هذا خاطئ ومتميع , فالمرحلة التى يمر بها العالم الآن لا تسمح بهذا الرفق فلابد من حظر كل التراث والنصوص التى تؤسس للعنصرية والكراهية والإرهاب ومعاقبة كل من يُروج لها وإقصاءه بل تتبعه , وهذا شئ ليس غريب وإستثنائى فهناك حظر للفكر النازى والعنصرى , أما الذين يريدون الحفاظ على هذا التراث فليذهبوا لجزيرة العرب منبت هذا الفكر لينعموا هناك .

- لا أعتنى بالطبع بقضية شيوع الفكر الإسلامى المُخرب بأوربا فقط ولكن هذا مثال عن خطورة تواجد التراث الإسلامى العنيف فى المجتمعات وكان العون فى مجتماعاتنا التى ترزح تحت وطأة فكر الإقصائى المدمر منذ 14 قرن لنتملس حضوره الآن فى الخراب والدمار الذى حل بسوريا وليبيا واليمن والعراق والحبل على الجرار , فلو لم يتم إقصاء وحذر الفكر الدينى السلفى الذى ينقل كل حمولة التراث الدينى فلا تسأل فى المستقبل لماذا تخلفت وإنقرضت هذه الشعوب .؟!

- لقد وصلت الأمور إلى منحى شديد الخطورة لنحظى على سائل تبلد وتجرد من كل حس ووعى وإنسانية ليعتريه البلادة والهشاشة والخواء ليسأل فيما هو بديهى ومُسلم به وذو فطرة وإنسانية , ولنحظى على مُجيب يحيى تراث وإرث البداوة غافلاً تطور المجتمعات الإنسانية , مفضلأ أن تبقى ثقافة الكراهية والعداء فهى السبيل الوحيد لبقاء الإرث القديم وعدم الإنصراف عنه .

- لن نعرف إنسانية وتحضر ورقىّ إلا بتوقف قوى وجرئ أمام الموروث والثقافة الدينية والإنتباه لكل القيم والمفاهيم التى يتم تصديرها .

دمتم بخير وعذرا على الإطالة ولكن هذه قطرات من كم هائل من ثقافة الكراهية والخواء والتصحر .
"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .