أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -وطنٌ للبيع... من يشتري الذل-.














المزيد.....

-وطنٌ للبيع... من يشتري الذل-.


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8378 - 2025 / 6 / 19 - 13:42
المحور: قضايا ثقافية
    


عندما نحلم بوطنٍ جميل، لا نحلم بالقصر، ولا بمآذن مطلية بالذهب، ولا بشوارع معبّدة بالعطور. نحلم فقط برغيف خبز لا يُذلّنا، وبنافذة لا تُغلق علينا العالم، وبباب لا يُطرق فجراً بأحذية سوداء. نحلم بوطنٍ لا نُستعير فيه كرامتنا من نشرات الأخبار، ولا نبحث فيه عن نشيد وطني بين أكوام التصريحات والخطب البائسة. لكننا حين استفقنا على وقع الحقيقة، وجدنا أن الحلم قد أُجهض، وأن الوطن قد تخلّى عن وجهه وارتدى قناع التبعية...أجل، حين يحكم العملاء وطنًا، لا تعود الأرض ملكًا لأبنائها، بل دفتر شيكات في يد الغرباء. لا يعود النفط ثروةً، بل صفقة. لا تعود البنوك بنوكًا، بل خزائن نهابها باسم الدولة، ولا مالك لها. يُسرَق فيها كل شيء من دون أن يرفّ جفن، وتُختم الأبواب بالشمع الأحمر، وكأنها لم تكن يوماً موطنًا للآمال. أما من يسأل، فملفّه جاهز، وصورته تُلصق على لائحة الاتهام بأنه خائن... لأنّه لم يخن.
الشوارع في الوطن باتت خرائط للرعب، معالمها ليست إشارات المرور، بل علامات دم سال قبل أن يُقال فيه الحق. الشوارع مبهمة، محفرفة، لا تصل إلى غاية، بل تدور كأنها دائرة عقاب تطحن الخطوات. من يمشي فيها لا يعرف إن كان يمشي على أرض وطن أم على شبح وطن. الوجوه متعبة، والعيون تعبت من الحلم، حتى الكلاب أصبحت مسعورة، تنهش الصدور وتُطلق عليها أسماء جديدة.في هذا الوطن، الحاكم لا يعرف لغة البلاد، وإن تحدّث بها كسرها، كما كسر ظهور ناسها. يوقع القوانين كمن يوقع ورقة طلاق بين الإنسان وإنسانيته. تسأله عن الكهرباء، فيريك شمعة. تسأله عن الماء، فيمنحك وحلاً. تسأله عن العدالة، فيصفق لك ويبتسم... ثم يعتقلك.الثورة؟ آه من الثورة. الشعب يخاف الثورة لأنه طُعن بها، لا منها. طُعن بخناجر الطائفية، حتى خاف من صوته، من جاره، من اسمه. صارت الثورة كابوسًا يُشبه أحلام اليقظة التي تنتهي على أبواب السجون. كنا نحلم أن تكون خلاصًا، فحوّلوها إلى فخٍّ، تُطلق فيه الرصاصات من الخلف، لا من العدو.وطننا، الذي كنا نرسمه بلون النخيل والفرات، صار خريطة مجتزأة. مدنه كجثث لا يُعرف مَن دفنها، ولا كيف. ناسه بين مغترب لا يريد العودة، وسجينٍ نسي معنى الضوء، ومُهمّش لا يملك حتى اليأس ليرميه على أرصفة النسيان. العاطلون عن العمل أكثر من العناكب في الوزارات، والمتفوقون يُعاقبون بالسفر، لأن البلد لا يريد من يرفعه، بل من يركعه. وحين تأتي الوفود الغربية تتحدث عن "التعاون" و"الشراكة"، تضحك الأرض باكية، لأنها تعرف أن الشراكة تعني اقتسام جسدها بينهم، قطعةً قطعة.صار المواطن رقماً، والهوية وثيقة تذلّك إن طلبت بها حقًا. صار الجواز سُبّة، والاسم الطائفي جواز مرور أو رفضٍ. كل شيء يُقاس بمكيالين، والعدالة تُعطى لمن يدفع ثمنها من الكرامة، لا من القانون.
