أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -فضائيات بلا أفق... مذيعون من كوكب التملق... وبرامج للبيع في سوق النخاسة الإعلامية!-














المزيد.....

-فضائيات بلا أفق... مذيعون من كوكب التملق... وبرامج للبيع في سوق النخاسة الإعلامية!-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8359 - 2025 / 5 / 31 - 11:37
المحور: قضايا ثقافية
    


في هذا العالم الموبوء بالضجيج، حيث تترنح الحقائق بين أيادي المهرجين الجدد، تطل علينا القنوات الفضائية كالأطياف الهشة في ليلة عاصفة، بلا روح، بلا فكر، بلا مبدأ... قنوات تقفز بين الفكرة والفكرة كراقصة باليه تعثرت في منتصف المسرح، لا تعرف من أين تبدأ ولا إلى أين تصل، لكنها مصرة أن تُظهر ساقيها أمام الجميع، وكأن هذا وحده يكفي لإقناع الجمهور أن ثمة شيئًا ما يُقال!انظر إلى تلك البرامج، إلى تلك الوجوه المتملقة التي تلمع أكثر من لمعان إضاءة الاستوديو، إلى تلك المقدمات اللاتي خرجن لتوهن من صالونات التجميل لا من مختبرات الفكر، يحركن شفاههن المدهونة بلون السوق، يتمايلن أمام الكاميرا كأنهن في إعلان لماركة عطور رخيصة، يسألن أسئلة لا تُسمن ولا تُغني من جوع، من طراز: "شنو رايك بالعراق؟"، "تحب البصرة لو بغداد؟"، "شنو أكثر شي تحبه بالأكل؟"، وكأن العراق صار مطعماً للوجبات السريعة! ثم يأتينك بضحكة مصطنعة تُشبه زقزقة ببغاء مسجون في قفصه الذهبي، لا تعرف هل تضحك معهن أم تبكي على هذا الخراب الناعم.
وهل سألتَ نفسك يومًا لماذا تُدفع الملايين هنا وهناك؟ لماذا يتحول المذيع إلى تاجر شنطة، يحمل بضاعته على ظهره، يسوّق لهذا ويُمجّد ذاك، يبيع صوته وضميره وابتسامته القشرية لمن يدفع أكثر؟ تراه البارحة يُهلل لفلان، واليوم يمجّد خصمه، وغدًا يركض خلف ثالثهم، لا مبدأ يحكمه، لا خط أحمر يردعه، المهم أن يملأ جيبه الفارغ، وأن يتباهى بسيارة جديدة أو ساعة ماركة، وأن يملأ البث بعبارات مثل "هذا حقكم... لازم ندافع عنكم... ما راح نسكت!" ثم، وما أن تأتيهم بادرة من تحت الطاولة، تراه ينقلب على عقبيه، يبتلع لسانه، وينسى ما كان بالأمس يصيح به كما يصيح ديك صاخب في زريبة خاوية!
أما تلك البرامج التي تُرفع شعاراتها كالأعلام فوق السفن الغارقة: "برنامج للدفاع عن حقوق المواطن!"، "برنامج يكشف الفساد!"، "برنامج صوت الناس!"، فلا تكاد ترى حلقة واحدة إلا وتُدرك أنها مجرد مسرحية هزلية، حيث المقدم – الذي يبدو كأنه لتوّه تعلم القراءة – يرفع عقيرته بالصراخ عن الظلم والمعاناة، يذرف دموعًا مصطنعة، يصرخ بوجه الضيوف، يضرب الطاولة بقبضته، حتى تظن أنك أمام ثائر من طراز جيفارا... ثم، ويا للعجب، ما أن يُلقى في جيبه بعض "التحلية"، ترى الحلقات المقبلة وقد انقلبت رأسًا على عقب، صار من كان بالأمس ظالمًا بطلًا، ومن كان مظلومًا مشاغبًا، وانقلبت لغة البرنامج إلى لغة "التطبيل"، وابتلع المذيع كل شعاراته الجوفاء كما يبتلع حبة دواء مرّة دون ماء!ثم يحدثونك عن "الشرف الإعلامي"، عن "الأمانة المهنية"، عن "الحيادية"، عن تلك القيم التي صارت تُباع في السوق السوداء، يُزايد عليها البعض كما يُزايد التجار على السلع الفاسدة. ترى المذيع يتحدث عن الشرف وكأنه قسيس يعتلي المنبر، بينما يعرف الجميع أنه بلا شرف، بلا ذمة، بلا ضمير، بلا أي شيء سوى القدرة الفائقة على الالتفاف والمراوغة والتمثيل الرديء أمام الكاميرا... حتى صار بعضهم كالممثلين في أفلام الدرجة الثالثة، يغيرون أدوارهم حسب السيناريو المكتوب لهم، دون خجل، دون حياء، بل وبفخر وكبرياء.أما تلك الفضائيات، فهي أشبه بسوق نخاسة معاصرة، تعرض وجوهًا وألسنة وأصواتًا للبيع، من يدفع أكثر، يكسب أكثر، ومن يصرخ أعلى، يُعطى أكثر، ومن يفتعل الفتنة، يُكرّم أكثر، حتى صار الإعلام حلبة مصارعة، والمشاهدون مجرد متفرجين مخدوعين، يصفقون لهذا أو ذاك، بينما الحقيقة تُدفن تحت ركام الضجيج، تحت "فواصل إعلانية" لا تنتهي، تحت موسيقى صاخبة تُغطي على الفكرة الهشة، تحت إضاءات مبهرجة تخفي العتمة الكاملة خلف الكواليس.ولا تسأل عن الكفاءات... فما الحاجة إلى كفاءة حين يمكنك أن تأتي بوجه جميل، بصوت رخيم، بضحكة مائعة، وتدفع له "مخصصات" تجعل منه نجمًا في ليلة وضحاها؟ وما الحاجة إلى فكر حين يمكنك أن تُطعم المشاهدين وجبات سريعة من الترفيه الفارغ والضحك المفتعل والحوارات السطحية؟ وما الحاجة إلى برامج حقيقية عن الحقوق والمظالم حين يمكنك أن تصنع "شو إعلامي"، تصرخ، تشتم، تبكي قليلاً، ثم تغلق الملف بعد أن تصلك الحقيبة الموعودة؟هكذا تسير القنوات... وهكذا تسير الأمور... وهكذا يبقى المشاهد مغلوبًا على أمره، يبحث عن الحقيقة فلا يجدها، يبحث عن منبر حر فيجد مسرحًا للتهريج، يبحث عن مذيع شريف فيجد بائعًا يروج لبضاعة فاسدة... وأما السؤال الأهم: إلى أين نمضي بهذا الخراب؟ فالجواب، يا سيدي، بسيط جدًا: إلى اللاشيء... إلى الفراغ الكبير... إلى العدم الإعلامي... إلى حيث يصبح الضجيج لغة، والسطحية ثقافة، والضحك المصطنع بديلاً عن الفكر، والبرامج التافهة وسيلة لتخدير العقول.فهل من أمل في هذا الركام؟ أم أن الشاشات ستبقى مرتعًا للمتسلقين، والمنافقين، والمهرجين الذين يبيعون ضمائرهم في سوق الفضائيات...؟ الله وحده أعلم...



