أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - كهنة الخراب: حين يتوضأ النفاق بدموع الفقراء














المزيد.....

كهنة الخراب: حين يتوضأ النفاق بدموع الفقراء


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8362 - 2025 / 6 / 3 - 17:16
المحور: قضايا ثقافية
    


في تلك الزوايا المظلمة من التاريخ، حيث تتقاطع المصالح مع الأوهام، وتمتزج الحقيقة بالكذب كما يختلط الدم بالنفط، نجد أنفسنا أمام مشهد عبثي لا تملك العين إلا أن تغرق فيه بالدمع، ولا القلب إلا أن يخفق له حزناً، ولا العقل إلا أن ينكفئ عنه ازدراءً وقرفاً. هناك، حيث يتربع بعضهم على عروش الدين المزيف، يتلونون كالحرباء، ينفخون في نار الطائفية، ويبيعون للناس ديناً مسوّقاً على هيئة فتاوى، تشبه وجبات المطاعم السريعة: سريعة التلقي، بطيئة الهضم، خانقة في النهاية.
هؤلاء، هم من يعظون الفقراء بالصبر، بينما هم يتقلبون في النعيم، ويحدثونهم عن فضائل الزهد وهم يتلذذون بخمور باريس، ويكتبون عن الجهاد من على موائد لوس أنجلوس، وينظمون مواكب العزاء في لندن، ويتحسرون على مظلومية الحسين وهم يعبثون ببطاقات الماستركارد في كازينوهات مونت كارلو. يحدثونك عن الآخرة وهم في حضن الدنيا، يحدثونك عن القناعة وهم يملكون قصوراً ببوابات من ذهب، يحدثونك عن الصبر على الفقر وهم يتنقلون بطائراتهم الخاصة، يحدثونك عن التواضع وهم لا يلمسون الأرض إلا حين يدفنون موتاهم، يحدثونك عن عفة اللسان وهم يمارسون أحط أساليب القذف والسب في مجالسهم المغلقة، يحدثونك عن التضحية وهم أول من يهرب عند اشتداد الخطر.
ثم يأتي أحدهم، مسكونٌ بشعور العظمة المستعار، زار بغداد أياماً معدودة، فشمَّ روائح البسطاء في شوارعها، وسُحِرَ بعبق الخبز المختلط بغبار الأزقة، لكنه عاد إلى ملاذه في أمريكا وهو يتقزز من العراقيين، من لهجتهم، من معيشتهم، من أحلامهم المحطمة، من كهربائهم المقطوعة، من وجوههم المتعبة، من أحلامهم المتعثرة، عاد وهو يحمل في يده بطاقة ناخب كأنها صك غفران مزيف، يتفاخر بها على تويتر كأنه أنجز فتحاً مبيناً، ويتبجح بأنه سيصوّت لسيده المعمم، لأنه أمر بالمشاركة في الانتخابات!
أي ضحكٍ على الذقون هذا؟! أي نفاقٍ مفضوحٍ هذا؟! يا سيد أمريكا، أنت تعيش هناك في رحاب الحريات، تتمتع بخدمات الكهرباء والماء والإنترنت بلا انقطاع، تتنقل بين الحدائق والمكتبات والمقاهي النظيفة، تشتم رائحة الكرامة في صباحات ديمقراطية الغرب، ثم تأتي لتطلب من أبناء جلدتك، ممن طحنهم الفقر، وسحقهم الظلم، وأكلتهم المليشيات، أن يصبروا على ما هم فيه، وأن يمنحوا أصواتهم لمن يكرّس عبوديتهم!
أيها الداعية من على الأرائك الوثيرة، لماذا لا تأتي لتعيش شهراً بيننا؟ لماذا لا تغرق في عتمة الكهرباء، ولا تغتسل بماء آسِن، ولا تمشي في طرقات محطمة، ولا تجلس في دوائر الروتين القاتل، ولا تتوسل لموظف مرتشٍ، ولا ترى جثث الضحايا تُرمى كالكلاب في الأزقة؟ لماذا لا تأتِ لتأكل خبزاً بلا ملح، ولا تستمع لأخبار عن طفل مات في مستشفى بلا دواء، ولا تبكي على أمٍ تودع ابنها المغدور على يد ميليشيا محسوبة على سيدك المعمم؟ لماذا لا تأتي لتعيش مرارة الوطن بدلاً من بيعنا أوهامك من على أرائك الجلوس الناعم في كاليفورنيا؟
