أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - خرابٌ بني على الوهم: سردية الفوضى ومأساة الدولة الموءودة














المزيد.....

خرابٌ بني على الوهم: سردية الفوضى ومأساة الدولة الموءودة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8400 - 2025 / 7 / 11 - 16:19
المحور: قضايا ثقافية
    


منذ أن أُسقط تمثال صدّام في ساحة الفردوس، لم يسقط معه نظامٌ فحسب، بل سقطت دولةٌ بكاملها في فخاخٍ حُبكت بليلٍ طويلٍ من التآمر والصمت والتواطؤ. لم يكن دخول الأمريكي مجرد عملية تحرير، كما سوّق لها الخطاب الغربي المعلّب، بل كان أول الخيط في نسيج فوضى طويلة ومظلمة، غُزلت خيوطها بين دهاليز المخابرات وحدود الطوائف وحدائق السفارات، وكانت كل الدول، بغير استثناء، لاعبًا في هذه الحلبة التي امتدّ ترابها من جبال زاغروس حتى مضائق باب المندب.فمنذ اللحظة الأولى، كان العراق ساحة اختبار للمشروع الأمريكي في "بناء الدول الحديثة"، لكن ما لم تدركه واشنطن، أو ربما أدركته وتغافلت عنه، هو أنّ الأرض التي دُمّرت بنيتها التحتية والسياسية والاجتماعية لعقود، لا يمكن أن تُبنى بخرائط الجنرالات ولا بخطط البنتاغون ولا بصناديق الديمقراطية المنقولة في صناديق الذخيرة. كانت الدولة الأمريكية تقرأ العراق كما تقرأ كتابًا في علوم الإدارة، لكنها نسيت أن العراق ليس شركة ناشئة، بل أمة بألف وجه ووجه، بتاريخٍ يعقوبيٍّ متشظٍّ، وأوجاعٍ تترسّبت كالملح في الروح، وحساسياتٍ تمتد من العصر العباسي حتى آخر خطاب طائفيٍّ يُبثّ من على منبرٍ مخروم.وها هنا تسلّلت إيران من تحت أنقاض "بغداد الجديدة"، لا كجارةٍ، بل كوصيّة على بلدٍ يتنفس من رئتها الجغرافية ويتعكّز على عكّاز طائفيّتها. لم تأتِ إيران فقط لتأخذ بثأرها من حرب الثمانين، بل جاءت لتستكمل معركتها الأزلية مع العرب، فوجدت في التربة العراقية أرضًا خصبة تُروى بالمظلومية وتُخصّب بالولاء. كانت المهدوية في قاموسها مشروعًا سياسياً يتغذّى على الغيب، مشروعًا لتطويع العقول لا للخلاص، ولزرع السلاح لا للعدل. فغسلت أدمغة مئات الآلاف، وربطت مصيرهم بخيطٍ من دخان الظهور الموعود، وزجّت بهم في متاهة لا نهاية لها من الحروب، ليست ضد عدوّ خارجي، بل ضد دولتهم، ضد إخوتهم، ضد أنفسهم.وحين أرادت واشنطن أن تعيد ضبط عقارب المشروع، اصطدمت بجدار من نار: مقاومة سُنّية وطنية عطّلت المدّ الأمريكي، وأربكت تموضعه، وشكّلت سيفًا ذا حدّين في خاصرته. لم تغفر لهم واشنطن ذلك، فتواطأت مع من كانت تدّعي محاربته، وأدخلت البلاد في نفق داعش، التنظيم الذي لم يكن سوى رأس حربة لعملية اختراق ممنهجة شاركت فيها العمائم السوداء من طهران، والمُخبرون السابقون، والمُقاولون الجدد للحرب.
فُتح الباب لجهنم، وأُبيدت مدن بأكملها، ومُسحت ذاكرة العمران في الموصل والرمادي وتكريت، لا لشيء، سوى لأنّ فكرة الدولة الوطنية لا تنسجم مع مشاريع المحاصصة، ولأنّ العراق الجديد الذي أرادوه لا يمكن أن يُبنى ما دامت في البلاد أصوات تنادي بالسيادة وتُجاهر بأنّ الوطن ليس طائفة، ولا عقيدة، بل هو التاريخ كلّه والحلم كلّه.
