أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - قيامة الفجر... حين سقطت الجمهورية إلى حضن الغياب.














المزيد.....

قيامة الفجر... حين سقطت الجمهورية إلى حضن الغياب.


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8372 - 2025 / 6 / 13 - 17:56
المحور: قضايا ثقافية
    


في فجرٍ لم يكن كباقي الفجرات، أطلّ الضوء على جمهوريةٍ كانت تُمنّي النفس بقيامةٍ موعودة، فاستقبلت بدلاً منها جنازتها الكبرى. إيران، التي لطالما صدّرت للعالم صورًا فولاذية لقادتها وهم يلوّحون بقبضاتهم نحو "العدو الصهيوني"، استيقظت على نبأٍ يشبه النكتة السوداء: معظم هؤلاء القادة الذين اعتادوا الظهور بابتسامات مملوءة بالثقة والكراهية، أصبحوا في خبر كان. لم يرحلوا بعد معركة ولا انتحروا على أسوار تل أبيب، بل أُبيدوا في ساعةٍ واحدة، كأن يدًا غيبية نزلت من الغيم وشطبت رؤوسهم من لوحة الحكم الإيراني بكبسة واحدة، أو كما يُنهي طفلٌ غاضب لعبة الشطرنج حين يسأمه اللعب، فيقلب الرقعة بمن فيها.القصف الذي لم يكن مجرد قصف، كان إعلاناً جريئًا عن دخول الجغرافيا الإيرانية في زمن ما بعد القيادة. سُحقت فيه القمم العسكرية كلها في آنٍ واحد، من رئيس هيئة الأركان محمد حسين باقري إلى قائد الحرس الثوري حسين سلامي، ومن غلام علي رشيد، مسؤول مقر "خاتم الأنبياء"، إلى قائد القوة البرية محمد باكبور، وقائد القوة البحرية علي رضا تنغسيري، وقائد قوات التعبئة (البسيج) علي رضا سليماني، وقائد الجوفضاء أحمد حاجي زاده، وقائد فيلق القدس إسماعيل قآني، والقائمة تطول وتتمادى في الفقد والذهول حتى طالت المستشار العسكري للمرشد علي شمخاني، وكأن القذائف كانت تملك قوائم حضور مفصلة وتعرف وجوه من ينبغي تصفيتهم بدقة جراحية محرجة أمام التاريخ.حتى الجيش النظامي لم يسلم، فقد طار قائده العام أمير موسوي، ولحقه قائد القوة البحرية أمير شهرام إيراني، وقائد القوة البرية علي رضا بوردستان، وسُحق قائد القوة الجوية نصير زاده في غارةٍ واحدة لم تترك من الطيران الإيراني سوى بقايا أجنحة محترقة ومهابط بلا رادارات، ولا حتى صوت يئنّ من داخل حطامها. القوة الجوية التي كانت تُستعرض بها الجمهورية في مناورات “الرد القاسي” انتهت دون أن تطلق طلقة واحدة، بل طارت من الوجود كما يطير حلمٌ من طفلٍ استيقظ مذعورًا.الأدهى من كل ذلك، أنّ العلماء النوويين الذين عوّلت عليهم الجمهورية لصناعة الحلم الذري، والذين طالما خُبئوا في السراديب والمخابئ، لم ينجُ منهم أحد، وكأن الضربة لم تكن تستهدف مجرّد بنايات أو ثكنات، بل عقل الدولة وذاكرتها التقنية. اختفى أولئك الذين خطّطوا لتخصيب اليورانيوم، وتبخّر من قضى عمره في رسم مفاعلات نطنز وفوردو، ولم يتبقَ من البرنامج النووي إلا خرائط محترقة وأوراق مُتناثرة تتطاير فوق رماد طموحاتٍ كانت تحلم بالهيمنة. إيران، التي طالما لوّحت بأنها على بُعد لحظات من القنبلة، أصبحت فجأة على بُعد سنين من الخروج من تحت الأنقاض.أيُّ مشهدٍ هذا؟ حتى الأساطير لم تروِ ما يشبهه. لم يحدث في كل حروب الأرض أن سقطت قيادة جيشٍ بأكملها في ساعة، من غير إنذار، من غير نزال، من غير حتى ضجيج حرب. وحده الصمت، ذاك الذي يخلف الانفجار، بقي يدوّي في هواء طهران ويهز جدران مقرات الحرس التي كانت تتغطرس بالشعارات، فيسأل الهواء نفسَه: هل حقًا هؤلاء من كانوا يعدّون العدة لـ"زوال إسرائيل"؟ أين ذهبت تصريحات قاآني المدوية؟ أين حناجر باقري حين كان يتوعد بتدمير تل أبيب في سبع دقائق ونصف؟ أين اختفت الغطرسة التي كانت ترى في نفسها المخلّص السماوي للأرض من "الشيطان الأصغر" و"الشيطان الأكبر"؟
في تلك الليلة، لم تسقط الصواريخ على بُنى عسكرية فحسب، بل سقطت على كذبةٍ استمرت أربعة عقود، كذبةُ أن النظام محصّن بالمهدي، وأن قادته لا يُقهرون، وأن أيَّ اعتداء عليهم سيشعل المنطقة نارًا. لكنه، ويا للسخرية المُرّة، لم يُشعل شيئًا، سوى رماد ما تبقى من الكبرياء. تلقت إيران الضربة كما تتلقاها جمهورية كارتونية أُسقط سقفها على رؤوس دُماها. ولم تصدر عنها سوى بيانات يتيمة، تتوسل التماسك، وتتعثر بالكلمات: "الردّ قادم"... "في الزمان المناسب"... "وسنأخذ بثأر الشهداء"، إلى آخر الأناشيد التي لم تعد تقنع حتى مروجيها.أما الفصائل والميليشيات الممتدة على خارطة "الممانعة"، فقد خارت مفاصلها، إذ كيف تقاتل والجنرال الذي كان يقودها أصبح من رماد؟ كيف تنفذ التعليمات وقاعة العمليات اختفت كأنها سراب؟ حزب الله في حيرة، الحوثيون في ذهول، فصائل العراق تبحث عن اتصالٍ لم يأتِ، والجميع يرتّقون صمتًا مريبًا في مواجهة الضربة التي لم تترك لهم مرشدًا يهمس أو قائدًا يُصدر أمرًا.
هكذا إذًا، تسقط دولة… لا بسقوط مدنها، بل بسقوط رأسها، قلبها، عقلها، وصوتها في آن. خامنئي وحده تبقى فوق الركام، يراقب جدارًا يتهاوى من حوله، والرئيس الجديد، مسعود بزشكيان، لم يُكمل حتى ترتيب مكتبه بعد، ليجد نفسه بلا جيش ولا قادة ولا حتى مقاتلات تقلّه إن قرر الهرب. الجمهورية التي كانت بالأمس تضحك على أنقاض غزة، وتبشّر العالم بزوال تل أبيب، وجدت نفسها على حافة زوال داخلي، ينهشها من الأعماق، من عصبها الأمني، ومن كيمياء قوتها.بما سيكتب التاريخ ذات يوم أن هذه الليلة لم تكن مجرد عملية عسكرية، بل كانت تسونامي سياسيًا وعسكريًا ومعنويًا. وربما سيضحك الرواة بعد قرون، ويقولون: كانت هناك دولة تُدعى إيران، زعمت أنها ستحرر القدس، فإذا بها تُهزم دون أن تخوض معركة، وتُمحى قيادتها دون طلقة، وتُحرق طائراتها وهي رابضة في قواعدها تشاهد نهايتها كمن يشاهد مسلسل نهايته معلومة.لقد انتهى الحلم قبل أن يبدأ. انتهت الأسطورة في نشرة أخبار. أما القادة... فقد رحلوا جميعًا، واحدًا تلو الآخر، في ساعة واحدة، كأنهم كانوا على موعدٍ جماعي مع المجهول. والرد؟ لا يزال في الطريق، يسير على مهلٍ، ربما ينتظر إذنًا من أحد الذين لم يعودوا موجودين...



