أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - صرخة لوط في ليل الضياع: عبرة لمن غابت رجولته وتنكرت فطرته.














المزيد.....

صرخة لوط في ليل الضياع: عبرة لمن غابت رجولته وتنكرت فطرته.


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 00:08
المحور: قضايا ثقافية
    


حامد الصبياني

تبدأ الحكاية في مدينةٍ كانت تحمل على أكتافها خطيئةً ثقيلةً، مدينةٌ لم تكن تعرف من معاني الطهر إلا اسمه، مدينة سُميت "سدوم"، لكنها لم تكن سوى مستنقعٍ للفساد، وكهفٍ مظلمٍ لكل شهوةٍ منحرفة.كان النهار يمضي بثقلٍ على تلك الأرض، والشمس تلفح وجوههم كأنها تُنذرهم بحرارتها بالعذاب القادم، لكن القلوب التي انطفأ فيها نور الفطرة لم تكن تبالي، فقد اختاروا أن يسيروا في دربٍ معوجّ، تركوا الرجولة خلفهم، وأغلقوا أبواب الغيرة والحياء، حتى صارت رجالهم أشباه رجال، ونساؤهم صرن بلا أنوثة، وانهارت الفطرة بين يديهم كما ينهار الرمل بين أصابع الأطفال العابثين.وفي ذلك المشهد الثقيل، كانت هناك جارية بسيطة، ابنة نبيّ، خرجت لتجلب الماء من أطراف المدينة، وعلى ضفة النهر لمحت رجالا غرباء، بملامح غريبة، كأنها تشع نورًا لا يُشبه نور الأرض. سألوها: "يا جارية، هل من منزلٍ يأوينا؟"تجمدت الكلمات في حلقها، فهي تعرف ما سيفعله قومها بهؤلاء الرجال لو علموا بوجودهم، قالت وقد ارتجفت روحها خوفًا وحياء: "مكانكم، لا تدخلوا حتى أخبر أبي وآتيكم".
ركضت نحو بيت أبيها، ولهاثها يسبقها، خائفةً على ضيوف الله من وحوش البشر، دخلت على لوط عليه السلام وقلبها يقرع كطبول الحرب: "يا أبتِ، قومٌ غرباء، وجوههم غير مألوفة، يسألون عن منزل".ارتجف لوط، كأنما طُعن في خاصرته، وعيناه تترقرقان بخوفٍ من المجهول. هرع إليهم، يجرُّ خطاه على الأرض، يلهث من وقع الفاجعة القادمة، ولما رأى ضيوفه، اشتد عليه الكرب حتى قال كلمته التي خرجت من أعماق روحه الموجوعة: "هذا يوم عصيب".
كان لوط يحمل في صدره صراعًا مريرًا، بين كرم الضيافة الذي أمره به الله، وبين شر قومه الذي يخشى أن يصيب ضيوفه، قال لهم وهو يحاول صرفهم: "لا أعلم على وجه الأرض أخبث من أهل هذا البلد"، همس بها كأنها رجاءٌ بلسان القلب، لكن الضيوف كانوا ساكنين، لا يبدو عليهم الجزع، وكأنهم على موعد مع قدرٍ مكتوب.
سار بهم إلى بيته، يُسرع بهم قبل أن يراهم أحد، لكن زوجته - تلك المرأة التي لم تعرف للوفاء معنى - كانت ترقب المشهد بعيونٍ ملأها الحقد، وما إن دخل لوط مع ضيوفه حتى تسللت كالأفعى، تُلقي بالخبر في آذان القوم، وكأنها تُشعل النار في الهشيم.انتشر الخبر كالصاعقة، وبدأت المدينة تتزلزل بخطواتهم، يُسرعون إلى بيت لوط كأنما يُساقون إلى حفلتهم الآثمة، وجاؤوا يركضون، وجوههم تفيض شهوةً وقلوبهم غلفت بالشهوة حتى صاروا لا يرون في الرجال إلا مطيةً لشهوتهم الحقيرة.وقف لوط عند الباب، ودموعه تكاد تسيل على وجنتيه، ينظر إليهم وهم يحيطون ببيته كالغربان السود، يطرقون الباب بوقاحة، يُنادونه، يُطالبونه بما لا يُطلب.
قال لهم وقد امتلأ قلبه بالحزن والأسى: "هؤلاء بناتي، هن أطهر لكم"... لا يقصد بناته من صلبه وحدهن، بل بنات القوم جميعًا، النساء الطاهرات اللاتي خلقهن الله لتكون رحمهن مهبط الفطرة السوية.
أين ذهبت رجولتكم يا قوم؟ أين غيرتكم؟ كيف قلبتم فطرة الله التي فطر الناس عليها؟!
هل صار الرجل يُفتن بالرجل، والأنثى تُزاحم الرجال في خصالهم حتى صار البيت مقلوبًا، والأرض مائلةً إلى شهوةٍ مسمومة؟!
ألم تشعروا بعد أن الرجولة ليست شنبًا يُطلق، ولا جسدًا يُعضل، بل الرجولة موقف، نخوة، غيرة، شهامة، حماية للضعيف، وصون للعِرض.
