أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - في زمن العري والسفاهة... حين صار العرض بضاعة في سوق النخاسة الجديدة














المزيد.....

في زمن العري والسفاهة... حين صار العرض بضاعة في سوق النخاسة الجديدة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 03:13
المحور: قضايا ثقافية
    


كان يا مكان في هذا الزمان، أو قل كان يا خراب، كان هناك وطن اسمه العراق، وطن مهيب، عريق، متخم بالتاريخ، مكسور الحاضر، منهوب الأمل، وطن فيه رجال لا يشبهون الرجال، ونساء لا يشبهن النساء، وطن صار فيه العرض أرخص من الرغيف، والحياء عملة نادرة لا تجدها حتى في المتاحف.في هذا الوطن، رأيت ما لا يمكن وصفه دون أن يتورم الحرف ويغلي الدم في الشرايين. رأيت الحياء يموت، يُجلد، يُباع، يُنحر على الأرصفة، وتُعلّق على جثته اليافطات: "عروض خاصة! تعالوا نبيع الوطن، نبيع العرض، نبيع الشرف، والمشتري يا مرحبا!"رأيت نساءً كنّ ذات يوم أمهات طاهرات، يخرجن اليوم عاريات إلا من قناع الغواية، يعرضن أجسادهن كأنها قطعة أرض في مزاد علني: "من يزيد؟ من يزيد؟" وتأتي الأنظمة، يا للسخرية، تبارك، تحتفي، تمنح الجوائز والألقاب: "أيقونة الجمال!"، "سفيرة النوايا!"، "رمز الأنوثة!" وكأننا في سيرك بائس، أو مسرحية عبثية بلا جمهور إلا الجياع.توزع السيارات الفارهة، والمجوهرات، والفلل، على هؤلاء اللواتي يعرضن الوطن مع أجسادهن في المزاد. أما الشرفاء؟ أما العفيفات؟ أما من تمشي على استحياء كفتاة مدين؟ هؤلاء لا ذكر لهن، لا جائزة، لا تكريم. بل يُسحقن، يُنسين، يُطردن من نعيم الدنيا إلى جحيم الفقر والخذلان.
رأيت رجالا - عفواً، هياكل بشرية بهيئة رجال - يسكرون على موائد الحرام، يتراقصون مع الغانيات في حفلات تُنفق عليها الملايين من أموال الشعب الجائع، حفلات تُبنى على أنقاض المدارس المتهالكة، والمستشفيات الخاوية، والبيوت المحترقة بنيران الفقر.رأيت سياسيين، وزعماء، وأباطرة جشع، يتزاحمون لشراء الوطن بالفروج والغانيات، يقيمون حفلات انتخابية لا لوجه الله، بل لوجه شهوة زائغة، أو ثمن ليلة ماجنة، أو صورة مع ساقطة تُنشر في الصحف كأنها نصر مبين.رأيت المساكين، الكادحين، أولئك الذين لا يملكون سوى قوت يومهم، ينظرون من بعيد، يبلعون ألسنتهم، يطأطئون رؤوسهم، وبعضهم يصفقون كالحمقى لمواكب الفساد، وبعضهم يشتم القدر والزمان، ثم يعودون إلى بيوتهم الجائعة، ينامون على وسائد من الألم، وأحلام من سراب.أما الحياء؟ أين الحياء؟ أين ذاك الذي جعل موسى عليه السلام يخدم عشر سنين لفتاة لم يقل الله عنها إلا "تمشي على استحياء"؟ أين الحياء الذي جعل مريم العذراء تتمنى الموت على أن يُمس عرضها بسوء؟ مات الحياء، يا صاح، دُفن في مقابر النسيان، وصارت أجساد النساء تُباع بأبخس الأثمان، وصار الكلام الفاحش لغة السياسة، وصار الوطن يُدار من بارات الرقص وكباريهات السُكارى.
وأنا؟ أنا مجرد كاتب حزين، أنظر إلى بلدي كمن ينظر إلى قافلة تسير نحو الهاوية، ولا يملك إلا أن يضحك ضحكة ساخرة... ثم يبكي.تخيلت يوما أن يُقام مهرجان ضخم في بغداد، يجتمع فيه الزعماء، وتُوزع فيه الجوائز، لا على العلماء، لا على الأدباء، لا على المبدعين، بل على صاحبات القوام المثير، والشفاه المنفوخة، والصدور النافرة. يُكرمّن بلقب "سفيرات الوطن"، وتُمنح كل واحدة منهن سيارة فارهة، بيتًا فاخرًا، وراتبًا شهريًا... بينما ابن الوطن الحقيقي يقف في طابور الخبز، أو يجمع القناني الفارغة ليبيعها بثمن بخس.يا هذا الزمن... كم أنت داعر! كم أنت وضيع! صارت فيه البغايا قدوات، والمومسات نجمات، والشرفاء مهمشون، يموتون في صمت، أو يُتهمون بأنهم "رجعيون"، "معقدون"، "ضد الحرية"...ضحكت، والله ضحكت حتى دمعت عيني، حين رأيت سياسيًا يبرر توزيع المال العام على حفلة راقصة قائلا: "هؤلاء يرفعن اسم العراق!"... نعم، يرفعن اسم العراق، لكن بأي ثمن؟ بثمن ماذا؟ بثمن شرفه؟ كرامته؟ أرضه؟ عرضه؟!يا سادة، لا تغضبوا مني، فأنا لست إلا مراياكم، أعكس لكم صورتكم القبيحة، صورتنا القبيحة، في هذا الزمن الذي صار فيه الوطن يُباع مقابل جسد، والملايين تُنثر على راقصة، بينما أطفال الوطن يموتون جوعًا، ونساءه يلدن في الزحام بلا طبيب، وشبابه ينتحرون على الجسور...يا لهذا الزمن، ويا لهذا الضياع...
اللهم ارزقنا حسن الخلق... وشيئا من الحياء.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البصرة: قصيدة الجنوب التي لا تنتهي
- سيرة -رجل من خيال الزمان... في دروب الحرف ومرافئ الروح-
- -أمل دنقل... نايُ الجنوب الذي عزف للكرامة على وتر الوجع-
- رحلة في جحيم -1984- حيث الحبر دم والحرية وهم.
- حين يتعطر الوجع بالورد
- -حين أكل الأمير لحم جسده.. أكل الملوك كرامتهم: صرخة في زمن ا ...


المزيد.....




- -لم أتحمّل الحلم الأمريكي-: محارب متقاعد ينتقل للعيش في البر ...
- عُثر عليه على بُعد 300 قدم داخل غابة.. ممثل أمريكي يصف نجاته ...
- لأول مرة.. -داعش- يتبنى هجومين ضد قوات موالية للحكومة الجديد ...
- الخارجية الروسية: بكين تتفهم موقف موسكو بخصوص الأزمة الأوكرا ...
- فضيحة طبية تهز أوروبا: متبرع دنماركي أنجب 67 طفلًا ونقل جينً ...
- ماكرون يحذر من تركيز واشنطن على الصين على حساب أوكرانيا
- بعد عرقلة إسرائيلية.. وزراء عرب يؤجلون زيارتهم لرام الله
- بيان مصري تونسي جزائري مشترك حول ليبيا
- رئيس جورجيا يتحدث عن مطالبة دول غربية لبلاده بالانخراط في ال ...
- مصادر تركية تنفي نية لقاء أحد قيادات تنظيم -بي كي كي-


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - في زمن العري والسفاهة... حين صار العرض بضاعة في سوق النخاسة الجديدة