ملحمة بدء الخليقة وميراث التكوين..... رؤيا أخرى ح5


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 7893 - 2024 / 2 / 20 - 02:37
المحور: الادب والفن     

"3"
لمَ انت تطيل شقائك يا گلگامش ؟
وتنهك قواك بالسهر
و تملأ نفسك بالحزن
انت بذلك تقرب أيامك البعيدة فقط
لا احد يرَ وجه الموت.....
ولا احد يسمع صوت الموت
لكن الموت قاسٍ وصارم
لا يرحم احد.....
فقط الواحد الأحد يملك أسرار البقاء ومفاتيح الخلود
لأنه لم يكن قبله شيء
فقد أحتفظ بكل شيء لأنه قال أنا أوجدت الشيء من اللا شيء
فأي حلم يداعب مقلتيك أيها الفتى
لكن لا تبأس
ربما تحصل على هيه
أو تفوز يوما برضاه
فيعطيك شربة ماء لا تظمأ بعدها أبدا...
أو
تسكن التراب حتى يصير كل شيء
شيء واحد ونعود للا شيء
فتصبح أنت والواحد أحد....
(("من يبني بيوتا تدوم إلى الأبد؟
من يقطع عهدا يدوم إلى الأبد
الناس يرثون....
يقتسمون....
فأي ارث يدوم إلى الأبد
البغضاء، حتى البغضاء، أتبقى إلى الأبد؟".....)).
ولن يبقى أبد لأن ما تحرك في أول المكان
لن يقف في محطة
ولو كان الأبد
فكل أبد مرهون بالشيء أن يبقى على النظام
محكوم بالدوام والبعد....
" قال جلجامش له اوتنابشتم
ها أنذا جئت له لاوتنابشتم
الذي يلقبونه بالبعيد
طفت جميع البراري والقفار
اجتزت الجبال الشاهقة
عبرت جميع البحار
لم ينعم وجهي بالنوم الهنيء
قتلت الدب والضبع والأسد والنمر
والأيل والوعل وجميع حيوان البر
أكلت لحومها، اكتسيت بجلدها، وها أنا "
أسال عن الخلود
لا اسأل عن الأبد
قال البعيد
سيد الماء
الناجي من غضب الواحد المعروف بالحكيم المعتمد
أسمع صوتها...
ما لك غيرها
فأبد البشر
بين فخذبها ورحمها وحلمة ثدي تدر لبنا وعسل الخلود
إنها تنتظرك
يا ولد
إنها تنشد أشعار النساء
تعزف ألحان الشبق
إليها أيها القوي
وأجعل ثيرانك تناطح أبقارها في مرعى الوجود
ولا تطن كالواحد الأحد
((هبني ثمارك هدية
كن زوجا لي وأنا زوجا لك
سأمر لك بعربة من ألازورد، وذهب
عجلاتها من ذهب وقرونها من كهرمان
تشد إليها عفاريت العاصفة بغلا عظيمة
وملفوفا بشذى الأرز بيتا
قبلت المنصة قدميك والعتبة
وانحنى لك الملوك والحكام والأمراء
يضعون غلة السهل والجبل أمامك، تقدمة
ستحمل عنزاتك توائم ثلاثة....
ونعاجك مثنى.....
سيبز حمارك أثقال البغال.....
وخيولك تطبق الآفاق شهرة جريها...
أما ثيرانك فلن يكون لها تحت النير نظير"))...
إنها تنشد الثيران القوية
تنشد منك الرغبة العتية
فأمنحا فرصة المثول
وأسعد قلبك بالرضا منها والقبول
فلن تكون أبدا إلا ما تكون
بين يديها ثورا عنيد
لا ترهقه الأيام
ولا يعجزه الصعود
أركب عربتك الإلهية يا إنسان
وأكتفي منها بالخلود...
كفر مرة أخرى بالساقية
ما هي إلا قطرة ماء فيه الروح
فيها العود فيها كل شيء
أنت منه وإليه تعود...
