أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -أمل دنقل... نايُ الجنوب الذي عزف للكرامة على وتر الوجع-














المزيد.....

-أمل دنقل... نايُ الجنوب الذي عزف للكرامة على وتر الوجع-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 14:04
المحور: قضايا ثقافية
    


في الجنوب حيث ينام القمر على ضفاف النيل، وحيث الجبل الصعيدي ينهض بكبرياءٍ كأنه وترٌ في عود الحضارة، ولد "أمل" كما يُولد الرجاء من رحم الانكسار. كان ذلك عام 1940، في قرية القلعة بقفط، من صعيد مصر؛ هناك حيث اللغة تُروى بماء الكرامة، وحيث الأرض تُنبت الشعر كما تُنبت القمح، وتغني السنابل قبل الحصاد.
لم يكن أمل دنقل مجرد شاعر، بل كان صرخةً نازفة من خاصرة الوطن، ودمعةً متحجرة في عين العروبة، وسيفًا من كلماتٍ لا يصدأ. سمّاه والده "أملًا" لأنه كان ثمرة فرحٍ بعد نيل شهادةٍ من الأزهر، لكن القدر كان يخبئ له دربًا من وجعٍ نبيل، تفتحت فيه القصائد على شرفات المقاومة، وسالت الكلمات كأنها دمُ شاعرٍ لا يُساوم.
نشأ أمل في بيئةٍ صوفيةٍ شعرية، فحفظ القرآن صغيرًا، وتشرّب البلاغة من منابعها الأولى، ثم حمل إرث الصعيد بكل ما فيه من أنفة وصلابة وشجن، وجعل من شعره محرابًا للعروبة الجريحة، ومرآةً للرفض الجميل. لم يكن شاعر ترفٍ ولا متكئًا على ريش الخيال، بل كان شجرةً تسند العاصفة، وقلمًا يكتُب بمداد الصدق، حتى لو نبح عليه الصمت من كل الجهات.
وحين بدأ يكتب، لم يهادن، ولم يتوارَ خلف الأقنعة. جاء ديوانه الأول "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" عام 1969 كعاصفةٍ من وجعٍ عربيٍ فصيح، ينهل من التراث ليقول ما لم يُقَل في زمن الخرس. ومنه كانت الانطلاقة: تعليق على ما حدث، مقتل القمر، العهد الآتي، أحاديث في غرفة مغلقة، أقوال جديدة عن حرب البسوس، وأخيرًا أوراق الغرفة 8، التي كتبها وهو يصارع الموت في سرير المرض، متكئًا على الحبر كمن يتكئ على الحنين.كان دنقل شاعرًا في زمنٍ انكسر فيه الشعر، وظل وحده يخط سطور الكرامة على صفحاتٍ من نار. رفض معاهدة السلام، فكتب رائعته الخالدة "لا تصالح"، قصيدة لم تكن مجرّد موقف، بل كانت نشيدًا طويلًا ضد الخيانة، صوتًا صافيًا في زمن التشويش. وفي كل ما كتب، كان وفيًّا لصعيده، نقيًّا كنهرٍ لا يعرف الخداع، ومجروحًا كأمةٍ تبحث عن نفسها.
ومع أن المرض هدّ جسده، إلا أن قصائده بقيت شاهقة، لا تنكسر، لا تموت. كانت الغرفة 8 في معهد السرطان آخر محطاته، لكنها كانت أيضًا ولادةً أخيرة لشاعرٍ لم يعرف الهزيمة. مات أمل دنقل في 21 مايو 1983، لكن صوته ما زال يتردد كأذانٍ في الفجر العربي، وما زال دمه يجري في عروق القصيدة العربية كلما استُفزّ الضمير.في الذكرى، لا نرثيه، بل نتمثله؛ لا نبكيه، بل ننصت لصوته وهو يقول:"أنا من جنوبٍ لا يساومُ، من صعيدٍ لا يُهانْ..."فنمْ قرير القلب يا ابن القلعة، فقد تركت لنا ما يكفي من الشعر لنحيا به، وما يكفي من الكرامة لنُعيد بها للقصيدة هيبتها.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة في جحيم -1984- حيث الحبر دم والحرية وهم.
- حين يتعطر الوجع بالورد
- -حين أكل الأمير لحم جسده.. أكل الملوك كرامتهم: صرخة في زمن ا ...


المزيد.....




- وكالة ستاندرد آند بورز تخفّض التصنيف الائتماني لفرنسا وتضعها ...
- الخارجية الألمانية توضح أسباب التحذير من السفر إلى كل سوريا ...
- وسط تواصل القصف... موسكو تعلن السيطرة على قرى جديدة في شرق أ ...
- كينيا: على صيحات -بابا- و-نحن أيتام-... أهالي كيسومو تودع را ...
- شاهد.. ياسين شيوكو حارس ميسي يسجل هدفا مذهلا
- تعرف على إحصاءات الدمار في قطاع التعليم بغزة
- مخاوف إسرائيلية من الدور التركي في غزة
- إسرائيل تسلم دفعة جديدة من جثامين شهداء غزة
- قمة أميركية أوكرانية بواشنطن وترامب يؤكد ضرورة إبرام اتفاق م ...
- جدل قانوني واجتماعي حول السماح للإيرانيات بقيادة الدراجات ال ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -أمل دنقل... نايُ الجنوب الذي عزف للكرامة على وتر الوجع-