أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العباءة السوداء التي تخنق النيل: التغلغل الصفوي في مصر وخطره الداهم














المزيد.....

العباءة السوداء التي تخنق النيل: التغلغل الصفوي في مصر وخطره الداهم


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 08:48
المحور: قضايا ثقافية
    


على ضفاف النيل، حيث يترقرق الماء وتتدفق الحياة، يلوح في الأفق شبح قديم، كأنه ظل بعيد ظل يحوم حول أرض الكنانة، ينتظر لحظة الضعف، يغرس مخالبه في التراب الطيب، يمد أذرعه بين الأزقة والشوارع، يندس في الزوايا المظلمة، يتربص في المساجد والجامعات، في الحلقات والدروس، وفي الخطاب العاطفي الذي يحاكي البسطاء، وفي الدعوات البراقة التي تلوح بالعدل والإنصاف، لكنها تخفي في جوفها سم الأفاعي. إنه المشروع الصفوي الخبيث، الذي لم ينس مصر منذ أن أسقط صلاح الدين الأيوبي الدولة الفاطمية، واقتلع جذور تلك الحقبة التي كانت خنجرا مسموما في خاصرة الأمة.
ها هم اليوم، وقد تكسرت أحلامهم في الشام، وتقهقرت خيولهم في دمشق، يسعون جاهدين لإحياء ماضٍ دفين، يحلمون بعودة الدولة الفاطمية لا كذكرى عابرة في كتب التاريخ، بل ككابوس حي يُخيم على الأمة من جديد، مستغلين لحظة الضعف، ولحظة التيه، ولحظة الضياع بين صراعات السياسة، وأوجاع الاقتصاد، وانكسار النفوس التي باتت تبحث عن ملاذ ولو كان سرابا.تبدأ الحكاية من هناك، من قم، من حيث ينسج الملالي خيوطهم الطويلة، خيوط لا تُرى إلا حين تتشابك حول الرقاب، حين تُحكم قبضتها على القلوب والعقول. هناك، يرسمون خارطة التمدد، ويخططون بخبث بالغ، ينظرون إلى مصر لا كدولة فقط، بل كميدان للغزو، كمفتاح لبوابة كبرى تمتد إلى المغرب العربي، إلى إفريقيا، إلى البحر الأحمر، إلى قلب الأمة وروحها.
حين سقط المشروع الصفوي في الشام، وعادت دمشق إلى حضن العروبة ولو مجروحة، لم يعد أمامهم إلا البحث عن جبهات بديلة. العراق؟ أصبح قلعتهم الحصينة، محطة تموينهم، خزان مالهم، مستودع ميليشياتهم، منصة إعلامهم، ومركز تصدير فكرهم، ومنه ينطلقون إلى العالم العربي. العراق، ذلك البلد الذي كان يوما منارة، صار اليوم جسرا يُعبَر عليه إلى مصر، إلى تونس، إلى كل مكان يمكن أن تصل إليه أذرعهم، حيثما وجد الضعف، وحيثما استشعروا الثغرات.
في مصر، المشهد يبدو أكثر خطورة مما يُرى على السطح. هم لا يتحركون علنا في مواكب ولا يرفعون راياتهم في الساحات، بل يتسللون كما يتسلل الماء بين الشقوق، يغزون القرى، يدخلون عبر النشاطات الثقافية، الجمعيات الخيرية، الندوات التي تحمل عناوين براقة عن الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب، يهمسون في آذان المثقفين عن ضرورة الانفتاح على الآخر، يستميلون الفقراء بشعارات العدل والكرامة، يوقدون نار الفتنة الطائفية بحجة الدفاع عن "أهل البيت"، وهم في حقيقتهم لا يريدون إلا أن يُشعلوا النار التي لا تبقي ولا تذر.إنهم يستغلون كل فرصة، كل حدث، كل أزمة. تجدهم يطرقون الأبواب حين تشتد الأزمة الاقتصادية، يعرضون المساعدات، يقدمون القروض، يتبرعون للمشاريع، يشترون القلوب بالمال، ثم بالعقيدة، ثم ينسجون حول الضحايا شبكة كثيفة من الولاء والارتباط الفكري والوجداني، حتى يجد هؤلاء أنفسهم في قلب المشروع دون أن يشعروا.
المشروع الصفوي في مصر ليس حلما عابرا ولا مؤامرة يُستهان بها. هو مشروع قديم متجدد، بدأ مع الدولة الفاطمية، وها هو يعود في عباءة جديدة، مستغلا لحظة الضعف كما استغلها الفاطميون ذات يوم، حين دخلوا إلى مصر عبر بوابة الدعوة البراقة، ثم سرعان ما صاروا أصحاب السيف والقرار، وحوّلوا الأزهر الشريف منارة سنية إلى حصن صفوي قبل أن يعيده صلاح الدين إلى أصله الطاهر. اليوم، يعيدون الكرّة، لكنهم أكثر دهاء، وأقدر على التخفي، وأبرع في اللعب على أوتار العقيدة.