من يشتري الوطن الآن؟ من يشتري دولةً بلا سيادة؟ من يشتري تاريخاً مُشوّهاً، أبطاله في المنفى، وجبناءه فوق الكراسي؟ من يشتري رايةً مكسورة، ونشيدًا لا يُغنّى إلا في الجنائز؟ هذا وطنٌ للبيع، لكن لا أحد يجرؤ على شراء الذلّ... إلا أولئك الذين يحكمونه.وها نحن، نعيش في الحافة، نمسك بحلمٍ نصفه ميت، ونصفه يرتجف. نكتب ونصرخ، لا لكي نُحرّض، بل لأن الصمت صار خيانة. نُسافر في مفردات الغضب، لأن اللغة آخر وطنٍ لم يُحتل بعد. فلتكن الكلمات زادنا في هذا الجوع، ولتكن الحقيقة سلاحنا، فالوطن لا يُستردُّ بالصفقات، بل بالحبر، والصوت، والوعي، والأمل الذي لا يموت... وإن مات كل شيء.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على سفح التل… تُزهِرُ الحسرة وتُكمم الحقيقة.
- -الرگيّة التي فضحت نظام الحكم!-
- -سايكس بيكو الجديدة تحت توقيع ترامب... الشرق الأوسط يتهيأ لز ...
- -السماء تكتب بلون النار: مآلات الشرق في عصر الحرب الذكية-
- في حضرة العشيرة والطائفة: حين يتوارى الوطن خلف عباءة السلطة ...
- -حين صار عيد الصحافة مأتماً: من منابر الكلمة إلى مزامير الخر ...
- الوتر الذي أضاء العالم: موسيقى نصير شمة بين الحلم والدهشة .
- -الشرق الأوسط الجديد: رقصة الأفاعي على رماد الخراب-
- -وصار جلده رسالة-
- سقراط والديمقراطية العراقية: حين يُعدَم الوعي باسم الحرية
- قيامة الفجر... حين سقطت الجمهورية إلى حضن الغياب.
- من فيصل إلى فوضى.. ومن أتاتورك إلى أتاتوركية!
- -حكاية الحنفيش ومجزرة الذاكرة الانتقائية-
- -حينَ صارَ العيدُ مأتماً في الحويجة-
- دمعةُ الغبار
- -الهلال الملوث: كيف صدّرت إيران ثورتها من خيوط العمامة إلى ج ...
- حين مزّق كسرى الرسالة: سُقوطُ العرشِ وتوريثُ الحقد — من تمزي ...
- -من الرقص على التكتك إلى السقوط من رفوف الوعي-
- لماذا بنو أميّة تحديدًا.
- -ديمقراطية على ضوء القمامة.. وحبر الانتخاب في يد السنونو!-


المزيد.....




- إيران تستهدف مستشفى سوروكا في تل أبيب.. وإسرائيل ترد بتصعيد ...
- قبل إعلان ترامب عن مهلة لإيران.. مصادر تكشف لـCNN عن تحركات ...
- تحليل لـCNN: هل يستطيع الكونغرس منع ترامب من ضرب إيران؟
- -كتائب حزب الله- العراقية تتوعد ترامب إذا ضرب إيران: ستخسر ك ...
- صفارات الإنذار تدوي في إسرائيل للتحذير من هجوم صاروخي إيراني ...
- غروسي: إيران لم تكن تصنع قنبلة نووية عند بدء الهجوم.. لا تنس ...
- 34 شهيدا في غزة منذ فجر اليوم أغلبهم من المجوعين
- الرئيس الأوكراني يعيّن قائدا جديدا للقوات البرية
- شي وبوتين يتفقان على أولوية وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائ ...
- وول ستريت جورنال: تكلفة خيالية تتكبدها إسرائيل لاعتراض صاروخ ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -وطنٌ للبيع... من يشتري الذل-.