ألم تدركوا بعد أن المرأة ليست رجلاً آخر بثوبٍ مختلف، بل هي رقةٌ وحنان، دفءٌ وسكن، خُلقت لتُكمل الرجل، لا لتصارعه في ميادين الفحولة.
لكنهم لم يسمعوا لكلمات لوط، فقد ماتت فيهم الفطرة، وصاروا عبيدًا لشهوتهم.
وهنا.. وفي لحظةٍ فارقة، نطق الملائكة بالكلمة:
"يا لوط، إنا رسل ربك، لن يصلوا إليك"، ثم رفعوا أصواتهم بالعذاب الموعود، فانقلبت المدينة عاليها سافلها، وسُوِّيت بالأرض، كأنها لم تكن، وتلك الصيحة التي دوت في السماء، كانت آخر ما سمعه قوم لوط، آخر ما تركوه في دنياهم المنكوسة.فيا أيها الشاب الذي بدأت تتنازل عن رجولتك، توقف!قبل أن تُصبح صورةً أخرى من قوم لوط، قبل أن تبيع نخوتك مقابل شهوةٍ حقيرة.يا من تمارس التخنث في لبسك ومظهرك وكلامك، هل تظن أن الرجولة تتحدد بمقاس بنطالك؟!يا من تضع المساحيق وتتكسر في المشي، تذكّر أن الله خلقك لتكون سندًا، رجلًا، فلا تهدم فطرة الله بيديك.ويا أيتها المرأة التي "،غتُريدين أن تكوني رجلاً، ألا تخشين أن تنزعي عنك تاج الأنوثة، لتضعي على رأسك خوذة الجفاء؟!اتركي ما ليس لكِ، وكوني كما أرادك الله: أنثى ناعمة، حنونة، تُكملين رجولة الرجل، لا تنافسينه عليها.إن في قصة لوط آيةً وعبرة، إنها ليست حكاية من زمنٍ غابر، بل تحذير صارخ لنا في هذا الزمان الذي استرخت فيه القيم، وانهارت فيه الحدود.فلنتق الله، ولنتذكر أن الشهوة إذا أُطلقت من عقالها، أحرقت صاحبها قبل غيره، وأن الرجولة شرف، والأنوثة نعمة، ولا خير في أمةٍ ضاعت فيها الفطرة، وانقلبت فيها الأدوار.اللهم احفظنا من فتنة آخر الزمان، وثبتنا على دينك، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.اللهم لا تجعلنا من القوم الذين بدلوا نعمتك كفرًا، ولا من الذين نسوا الفطرة فنسيتهم.يا رب، اجعلنا ممن يسقون الماء في حر الحرم فيدعون لهم الحجيج في أطهر بقاع الأرض، ولا تجعلنا ممن استحقوا العذاب كما استحقه قوم لوط... آمين.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق بين قبضة الطغاة ووهج الثورة: صحوة الوعي وميلاد الغضب ...
- -فضائيات بلا أفق... مذيعون من كوكب التملق... وبرامج للبيع في ...
- -حين يقاتل الحالمون: كيف يغيّر الإبداع مصير العالم رغم الثعا ...
- وجعٌ يشبهك
- في زمن العري والسفاهة... حين صار العرض بضاعة في سوق النخاسة ...
- البصرة: قصيدة الجنوب التي لا تنتهي
- سيرة -رجل من خيال الزمان... في دروب الحرف ومرافئ الروح-
- -أمل دنقل... نايُ الجنوب الذي عزف للكرامة على وتر الوجع-
- رحلة في جحيم -1984- حيث الحبر دم والحرية وهم.
- حين يتعطر الوجع بالورد
- -حين أكل الأمير لحم جسده.. أكل الملوك كرامتهم: صرخة في زمن ا ...


المزيد.....




- القوات الروسية تواصل تقدمها بنطاق مدينة رئيسية في شمالي أوكر ...
- -أوقِفوا الجرافات! بدو إسرائيل ليسوا مشكلة تخطيط- - هآرتس
- السودان: هجوم على قافلة أممية في دارفور وسط تحذيرات من -أسوأ ...
- -كمين جباليا-.. الجيش الإسرائيلي يكشف تفاصيل مقتل جنوده الثل ...
- المستشار الألماني: حكم قضائي واحد لن يوقف حملتنا على الهجرة ...
- الإمارات.. إطلاق سراح مئات السجناء لمناسبة الأضحى
- بسبب تشيلسي وأوكرانيا.. بريطانيا تهدد بمقاضاة أبراموفيتش
- مشروع عقوبات جديدة على النفط الروسي قد تعرض الاتحاد الأوروبي ...
- هل تتعرض مصر لزلزال عنيف؟.. رئيس قسم الزلازل يعلق لـRT
- لجنة التحقيق الروسية تصنف حادثة الجسرين في مقاطعتي بريانسك و ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - صرخة لوط في ليل الضياع: عبرة لمن غابت رجولته وتنكرت فطرته.