حامد الضبياني
الحوار المتمدن-العدد: 8365 - 2025 / 6 / 6 - 22:13
المحور:
قضايا ثقافية
ليست العلاقة بين بغداد وطهران مجرّد تبادل حدودي أو تقاطع مصالح سياسية في فسيفساء الجغرافيا، بل هي اليوم أشبه بحبل سريّ يشدّ كيانًا إلى كيان، لا على أساس من التكافؤ، بل على إيقاع استنزافٍ خفيّ، يُدار بإتقان في الظل، وتغضّ عنه الأعين في العلن. العراق، ذاك البلد المثقل بجراحه، يُدار كخزينة طوارئ لإيران، ويُستثمر كصندوق تعويض مفتوح لإنقاذ اقتصاد يترنّح في مهب العقوبات.في الأسواق العراقية، تتراقص الأوراق الخضراء وتُهرَّب كأنها ماء الحياة. مزادات العملة تحوّلت إلى أنابيب تنفّس غير معلن، تسحب من رئة العراق لتضخ الأوكسجين في صدر طهران. شركاتٌ تنبت كالفطر، وتختفي كما تظهر، وتجارٌ بواجهات أنيقة، لا يحملون إلا مهمة واحدة: تمرير العملة حيث يُراد لها أن تصل، لا حيث يُفترض أن تُصرف.كل صفقة استيراد مشبوهة هي ضربة في خاصرة الاستقلال الاقتصادي، وكل فاتورة مزوّرة تُخفي خلفها مصالح لم تعد تُخفى. أما الكهرباء والغاز، فحدّث عن اعتمادٍ يُباع بثمن لا يُقاس، وانقطاعٍ يتحوّل إلى ورقة ابتزاز تُشهر في أقسى المواسم، فلا أحد يُحاسب من يُملي الشروط من الجهة الأخرى، وإن كانت الأرقام تتحدث عن أسعار لا يتجرأ السوق العالمي على فرضها.في الموانئ، تُفرغ الحاويات القادمة من إيران نفسها كما لو أنها في بيتها. مواد غذائية، أدوية، كماليات، وحتى ما لا يُحتاج، يُستورد. العراق يشتري، ويدفع، ويستهلك، دون أن يصدر في المقابل إلا الفتات، وكأن السوق وُجد ليخدم طرفًا واحدًا، طرفًا لا يبادله إلا بالنفوذ والهيمنة.
وما لا يُقال أكثر: آلاف الطلبة والمرضى والسياح العراقيين يُضخّون ملايينهم سنويًا في جامعات ومشافي ومزارات لم تُضِف إلى البلاد إلا مزيدًا من الاعتماد، في وقت يمكن فيه أن تُبنى البدائل هنا، وأن يُستثمر ذلك المال في الداخل لا الخارج.
وحين تتجوّل في أوراق العقود والمناقصات، تتكرّر الأسماء ذاتها، شركات تدور في فلك واحد، تُمنح المشاريع بلا منازع، وتُنفّذها كيفما شاءت، ثم تُحوّل الأرباح إلى خارج الحدود، ليبقى الوطن بلا مشاريع حقيقية، وبلا دورة اقتصادية تُغذّي أبناءه لا غيره.ليست المعضلة في الدعم بحد ذاته، بل في انعدام التكافؤ، وفي غياب الإرادة الوطنية الحقيقية التي تضع حدًا لهذا الاستنزاف الناعم، الذي يجري برضا من أقطاب السلطة، وتواطؤ من عقول خضعت تحت شعارات الولاء.
إنه العراق... الجيب المفتوح، الرئة المستباحة، والممول الهادئ لنظام يعيش من خلاله، ويستنشق منه هواء النجاة كل يوم.
#حامد_الضبياني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