أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -مزرعة البروكرات... حين أُطفئت شموعُ العقل وأُشعلت قناديلُ التفاهة.














المزيد.....

-مزرعة البروكرات... حين أُطفئت شموعُ العقل وأُشعلت قناديلُ التفاهة.


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8388 - 2025 / 6 / 29 - 11:20
المحور: قضايا ثقافية
    


في سالف الأزمان، حين كانت اللغة تضع التاج على رأسها، وكان النحو أميرًا لا يُجالس إلا العارفين، والحكايات تُروى في مضارب القبائل لا في استوديوهات الثرثرة، لم يكن الغبيُّ يتكلم إلا إذا استأذن من الصمت، ولم تكن المرأة تُدعى "بروكرًا" إلا إذا خطّت سطورًا في ديوانٍ أو أثارت نقاشًا في فكرٍ.أما اليوم، فقد انقلبت الموازين، وذاب الذهبُ في نار البلاهة، وطفا الزّبَدُ على وجه الماء حتى حسبه الناسُ هو البحر نفسه! نشهد زمانًا يُقدَّم فيه "البروكر" على الطبيب، وتُهتف فيه "البروكرات" بدل أن تُتلى فيه قصائد الخنساء وفدوى طوقان. زمنٌ يصعد فيه النكران على أكتاف الحروف، ويهبطُ فيه العلماء منابر الوعي ليجلسوا في ظل نسيانٍ طويل.
تبدأ الحكاية – وكأنها إحدى نوادر أبي نواس لكن دون خمرة ولا حكمة – حين اكتشف أحدهم أنه يستطيع أن يصبح نجمًا بمجرد أن يهين اللغة، ويتخلى عن الحياء، ويرتدي من السفاهة ما يُغطي به عريّ فكره. فدخل المنصة، لا يحمل لا كتابًا ولا موقفًا، بل لسانًا يهرف بما لا يعرف، وعينًا تبرق أمام الكاميرا كأنها نظّارة شمسية على ليل أخلاقي طويل.ومن هناك، بدأ المدّ، وتفجّر طوفان البروكرات. ها هي واحدة تُلقّب نفسها "نجمة البورصة"، وهي لا تعرف البورصة من البُرص، وأخرى تدعي أنها "صانعة محتوى" وما صنعت إلا محتوى الجهل. وذاك بروكر يصيح في المقاهي ويحلل الاقتصاد، وهو لا يعرف الفرق بين التضخم وتضخيم الذات، وبين الدين العام والدَّين عند صاحب الإيجار!صرنا في عالمٍ إن أردت فيه أن تكون نجمًا، ما عليك إلا أن تُعلي صوتك وتُخفض عقلك، أن تخلع حذاء الفكرة وترتدي صندل الضجيج. برامج تُكرّم أكثر من يشتُم، وتُصفق لمن يكسر الحياء، وتصنع من الراقصين على أخلاق الناس قديسين على شاشات المسوخ.كأن الدنيا أصبحت عرض أزياء للوقاحة، وكأن الفضيلة صارت عورةً يجب سترها!
يا سادة، لا عجب أن تصبح الأسرة حطامًا، والمجتمع سوقًا للتجارة الرخيصة. كيف يُبنى وطن على أعمدة من البلاستيك الرخيص؟ كيف تُربّى أجيالٌ ومربّوها في حضن التيك توك والغواية؟ كيف نُعيد الأخلاق إذا كانت الأخلاق تُهاجَر كما تُهاجَر العقول إلى المنافي؟،إن ما نحتاجه اليوم ليس قانونًا يُصلح الشوارع، بل أخلاقًا تُصلح ما بين الضمير واللسان. نحتاج إلى تربية جديدة، لا تُبنى على "كم لديك من المتابعين؟"، بل "كم تركت من أثرٍ نافع؟". نحتاج إلى إعلام لا يُرَوِّج للفراغ، بل يملأه بفكر، نحتاج إلى بروكرات من نوع آخر، يحملن كتبًا لا كؤوسًا، وينثرن الوعي لا المكياج!،يا بني قومي، لن ينقذنا إلا العودة إلى الحكايات الأولى، حين كان للعلم مقام، وللمعلم وقار، وللرأي حجة. فلنروِ لأطفالنا عن الفراهيدي لا عن فاشينيستا، وعن ابن سينا لا عن مؤثر بورصوي. لنملأ البيوت بمكتبات لا بمرشحات صوت وغبار "الفلاتر".وفي الختام، لا أملك إلا أن أقول:في بلادٍ يُعدُّ فيها التفاهة مشروعًا قوميًا، لا تنتظروا إلا المزيد من الظلام.
وفي أمةٍ تُستبدَل فيها العقول بالترندات، لا تنتظروا حضارة، بل انتظروا انهيارًا على وقع أغنية باهتة... يؤديها بروكر مغرور، تصفق له بروكرات بثياب من الضجيج.أعيدوا إلى النحو زهوه، وإلى العقل شجاعته...فلا زالت في الحكاية بقية،وإن نامت الأوطان في حضن التفاهة، فإنها حتمًا ستفيق يومًا على صفعةِ سؤالٍ بسيط:
"مَن نحنُ...؟"



