حامد الضبياني
الحوار المتمدن-العدد: 8414 - 2025 / 7 / 25 - 13:36
المحور:
قضايا ثقافية
يسألون: كيف تعيش؟ من أين تكتب؟
وأنا أجيب لا بالكلام، بل بما أكتبه كل فجرٍ، من بين أنقاض الذاكرة، ومن ضلوعٍ أثقلها الحنين.
يسألون كأنما الحرف يُكتب بترفٍ، أو أن المعاني تهبط على المترفِين!أقول: أعيش كما تعيش الأرواح الحرّة، التي لا تسكن بيتًا بل تسكن فكرة.
أكتب لأن الكتابة هي مأواي، لأنها الوسادة والخبز والغطاء، ولأنني حين تهت عن الوطن، لم يضلّني الحرف.أنا حامد الضبياني… لم أكتب تحت وصاية، ولم أُجالس نافذًا كي أُرضي قلبه الجشع.
أكتب لأنني حين أضعتُ كل شيء، بقيت لي الكلمات تسندني كما تسند العصا شيخًا عجوزًا في طريقه الطويل.كتبوا عني: "الضبياني النازح"، "الكاتب المشرد"، "المنفي بلا سبب"...لكن أحدًا لم يقل إنني كنت الشاهد الوحيد على خيانة التاريخ، وإنني قاومت الاحتلال بكل ما استطعت، لا بالبندقية، بل بالحرف.طُردت من بيتي، وسُرقت مدينتي، وضاعت عائلتي، ولم يتبقَّ لي سوى دفترٍ وقلم، ومخدة تحرسني السماء.
رفضت كل عروضهم...لم أقبض من نائبٍ باع ضميره، ولم أكتب مديحًا لمن اغتصب العراق وأغراه بالجراح.رأيت زملائي يتهافتون على الغنيمة، وأنا أركض خلف الكلمة النقية، لا يشغلني رزقٌ ولا مكافأة.كنت أُحرج من السؤال، وأصمت حين يخذلني الخبز، لكنني كنت أرتقي في داخلي كلما نزفت صفحة بيضاء من قلبي.
أسست مجلات، ورأست مؤسسات، وقدت مهرجانات قارّية، وكرّمتني جامعات وأكاديميات عريقة لا وهمية، ورفعت اسمي أعمدة الأدب والإعلام، حتى اختير اسمي ضمن أبرز عشرين صحفيًا في قارة آسيا.ومع ذلك، لم أمتلك بيتًا، ولم أستقر على وسادة. كنت أعيش في المقالات، في سطور الشعر، في أخبار البلاد الجريحة التي لا يقرؤها أحد.لم أنجب ولدًا، لكنّ كل قارئٍ صادق هو ابني، وكل من حمل الحرف بقلبٍ شريف هو أخي.وحين يسألني الغريب في المنافي: من أنت؟..أقول: أنا من تركوه هناك، على رصيف الوطن، لا لشيء… فقط لأنه أحب العراق بصدقٍ لم يتحمله الخائنون.
أنا من حمل وطنه على ظهره، لا على جواز سفر.
أنا من لم يسأل أحدًا عن رزقه، بل جعل الله شاهده والكتاب صاحبه.أنا من كتب فبكى، ومن جاع فقرأ، ومن تعب فنام بين دفتي رواية.
هكذا أعيش يا من تسأل.وحين تموت الأضواء الزائفة، وتذوب وجوه المهرجين، سيبقى حرفي شاهدًا أنني مررت هنا، دون أن أركع، دون أن أُباع، دون أن أخون.
أنا حامد الضبياني…
وهذا بعض ما كنته.
أما الباقي، فستكتبه الأيام بحبرٍ لا يُمحى.
#حامد_الضبياني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