العربانية ووهم المعرفة الخاصة


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 6628 - 2020 / 7 / 26 - 20:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

من أهم إشكاليات العقل والفكر العربي بالذات ليس الانتماء للبداوة كنمط أجتماعي واقتصادي منتشر في بقاع كثيرة من العالم وقد تحولت الكثير من المجتمعات تبعا لقانون العمل الأقتصادي من نمطية إلى نمطية ومن خلال الوعي بالزمن , الإشكالية ليست في هذا الجانب إنما في عدم قدرة المجتمع العربي عموما من أن يتجاوز أنتماء عقله للعربانية الفكرية أي أن يتحول الإنسان من إعرابي إلى كائن إيجابي يفهم أن الزمن قيمة مطلقة ومؤثرة وقائدة وعليه أن يتماهى مع الزمن روحا وليس ظاهرة فقط .
عليه أن يتخلص من عربانيته التي يؤمن بها على أنه مركز الكون وأن الله ما خلق شيء إلا لأجله وأجل ناقته وأن قيمه هي الحقيقية وأن ثقافته هي الأصل لذا لم يجد الله أفضل منه ومن ثقافته حتى يرسل أخر الرسالات , على الإعرابي أن يعي أن العرب شيء والأعراب شيء أخر أما أن يختار الزمن والتطور والتجديد الجوهري بمـأخذ المعطيات أو أن يجلس في خيمته ينتظر أن ينزل الله له ويقول أن الأعراب ليس أشد كفرا ونفاق بل وأشد جهلا وتخلفا وسذاجة من كل الخلق .
العربان يأخذون النص الفكري والمنتج المعرفي كما هو دون أن يتمعنوا أن الولادات الفكرية لا تأتي من فراغ ولا من عبث ممن أرسلها أنها منظومة مرتبطة برؤية كونية من أول الوعي التأريخي وانتهاء بالقدر الخلقي ,وأنها أيضا مرتبطة بسلسة من العلل والأسباب والمؤديات وأن هناك معطيات لا بد أن ترتبط بالنص وهناك غايات العامل الذي يجمع هذه الحقائق كلها هو الزمن الذي يمر ويحمل معه التغيير والتحديث وعلى الفكر أولا أن يتغير في كل لحظة من خلال القاعدة التي ينطلق منها العقل والوعي بالعقل قبل الوعي بالزمن , على الإعرابي أن يعي في كل مرة أنه ضمن سلسلة طويلة ومتعددة ومتشعبة من الارتباطات ومنتظمة وفق إيقاع كلي متى ما تخلف عنه لفظته خارجا .
هو لا يعي أن النص الفكر والمعرفي أو أي منتج أخر ى ينتمي له بل ينتمي لرؤية كلية أنتجته بمعزل عن مراعاة حال محدد , الكليات لا تلحظ الجزئيات إلا من خلال تتبع الأخيرة للأولى ,أي أن المنتج المعرفي لم يأت اختراع مسخر له بل استجابة لواقع محكوم بالحاجات والضرورة والمماهات مع حركة الوجود كله التي نختصرها بالحركة بالزمن بالمستقبل , هم يأخذون كأعراب النص المعرفي حكم منعزل عن الواقع وعن الوقائع ويتم حشوه بالدماغ دون تدبر ولذا فان كثيرا من النصوص القرآنية ذمت هذا الوضع كما جاء بمثل الكلب أن تحمل عليه يلهث أو أن تتركه يلهث أو الحمار يحمل أسفارا ولا يعلم أنه يحمل خلاصة الحكمة وجوهر المعرفة لأنه قد أمن بعقله عقل حمار لا تعنيه المعرفة ولكن يعنيه الحمل أكثر في اشارة إلى حمل ما لا تعرف ما فيه .
الأعراب اليوم في ظل عالم مادي مدعوم بقوة مادية مؤثرة وفي ظل حرب مستمرة وجودا وعدما يريدوا فقط أن يعيدوا حكاية قصة حدثت منذ الف وخمسمائة سنه بكل تفاصيلها فقط المتغير الوحيد فيها أن يستبدلوا الخيمة ببرج خليفة والسيف والرمح بالقاذفة والصاروخ ,زعماء الأعراب اليوم هم نفسهم أمس بل أكثر غباء لأن الأولين كانوا خاضعين لحكم عالم محكوم بالتخلف ونقص المعرفة وسكون طبيعي بيئي وواقعي , أما زعماء الأعراب اليوم كل شيء بمتناول اليد ويمكنهم أن يفحصوا عقولهم ومؤدياتهم الإيمانية بكل بساطة وبمنتهى الدقة والشفافية وهم يعلمون أنهم مجرد عالة على التاريخ وعلى الحاضر وأنهم مرض المستقبل ومتأكدون من ذلك ومع هذا وذاك يصرون أن يجتمعوا في سقيفة الأعراب هناك عند ضواحي مكة المتربة وفوق الرمال بعنوان مخادع هو الأصالة والتجذر .