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -حين يقاتل الحالمون: كيف يغيّر الإبداع مصير العالم رغم الثعا ...
- وجعٌ يشبهك
- في زمن العري والسفاهة... حين صار العرض بضاعة في سوق النخاسة ...
- البصرة: قصيدة الجنوب التي لا تنتهي
- سيرة -رجل من خيال الزمان... في دروب الحرف ومرافئ الروح-
- -أمل دنقل... نايُ الجنوب الذي عزف للكرامة على وتر الوجع-
- رحلة في جحيم -1984- حيث الحبر دم والحرية وهم.
- حين يتعطر الوجع بالورد
- -حين أكل الأمير لحم جسده.. أكل الملوك كرامتهم: صرخة في زمن ا ...


المزيد.....




- -الترفيه لعبتنا-.. تركي آل الشيخ يعلق على لقاء مع سيمون كاول ...
- هيفاء وهبي بإطلالة غير كلاسيكية..جوارب رياضيّة وكعب عالٍ
- ملجأ قديم في إنجلترا.. حقيقة فيديو -اكتشاف نفق من باب المندب ...
- إيران تتّهم الأوروبيين بعدم احترام الاتفاق النووي وتستعد لجو ...
- إسرائيل تهاجم ميناء الحُديدة.. وكاتس يتوعّد الحوثيين: اليمن ...
- لبنان يردّ على المقترح الأميركي.. وبرّاك: مصير سلاح حزب الله ...
- بعد عقود من الجدل.. هل آن أوان إعادة الثقة في العلاج الهرمون ...
- مداهمات أمنية في برلين بشبهة نشر دعاية متطرفة إسلاموية بالأن ...
- فرنسا: أكثر من مليون توقيع رفضا لتشريع استخدام مبيد زراعي فم ...
- إيران تتهم الترويكا الأوروبية بعدم احترام الاتفاق النووي


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -فضائيات بلا أفق... مذيعون من كوكب التملق... وبرامج للبيع في سوق النخاسة الإعلامية!-