ثم ماذا عن المعمم الذي تبجّلت أنك ستنتخبه؟ ألم تقرأ أنه يمسك زمام الفتوى بيد، وكأس النبيذ بيد أخرى؟ ألم ترَ كيف يُصدر فتاوى الجهاد ويُصدر أبناء الفقراء إلى جبهات الموت، بينما أبناؤه يدرسون في جامعات لندن وباريس؟ ألم تسمع كيف يلعن أمريكا في العلن، ويقبض منها رواتبه بالدولار في السر؟ ألم تشاهد كيف يتاجرون بدماء الضحايا في مزادات السياسة، ويزايدون بالمظلومية ليمرروا صفقاتهم في المنطقة الخضراء؟ ألم تفهم أن هذه المسرحية مملة، أن الجمهور سئم من مشاهد الدماء والخراب، أن القصة انتهت، وأن أبطالها الحقيقيين ماتوا منذ زمن بعيد؟
يا سيد أمريكا، لا تعظنا بالصبر، لا تعلّمنا فضائل الفقر، لا تحدثنا عن عظمة المعمم الذي يعيش في برج عاجي بينما نحن نحترق في صفيح الصبر المهترئ، لا تسوق علينا بضاعتك الفاسدة وقد شبعنا من مرارتها، لا تحدثنا عن الأمل في مستقبل يصنعه الفاسدون والطائفيون والمليشياويون. نحن تعبنا من هذه الأسطوانة المشروخة، تعبنا من أنصاف الحلول، ومن نفاق الدين المُسيّس، ومن الفتاوى التي تُصنع على مقاس الحاكم، ومن أولئك الذين يرفعون شعار حب الفقراء وهم يعيشون بين بذخ العواصم وملاهي الغرب.
اتركونا نعيش بكرامتنا، أو دعونا نموت بكرامتنا، لكن لا تستهينوا بعقولنا أكثر، لا تضحكوا علينا أكثر، لا تبيعونا الوهم أكثر. يكفينا ما فينا، والله يكفينا ما فينا.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذي قار… نشيد الزقورة، ملحمة الرجولة، ووهج الأهوار
- العباءة السوداء التي تخنق النيل: التغلغل الصفوي في مصر وخطره ...
- صرخة لوط في ليل الضياع: عبرة لمن غابت رجولته وتنكرت فطرته.
- العراق بين قبضة الطغاة ووهج الثورة: صحوة الوعي وميلاد الغضب ...
- -فضائيات بلا أفق... مذيعون من كوكب التملق... وبرامج للبيع في ...
- -حين يقاتل الحالمون: كيف يغيّر الإبداع مصير العالم رغم الثعا ...
- وجعٌ يشبهك
- في زمن العري والسفاهة... حين صار العرض بضاعة في سوق النخاسة ...
- البصرة: قصيدة الجنوب التي لا تنتهي
- سيرة -رجل من خيال الزمان... في دروب الحرف ومرافئ الروح-
- -أمل دنقل... نايُ الجنوب الذي عزف للكرامة على وتر الوجع-
- رحلة في جحيم -1984- حيث الحبر دم والحرية وهم.
- حين يتعطر الوجع بالورد
- -حين أكل الأمير لحم جسده.. أكل الملوك كرامتهم: صرخة في زمن ا ...


المزيد.....




- توثيق مشهد -خيالي- في السعودية..لوحة ناصعة البياض لم تشكلها ...
- تدافع مميت في الهند خلال احتفال بمباراة كريكيت يودي بحياة 11 ...
- اسم الدولة العربية والسبب.. البيت الأبيض يوضح حظر ترامب لموا ...
- تحت الشمس الحارقة... الحجاج يتوافدون إلى جبل عرفة لأداء الرك ...
- السيسي في أبو ظبي- هل ينطفئ لهيب التنافس المصري الإماراتي في ...
- غضب ضد واشنطن بعد فيتو ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار في غزة ...
- لحظات الرعب الأخيرة.. نوبة هلع تدفع مؤثرة شهيرة لفك حزام مظل ...
- السفير الإيراني: ننتظر زيارة بوتين قريبا
- مشروع لإطلاق أقمار صناعية إلى الشمس للحماية من التوهجات
- اختتام اختبارات وحدة الهبوط لمسبار -لونا - 27- القمري الروسي ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - كهنة الخراب: حين يتوضأ النفاق بدموع الفقراء