((أنت كباب البيت الخارجي لا يصد ريحا
لا يمنع عاصفة
كقصر عظيم أنت....
كقصر يتحطم فيه الأبطال
كفيل عظيم يرمي عنه حليه
كالقطران أنت يلوث يد حامله
كقربة ماء أنت تبلل من يحملها
كحذاء تزل به قدم منتعله"....))...
لماذا تشتم أم الآلهة
هل نسيت "مامي" و "تيامات"....
من أنت لولا صندوقي العجيب
فيه عبرت من اللا شيء فصرت شيء
أنت مغرور أيها المهزوم
فلا تجعلها حربا
فلم يعد مردوخ قادرا على فعل ما كان
ولا يعد بعد الآن أن تكون
سوى ثورا في غابة الأحلام
بين بوابة الحلم تبدا
وتمر من بوابة الألم
لتبعث من جديد من صندوقي العجيب
هذا الذي جئت منه
ستعود قسما
ستعود كما ولدت ستموت
وتدفن في الصندوق....
(("أي من عشاقك الكثر أخلصت له الحب
أي راع قدر أن يرضيك
أصغي إلي أقص عليك خبر عشاقك
لن تستطيعي أن تنكري الخبر
هذا تموز......
الشاب الوسيم زوجك الأمين
أمرت النادبات والنائحات
أن يندبنه.
وينحن عليه سنة بعد سنة
وقعت في حب الطائر الشقران...
الطائر
المرقش ذي الريش الجميل
فماذا حدث له؟؟؟؟؟
كسرت جناحه.
هام في البساتين
يئن صارخا يا لجناحي يا لجناحي
ثم ماذا؟
أحببت الأسد حفرت له سبع حفر
أحببت الحصان
لكنك أخضعته للسوط والمهماز
حكمت عليه بالجري ساعات وساعات
قضيت أن ينضح بالعرق
عشقت راعي القطيع الراعي
الذي جمع أكياس الفحم
ليشوي لك الجداء فماذا صنعت به
مسخته ذئبا تطارده كلاب القطيع
أحببت فلاح النخيل عند أبيك "ايشولانو"
فماذا صنعت به؟
تنظرين إليه بشهوة.... تقولين
تعال مد يدك إلى خصري، ضمني، متعني
بقوتك العجيبة يا ايشولانو
يجيب المسكين
أمي خبزت وأكل من خبزها
لماذا أكل خبز الشر والعهر"....))....
كل هذا العار
وأرتمى بين أحضانها
إنه يحاكم نفسه
يدين نصغه
مثل الذي يحارب ضله
نام جلجامش
على سير المتعة
ونسى أنكيدو وطمر ذكره
اليوم لم يعد مثل الأمس
فقد يئست من أرجع كـــ واحدا مثله
وما من مثلة
تعالي سيدة الأقمار
تعالي بجسدك المفعم بالألآم
ارمي علي لباس شهوتك
ولتتحد قوة القدر
ورقة الإحساس
لنصنع من لحظتنا تأريخ
وليكن شعارنا على المدى
لتسقط الريح وليسقط الندى...
ومن يومها ما عاد جلجامش سيد الأسى...
((لحنٌ من ناي قَصب
قلبي يُريد أن يعزفْ,
أنا، سيّدة -آنّا، التي قَصَمتْ الجبال...
أنا، أمّ الإله
جناح إله السماء
قلبي يُريد أن يعزفْ لحنٌ من ناي قَصب
في البرّية حيث يُقيم الفتى
فوق رَبوةْ الراعي
قلبي مأسورٌ الى حيث يُقيم الفتى
حيث أستسلمت النعجة للحَمْلْ!
غادرةٌ أنت.
تحيطين بذلك المكان
حيث قال لي الفتى
“عسى أن تنضمّ إليَّ أُمي”
قلبي يُريد أن يعزفْ لحنٌ من ناي قَصب
رُبّما هو لن يتحرّك نحوي
لن يمدَّ يداه
لن يُزحزِحْ قدماه.