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من فيصل إلى فوضى.. ومن أتاتورك إلى أتاتوركية!
- -حكاية الحنفيش ومجزرة الذاكرة الانتقائية-
- -حينَ صارَ العيدُ مأتماً في الحويجة-
- دمعةُ الغبار
- -الهلال الملوث: كيف صدّرت إيران ثورتها من خيوط العمامة إلى ج ...
- حين مزّق كسرى الرسالة: سُقوطُ العرشِ وتوريثُ الحقد — من تمزي ...
- -من الرقص على التكتك إلى السقوط من رفوف الوعي-
- لماذا بنو أميّة تحديدًا.
- -ديمقراطية على ضوء القمامة.. وحبر الانتخاب في يد السنونو!-
- -منفى الرمق الأخير-
- هاتف الثلج.. الناطق بلسان وطن لا بلسان سلطان.
- -ضباب لم يأتِ-
- السرير الكَمّي: بين وهج الوعد الكوني وسكون الحقيقة العلمية-
- -الجيب العراقي... الحبل السري لاقتصاد طهران-
- العيد الذي غادرني
- بهرز… حين يصير النسيم تاريخًا ناطقًا بحضارة الألف عمر.
- كردستان... حيث يولد السلام من رحم الجمال
- حين تبتلع الأرض أبناءها... دجل الوطن وضياع القضايا-
- -اللص الشريف... عضو البرلمان الموقّر-
- كهنة الخراب: حين يتوضأ النفاق بدموع الفقراء


المزيد.....




- مصر.. أغنية جزائرية يستشهد بها علاء مبارك ويعلق مثيرا تفاعلا ...
- كوخ إسكتلندي -سرّي- من الحرب العالمية الثانية يُعرض للبيع.. ...
- شاهد لحظة سقوط صاروخ قرب منشأة عسكرية إسرائيلية رئيسية في تل ...
- تقرير: فكرة ترامب حول فتح حسابات مصرفية استثمارية للأطفال لي ...
- مراسلتنا: موجة جديدة من الهجمات الآن تنطلق من إسرائيل باتجاه ...
- هل تغيّر الضربة الإسرائيلية لإيران معادلة الحرب في غزة؟
- ما هي الصواريخ البالستية وفرط الصوتية؟
- إسرائيل تحشد قواتها في الشمال على الحدود مع سوريا ولبنان
- الجيش الإيراني: إطلاقنا الصاروخي القادم سيكون بنحو ألفي صارو ...
- طيران -الشرق الأوسط- اللبنانية تعلق الرحلات من وإلى بيروت


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - قيامة الفجر... حين سقطت الجمهورية إلى حضن الغياب.