حامد الضبياني
الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 12:39
المحور:
قضايا ثقافية
يا ليلُ، كيفَ أُغلقُ النافذةَ على وجهِ الذكرى؟
كيفَ أُطفئُ الضوءَ الذي يتسلّلُ من قلبِ الحنين؟
أمارسُ الصباحَ كأنني نبتةٌ مكسورةُ الساق،
أرتّبُ كتبي، أعدُّ فناجينَ القهوةِ واحدةً واحدة،
أتظاهرُ أنني لم أعد أتذكّرك،
أنَّ الطريقَ التي مررتَ بها قد نسيتُها،
أنَّ الأغنيةَ التي كنتَ تغنّيها في الغروبِ قد تاهتْ بين أصواتِ الغرباء،
لكنني أكذبُ، أكذبُ كما تكذبُ الريحُ حين تقولُ إنَّها لا تعرفُ أسماءَ الأشجار.
أهربُ منك في تفاصيلِ اليوم،
في ضحكةِ طفلٍ عابر، في نشرةِ الأخبارِ الباردة،
في زحمةِ المقهى، في صوتِ الماءِ حين يسقطُ من الصنبور،
كأنني أجعلُ من الفوضى جدارًا أمامك،
كأنني أُغلقُ النافذةَ مرارًا حتى لا تنفذَ صورتك إلى قلبي.
لكنني، يا وجعي،
حينَ يأتي الليلُ،
حين تسكتُ الأصواتُ وتغفو المدينةُ،
حين لا يبقى إلا رنينُ الذكرى في رأسي،
ينهارُ كلُّ شيء:
الكتبُ، فناجينُ القهوة، أوراقُ المواعيد،
ينهارُ جدارُ النسيان،
تفتحُ الذاكرةُ أبوابها،
تتسلّلُ صورتُك،
صوتُك،
ضحكتُك،
تجاعيدُ قميصك الذي نسيتَه على الكرسي،
وأبكي.
أبكي لأنني ما زلتُ أبحثُ عنك في تفاصيلِ الغياب،
وأكرهُ أنك لا تعلم،
وأكرهُ أنني ما زلتُ أحبّك،
وأكرهُ هذا الأملَ الجاحدَ الذي يأكلني كلَّ ليلة،
يعدني بأنني سأكون بخير،
وأنا أعلمُ أنني كذبةٌ أرددها على نفسي،
وأني لا أُشفى،
ولا أريدُ أن أُشفى،
لأنك وجعي،
وجعي الجميل،
وجعي الذي لا يُنسى،
وجعي الذي يُبقيني على قيدِ الألم،
الألم الذي يُشبهك،
ويُشبهني،
ويُشبه هذا الليلَ الطويل.
#حامد_الضبياني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