أقتربت من البرّية....
الأم التي أنجبت....
تنتظرها في البريّة!
وَصَلتْ....
ستكون قادرة على رؤية ثورها البرّي القتيل،
ستكون قادرة على رؤية وجهه!
أقتربت السيدة من البرّية...
لتنظر عن كثب الى الأبن
لم تحرًك قدماً
،”إنه أنت!” قالت له
قالت له، “لقد تغيرت!”
ضربةٌ ساحقةٌ، قشعريرةٌ
تنتظرها في البرّية)).......
فقد سمع نصيحة الناصح...
يا جلجامش عد إلى وطنك ودع الموسيقى تصدح في الأرجاء
اترك الحزن هنا
وأمض وحيدا بلا عناء
((" عد إلى موطنك أيها الملك
وتقبل المحتوم بطيب خاطر
تذكر هبات الآلهة التي أمطرتها عليك
وكن شكورا من كل ذلك
وفكر أن تتمتع نهارك وليلك
عش في قصرك المنيف
وخض حروبك الكبرى
وكل واشرب بفرح
اتخذ زوجة
ونم بسلام على كتفها
إنها تجد المسرة في أحضانك
ونظر إلى الصغير على يدك
هكذا ستقضي كل أيامك
وتقبل طير الموت"....))...
أكتب إذا أخر الوصايا....
وأنتظر طائر الموت
لا تقل قدر
لا تقبل أن تكون الضحية
أصعد بروحك للسماء
وخاطب الشمس
أو كلم القمر
كلانا شيء
وكلانا كنا في لحظة التكوين أثر
أجابت الشمس وردد القمر
أعطاك الواحد قدرة التوريث
وجعلنا ندور في وحدة موحشة وقال لنا
هذا الحال ما دمت موجدا
سيستمر
وأستمر
فلا ينبغي أن تنافس الحرمان الذي نحن فيه
وتطلب البقاء واللقاء والأثر
لا يمكن أن تمسك السماء وأنت تسكن الأرض
وتشارك القدر
لا يمكن أن تكون أكثر من هذا
وأرجع لتدرس قانون الوجود
هل يساوي الواحد ما عداه ولو كثر...
عد إلى أرضك وأزرع فيها نسلك
وليكن أمرك
في سعيك
فليس لك من السعي من دواء
لا في الأرض ولا في السماء
إنها معجزة الواحد
أن يكون أحد
لا شريك له ولا يطلب أحد
صمد مذ كان واحدا أحد
صمد في كل شيء صمد
عد أزرع في أرضك نخلا وقمح
وأبني من حجارة الصخر بيتا وأهجر القصب
لا ينبغي أن يكون كل شيء كما هو
أو تخشى أن تسجن في صرحك
فالريح تبقى تلاحقك والمطر
والشمس تحرق جلدك كل يوم
فلا تنسى أن تلوذ منها في كل ضل
تحت الشجر
أو تحت خشب وحجارة وجدر
عد أسقي أرضك بماء الحياة
ولتنعم حيواناتك الرقيقة
الصديقة
بحنانك ... بقربك....
دعها تعرف أن البشر
شريكها في الوجود
وأن كلاكما في سفر
اليوم أو غدا
أو غدا وبعد اليوم تحزم الحقائب
لتعود ترابا
ويتكرر المصير
جيل بعد جيل
هذا ما يسمى عمر
بلغة القدر
عد وتمتع وأكتب كل شيء في ألواح ودسر
لا تنسى أن تقص على أولادك الرحلة
من ألفها للياء
فقل لهم
هذا تاريخنا نحن البشر
نحن أبناء السبعة
بقينا تسعة
وعشنا لا نعرف كم
لا حدا ولا قدر
فأنت تعيش وكأنك لن تموت
وعندما تموت كأنك لم تعيش يوما ولم يكن
عيشك إلا سفر......