والأخطر من ذلك أن العراق، الذي كان يوما درعا للعرب، صار اليوم منصة لإطلاق هذا السم الزعاف. من هناك، تُبث القنوات، وتُكتب الكتب، وتُنفق الأموال، وتُجهز الحملات. العراق الذي يعاني من جراحه، صار بئرا يسقون منه كل مشروعهم، وأرضا خصبة يزرعون فيها بذور الفتنة، ثم يقطفون الثمار في مصر وتونس، وفي المغرب والسودان، وفي اليمن والبحرين، وكل مكان يمكن أن يصلوا إليه.
إنها معركة عقيدة بقدر ما هي معركة نفوذ، معركة وجود بقدر ما هي معركة حدود. لا يجب أن ننظر إلى هذا المشروع بعين الاستهانة أو بعين التجاهل. إنهم لا يتحركون عبثا، ولا ينفقون أموالهم حبا في الخير، بل يسعون لإعادة إنتاج دولة صفوية كبرى، ترفع راية الفاطميين من جديد، وتعيد تشكيل الخارطة كما يحلمون بها، وكما يرسمونها في ظلام الغرف المغلقة.
يا مصر، احذري هذا الطوفان، فإنهم قادمون بثياب الواعظين، وبكلمات الوحدة، وبخطاب التقريب، لكن تحت هذه الثياب خناجر مسمومة، وتحت هذه الكلمات مشروع هدم واستئصال، وتحت هذا الخطاب حلم قديم يريدون إحياءه على أنقاض الأمة.الحذر الحذر، فإنهم يتسللون كما تسلل أسلافهم، يتخفون خلف الرايات البراقة، يغزون القلوب قبل أن يغزوا الأرض، وحين يتمكنون، لا يتورعون عن خنق النيل، وإغراق مصر في ظلمات لا قرار لها.هذه ليست كلمات مبالغ فيها، ولا حديث في ساعة غضب، بل هو صوت من عرف التاريخ، وعاش مآسي الأمة، وقرأ في كتب الفتن صفحات لا تزال تتكرر. إن التهاون في هذا الخطر هو السماح بإعادة التاريخ في صورته الأشد فتكا. صلاح الدين ليس هنا ليقتلع هذا الشر من جذوره، لكن الوعي سلاح، واليقظة درع، والوقوف صفا واحدا هو الطريق الوحيد للنجاة.يا مصر، لا تسمحي لهذا الظل أن يتمدد، لا تسمحي لهم أن يغرسوا أقدامهم في ترابك الطاهر، ولا أن يلوثوا ماء النيل الذي شرب منه الأنبياء والأولياء. احذري، فإن التغلغل الصفوي ليس مجرد فكرة، بل هو سكين ينتظر أن يُشهر من جديد في قلب الأمة.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صرخة لوط في ليل الضياع: عبرة لمن غابت رجولته وتنكرت فطرته.
- العراق بين قبضة الطغاة ووهج الثورة: صحوة الوعي وميلاد الغضب ...
- -فضائيات بلا أفق... مذيعون من كوكب التملق... وبرامج للبيع في ...
- -حين يقاتل الحالمون: كيف يغيّر الإبداع مصير العالم رغم الثعا ...
- وجعٌ يشبهك
- في زمن العري والسفاهة... حين صار العرض بضاعة في سوق النخاسة ...
- البصرة: قصيدة الجنوب التي لا تنتهي
- سيرة -رجل من خيال الزمان... في دروب الحرف ومرافئ الروح-
- -أمل دنقل... نايُ الجنوب الذي عزف للكرامة على وتر الوجع-
- رحلة في جحيم -1984- حيث الحبر دم والحرية وهم.
- حين يتعطر الوجع بالورد
- -حين أكل الأمير لحم جسده.. أكل الملوك كرامتهم: صرخة في زمن ا ...


المزيد.....




- رجل يدّعي هروبه من سجن بأمريكا يتوسل لترامب ومشاهير لمساعدته ...
- خريطة توضح موقع -جسر القرم- الذي فجرته أوكرانيا.. ومدى أهميت ...
- التونسي هشام الميراوي... رجل -طيب سخي- راح ضحية جريمة عنصرية ...
- -نريد لقمة العيش بكرامة-.. فلسطينيون يتحدثون لـCNN بعد مقتل ...
- القصف الإسرائيلي يستهدف الأبراج السكنية في غزة | بي بي سي تق ...
- ما هي مراحل توسعة الحرم المكي عبر التاريخ؟
- أمين عام الناتو: مسألة انضمام أوكرانيا للحلف لا زالت مطروحة ...
- غزة: مقتل العشرات وإستهداف مستشفى في دير البلح والحصيلة الإج ...
- تركيا تثبت أقدامها في سوريا.. دعم للقوات الحكومية وانتشار طو ...
- الحكومة الإسرائيلية مهددة بالانهيار بسبب خلاف الخدمة العسكري ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العباءة السوداء التي تخنق النيل: التغلغل الصفوي في مصر وخطره الداهم