ملحمة بدء الخليقة وميراث التكوين..... رؤيا أخرى ح1


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 7888 - 2024 / 2 / 15 - 20:14
المحور: الادب والفن     

"1"
في البدء كان البدء ولا شيء
قبل القبل حين لم يكن هناك قبل ولا بعد
كان البدء يشرع في البدء
"عندما في الأعالي لم يكن هناك سماء، وفي الأسفل لم يكن هناك أرض"
في البدء
كان اللا شيء هو الشيء الوحيد
في البعيد
لا زمان
ينتظر ولا مكان يتحرك
فقط اللا شيء كان يدور
بين العدم والوجود
الزمن قياسه صفر مطلق
المكان ولد من صفر مطلق
الشيء المطلق مختبئ بين كينونة البدء وقوة الصفر المطلق
كان الوجود صفر مطلق.... بلا وجود
لأنه الصفر كان هو الموجود وحده في البدء
برفقة اللا شيء
الصفر تزاوج نسبي
بين الوجود والعدم
وأتحاد جوهري بين الشيء واللا شيء
حيث كان لا مكان للصفر
ولم يمر منه أو به زمن
فقط هناك زمن صفر ومكان صغر وكان لا شيء
إذا من أين أتي الصفر
بالتأكيد من اللا شيء
ومن أين أتى اللا شيء
بالتأكيد لم يأت من جهة ....
لأنه لا شيء قبله حتى يأت منه
إنه مجرد لا شيء
يختزن كل شيء بشيء
ليس كمثله شيء
*****
تحرك الذي ليس بشيء
في جوهر اللا شيء
من غير أي شيء
ولا لأجل شيء
لكن قانون اللا شيء يقتضي أن يكون شيء
ربما منها ولدت فكرة الأشياء
منها ولدت فكرة العدم
فأنفلق المرتوق
بقدرة جوهر الشيء الذي في اللا شيء
فصار الوجود أثنين
الشيء وضده
صار هنا مكان وجاء منه زمان
وعاد اللا شيء
عالم محكوم بالذي صار شيء وليس كمثله شيء
وجود وعدم
زمان ومكان
أبيض وأسود
وتقدم كل شيء للأمام
بعد أن ترك اللحظة ليولد في لحظتها
عنصر التاريخ
ماضي ذهب
وحاضر الآن حاضر
وبأنتظار أن يولد المستقبل
"لم يكن سوى ثلاث آلهة هم "أبسو"، وزوجته "تيامات" و "ممو" وزير "أبسو"
ولد من الماضي من نسل الأب "أبسو" كل شيء
لكن في رحم الحاضر "تيامات" ولدت الحياة
و "ممو" يتفرج
لأنه من خارج الشيء
ومن دائرة اللا شيء
بقى الوزير ينتظر الإشارة
وخلق الذكر والأنثى
كما ولد الحاضر من الماضي
خلق كل نفس من نفسها
ومن يومها صار الشيء أثنين
وبقى اللا شيء لا شيء
لا شفع ولا وتر
ومن يومها عرف الوجود معنى الوجود
وعرف الشيء
كيف يتحكم بالموجود
بذات القانون الذي حرك الجوهر العتيد
وأولد القوة.....
*****
في البدء كانت الآلهة "نمو" ولا أحد معها.
وهي المياه الأولى التي انبثق عنها كل شي.
أنجبت الآلهة "نمو" ولدا وبنتا.
الأول "آن" إله السماء المذكر والثانية "كي" إله الأرض المؤنث
وكانا ملتصقين مع بعضهما وغير منفصلين عن أمهما "نمو"
ثم قام "آن" بالزواج من "كي" فأنجبا بكرهما "أنليل"
إله الهواء الذي كان بينهما في مساحة ضيقة لا تسمح له بالحركة.
"إنليل" الإله الشاب النشيط لم يطق ذلك السجن
فقام بقوته الخارقة بفصل أبيه "آن" عن أمه "كي".
فرفع الأول فصار "سماء".
وبسط الثانية فصارت أرضا.
ومضى يرتع بينهما.
ولكن "إنليل" كان يعيش في ظلام دامس.
فأنجب "إنليل" ابنه "نانا" إله القمر ليبدد الظلام وينير الأرض.
"نانا" إله القمر أنجب بعد ذلك "أوتو" أو إله الشمس.
وبعد أن ابعدت السماء عن الأرض.
وصدر ضوء القمر الخافت وضوء الشمس الدافئ.
قام "إنليل" مع بقية الآلهة بخلق مظاهر الحياة الأخرى.
*****
الماضي يذهب بأتجاه
والحاضر يسير بطيئا ليبتعد
والشيء يحاول أن يفهم لماذا الفراق؟
وحيث كان لا مكان
ولا إمكان لتحديد الزمان
سوى المسافة بين "أبسو" وبين "تيامات"
بين لحظتيهما تتكون الأشياء
وحين يتزاوج الضدان
صار "إينوما إيليش" قانون الوجود
أزعج ذلك "أبسو" الذي فقد الأمان
فقد السكون الذي كان
قرر أن ينتقم من الزمان
ليبقى وحيدا وليعود اللا شيء كما كان
*****
مستحيل أن تعود الأشياء للزمان وتفرط في قوة المكان
قالت "تيامات" من خرج من رحمي فلم يعد يسعه العودة
ورحمي ليس مقبرة
قالت له بحزم
(لماذا ندمر من وهبناهم نحن الحياة؟)....
اللا شيء لم يقف على الحياد
وأنظم إلى قافلة الرافضين لتطور الحياة
لأن كل شيء يستلب منه بقانون
دون أن يمنع أو يمتنع
(نعم يا والدي دمرهم لتستريح نهارك وترقد ليلك)....
أما الأشياء التي خرجت من مكان "تيامات" من رحمها النابض بالحياة
ترى الصراع يدور
مذعورة...
لا تريد العودة للمجهول
فنصفها صار ماضي أكيد
ونصفها يسير يحث في المسير
وكلاهما يكره الظلام
وكلاهما يسير في أنتظام
فأما نحن وأما البرد والعتمة والسكينة في رحم اللا شي
أو الأنتقام.....