ثمّ جاء قانون جستا، ذاك السيف الأمريكي الذي سلّطوه على رقاب الجميع، فبات من حقّ الضحية أن تشتكي، ومن حقّ العدالة أن تحاكم، ولكن من المشتكي؟ من الضحية؟ ومن القاتل الحقيقي؟ تحوّلت أوراق الإرهاب من ملفّ استخباريٍّ إلى ملفّ سياسيٍّ تحاك على أساسه التحالفات، وتُوزّع به صكوك الغفران، ويُكافَأ به الحلفاء ويُعاقَب به الخارجون عن طاعة وليّ الأمر الجديد في الشرق الأوسط.هكذا توقفت العمليات، لا لأنّ الدم العراقي غالٍ، بل لأنّ الفاتورة قد سُدّدت، ولأنّ فصائل الموت التي غُذّيت بالسلاح والمال أصبحت عبئًا على المشهد، فحان وقت قطع الخيوط. عوقبت فصائل إيران، ليس لأنها إرهابية، بل لأنها خرجت عن النص، أو لأنّ وقت استخدامها انتهى.وفي خضمّ هذا الخراب، بقيت الدولة العراقية، لا تنهض ولا تموت، تقف على شفير الهاوية، لا تمسك بزمامها، ولا تفكّ قيدها. دولة مشلولة، بلا قرار، بلا مشروع، بلا هيبة، ينهشها الطامعون من الخارج، ويحكمها السماسرة من الداخل، وتُدار كما تُدار شركات المفلسين؛ ملفاتها تُحسم في الخارج، وقراراتها تُؤخذ في العواصم لا في البرلمان.هكذا كانت محاولة بناء الدولة بعد 2003، ليست بناءً حقيقيًا، بل إعادة تدويرٍ لأنقاضِ ما تهدّم، على أمل أن يصير الركام مؤسسات، والمليشيات أجهزة، والولاءات مشاريع وطن. لكنها كانت أحلامًا في قلبِ ليلٍ كثيف، لأنّ من يهدم البيت لا يمكن أن يكون هو البنّاء، ولأنّ من يستثمر في الخراب لن يُراهن على العُمران.فبقي العراق معلقًا بين أنياب الطائفية، وخرائط الاحتلال، ومكر الجيران، وضياع الهوية، لا هو خرج من فوضاه، ولا هو عاد إلى دولته. وبين هذا وذاك، يسير أبناء الرافدين في صحراء من الرماد، يبحثون عن شمسٍ لا تحرق، عن دولة لا تَقتلهم، عن وطنٍ لا يساوم عليه أحدٌ باسم الدين أو الدم أو التاريخ أو النفط.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -حين يكتب القيدُ البيان: الإعلام العربي بين بوق السلطان وصرخ ...
- -كردستان.. نداء القلب الواحد-
- انتفاضة الظل على صانعه: العراق بين احتضار النفوذ وولادة القر ...
- حين يُدفن الحرف حيًّا... مرثية التعليم في العراق
- -الريح تهدر من الجنوب... هل آن أوان النهاية-
- العزف على وتر الدم... حين تتحول المواكب إلى نارٍ تأكل الوطن
- وهج الدم الهادر… دروس الحسين التي لا تموت
- -رقصة النهاية في ميدان الدخان: أوكرانيا بين أنياب الدب وأطيا ...
- طعنة غُربة
- حين تُطوى الراية قبل أن تذبل... عن إعادة رسم خرائط القوة بين ...
- الفنان العراقي.. صوت الوطن المنفي
- -حين يصير المجد تهمة... ويُؤخذ التاريخ من مأتمٍ لا ينتهي-
- -حين تعزف الدولة على لحن فنائها: عزاءٌ لوطنٍ يُقصف من داخله-
- العراق… صندوقٌ فارسيُّ الأختام
- الطبيب الذي خلع عباءته… وصار جزارًا في معطفٍ أبيض .
- -ويحَ مَن آذى عائشة... فالعرضُ عرضُ نبيٍ والأذى أذًى للسماء- ...
- -مزرعة البروكرات... حين أُطفئت شموعُ العقل وأُشعلت قناديلُ ا ...
- العلم الذي يُغتال... وأمة تنزف ضوءها .
- العقدة الخالدة: سردية الكراهية المتجذّرة ضد العرب منذ فجر ال ...
- -كمب ديفيد الإيراني: سلام يشبه الهزيمة أم هزيمة تُسوّق كسلام ...


المزيد.....




- لطفي لبيب في المستشفى.. آخر تطورات وضعه الصحي
- الأردن يواجه -سماسرة الحجز الإلكتروني- بإجراءات جديدة على جس ...
- السويداء تشتعل: اشتباكات دامية تودي بحياة 13 شخصاً على الأقل ...
- حصيلة القتل والدمار والتجويع بغزة منذ العدوان الإسرائيلي
- فرضية تعمّد حرائق الساحل السوري.. شهادات ميدانية ونفي حكومي ...
- صحفي فرنسي: أوروبا فقدت توازنها أخلاقياً وسياسياً بموقفها من ...
- إجراءات للحكومة الأردنية لضبط تجاوزات على جسر الملك حسين
- تفاؤل أميركي بالمفاوضات وحماس والجهاد تتمسكان بشرط إنهاء الح ...
- إسرائيل تهاجم 150 هدفا في غزة.. وسقوط مئات القتلى والجرحى
- بين مساعدي الملك تشارلز وهاري.. ماذا وراء -الاجتماع السري-؟ ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - خرابٌ بني على الوهم: سردية الفوضى ومأساة الدولة الموءودة