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلم الذي يُغتال... وأمة تنزف ضوءها .
- العقدة الخالدة: سردية الكراهية المتجذّرة ضد العرب منذ فجر ال ...
- -كمب ديفيد الإيراني: سلام يشبه الهزيمة أم هزيمة تُسوّق كسلام ...
- ترامب وصعود ميزان القوة الجديد: حين تعثّرت التنانين وتاهت ال ...
- في مطلعِ الهجراتِ تبكي السنون
- الفنُّ... رسائلُ الخلود في حضارة الرافدين
- الفزاعة التي لبست عمامة الخلافة
- التحية الأخيرة أمام الكاميرا: عندما يذوب الانضباط في حضرة ال ...
- -سلامٌ على شفرة السكين: حين يبتسم الدخان في الشرق الأوسط-
- ياسين خضر القيسي... طائر الإبداع ووجع الثقافة في زمن التبدّد ...
- ميرفت الخزاعي... فراشة السرد التي حلّقت من شط العرب إلى سماء ...
- بين قيدٍ وركام: المسرح العربي في متاهة الإحباط والفقدان .
- إيران ومضيق هرمز... حين تتدلّى يد الغريق فوق زر الحرب
- -فوردو تحت الجبل وتحت المطرقة: الضربة التي أطاحت بظل إيران ا ...
- -حين تهاوت قم من برج الطاووس... وانكسر قرن المجوس في مرآة ال ...
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء .
- رماد الفتنة
- لا أحد يسمع الوجع
- -وطنٌ للبيع... من يشتري الذل-.


المزيد.....




- في تراجع مفاجئ.. ترامب يدعو إلى نشر ملفات إبستين ومحلل سياسي ...
- سوريا ترد على تقارير تسليم مقاتلي الإيغور للصين.. وبيان مشتر ...
- بن سلمان في واشنطن: الدفاع والاستثمارات أولاً، ولا للتطبيع ح ...
- حاملة طائرات أميركية إلى الكاريبي على وقع التوترات مع فنزويل ...
- رئيس النواب الأميركي عن ملفات إبستين: ليس هناك ما نخفيه
- مجلس الأمن يصوت على مشروع قرار أميركي خاص بغزة
- مقتل مدير مدرسة استهدفته غارة إسرائيلية على جنوب لبنان
- إجراءات بريطانية واسعة لموجهة اللجوء بينها -مصادرة المجوهرات ...
- إيران تباشر عمليات تلقيح سحب في ظل الجفاف الحاد
- ترمب: ربما نجري بعض المناقشات مع الرئيس الفنزويلي


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -مزرعة البروكرات... حين أُطفئت شموعُ العقل وأُشعلت قناديلُ التفاهة.