أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -حكاية الحنفيش ومجزرة الذاكرة الانتقائية-














المزيد.....

-حكاية الحنفيش ومجزرة الذاكرة الانتقائية-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8371 - 2025 / 6 / 12 - 21:46
المحور: قضايا ثقافية
    


حامد المجمعي
كان يا ما كان، وليس كل ما كان يُروى، لكن في العراق، كل ما يُروى يُصدّق، وإن جاوز حدود التصديق. كما كانت جدّتنا، رحمها الله، تحكي لنا عن الحنفيش، تلك الكائنات الغريبة التي تسكن شقوق الجدران، وتهاجم الناس في عتمة الليل، وتدخل من ثقب المفتاح لتسرق "العافية"، وتزرع الفقر في البيوت.كنا نضحك حين نسمعها، نصدّقها ونحن نعلم في قرارة أنفسنا أن الحنفيش لا وجود لها. لكنّ ما يجري في هذه البلاد يجعل من الخرافة واقعًا، ومن الواقع خرافة، ومن الحقيقة نكتةً لا تضحك أحدًا.في صيفٍ أسود من عام 2014، كانت الشمس تضرب العراق كأنها تفضح ما في النفوس، قبل أن تجفف ما تبقى من الأنهار. وفي تكريت، تحديدًا في قاعدة سبايكر، قُتل 1700 شاب، بعمر الورد، وبعمر الأحلام، بحجم الحنين إلى أمهاتهم. كانوا بلا سلاح، بلا غطاء، بلا ذنب، سوى أنهم وقعوا أسرى في يد خيانة مزدوجة، وقُدّموا قرابين في مجزرة بُنيت على الغدر والخذلان.
لقد كانت سبايكر نكسةً في الضمير الإنساني، ووصمةً في جبين من صمت، ومن برر، ومن استثمر دماءهم في سوق المزايدات الطائفية، وكأن دمهم صار عملةً سياسية تُصرف في مواسم الغضب والتجييش.نحن لا نملك إلا أن ندين هذه المجزرة البشعة، كما ندين كل قطرة دم عراقي سالت على هذه الأرض الجريحة. لكن من أراد أن يتذكّر سبايكر، فعليه أن يتذكّر معها الموصل، المدينة التي سقطت قبل أن تُطلق رصاصة واحدة. أين ذهبت الخطط؟ من سلّم المفاتيح؟ من كتب السيناريو؟ من وقّع على خيانة الانسحاب.في الموصل، لم يُقتل 1700، بل أكثر من 62 ألف إنسان قضوا بين أنقاض بيوتهم، منهم من دُفن حيًّا، ومنهم من احترق، ومنهم من لم يُعرف له اسم ولا شاهد قبر. كانت حربًا باسم التحرير، لكن الكارثة كانت أكبر من الإرهاب، كانت سحقًا جماعيًّا لكل ما له اسم إنساني، بحجّة تخليص المدينة من داعش.إذا كنت تبكي سبايكر، فاذرف دمعك أيضًا على ضحايا جسر بزيبز، أولئك الذين افترشوا الأرض بين نارين: موت من خلفهم، ومذلّة من أمامهم. ولا تنسَ ضحايا سارية والإمام ويس، والبيوت المنهوبة و"المصايف" و"الأغنام" التي بيعت في المزادات، وكأنها غنائم حرب في زمنٍ بلا شرف.نحن لا نطلب نسيان سبايكر، بل نطلب العدل في الذاكرة، وأن توزن الدماء بمكيالٍ واحد. لا أن تتحول المجازر إلى "أيقونات طائفية"، يُمجّد ما يوافقنا ويُلقى في النسيان ما يؤلمنا. إما أن نتذكّر كل شيء، أو ننسى كل شيء، أما أن تبكي يومًا وتصفّق في اليوم التالي، فهذه ليست عدالة، بل نفاق مُغطّى بكفنٍ أنيق.ثم نصل إلى فصل الكوميديا السوداء: أولئك الذين يُفترض أنهم كانوا قادة. فرّوا ببدلاتهم العسكرية المكوية، وتركوا الجنود حفاةً عراةً بين فكي الوحش. قائد القوات البرية؟ حيّ يُرزق، يُدلينا بتصريحات بين حين وآخر عن الأمن! والغراوي؟ ما زال يتنقل من منصة إلى أخرى. أما ذاك الذي علمهم كيف تكون الهزيمة فنًّا، فلا زال يُبجّل في الخفاء ويُنسى في العلن...أين العدالة؟ هل هربت معهم؟ أم تم تهريبها في صناديق الذخيرة الفارغة؟..كل شيء في العراق ممكن… أن يُقتل الأبرياء، وأن يُسجن الأحياء، وأن يُكرّم الخونة، وأن يُنسى الشهداء.كل دم عراقي مقدّس، من الموصل إلى سبايكر، من الفلوجة إلى الكرادة، من الأنبار إلى الكاظمية. لكننا لن ننهض كأمّة، ما لم نعترف أن من قتلني بالأمس لا يحق له أن يبكيني اليوم فقط لأنه قُتل لاحقًا.نحن ضحايا الجميع… ضحايا القاتل، وضحايا من ادّعى الحزن، وضحايا من صمت دهرًا ثم نطق حين صار الموت عليه.
وفي الختام، يا جدّتي… قولي لنا بصراحتك القديمة:هل كانت الحنفيش خرافةً حقًّا؟
أم أنكِ كنتِ تُلمّحين إلى أولئك الذين يسكنون جدران السلطة، على هيئة جنرالات وساسة، يخرجون في الليل ليسرقوا "عافية العراق"، ثم يعودون قبل شروق الحقيقة؟



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -حينَ صارَ العيدُ مأتماً في الحويجة-
- دمعةُ الغبار
- -الهلال الملوث: كيف صدّرت إيران ثورتها من خيوط العمامة إلى ج ...
- حين مزّق كسرى الرسالة: سُقوطُ العرشِ وتوريثُ الحقد — من تمزي ...
- -من الرقص على التكتك إلى السقوط من رفوف الوعي-
- لماذا بنو أميّة تحديدًا.
- -ديمقراطية على ضوء القمامة.. وحبر الانتخاب في يد السنونو!-
- -منفى الرمق الأخير-
- هاتف الثلج.. الناطق بلسان وطن لا بلسان سلطان.
- -ضباب لم يأتِ-
- السرير الكَمّي: بين وهج الوعد الكوني وسكون الحقيقة العلمية-
- -الجيب العراقي... الحبل السري لاقتصاد طهران-
- العيد الذي غادرني
- بهرز… حين يصير النسيم تاريخًا ناطقًا بحضارة الألف عمر.
- كردستان... حيث يولد السلام من رحم الجمال
- حين تبتلع الأرض أبناءها... دجل الوطن وضياع القضايا-
- -اللص الشريف... عضو البرلمان الموقّر-
- كهنة الخراب: حين يتوضأ النفاق بدموع الفقراء
- ذي قار… نشيد الزقورة، ملحمة الرجولة، ووهج الأهوار
- العباءة السوداء التي تخنق النيل: التغلغل الصفوي في مصر وخطره ...


المزيد.....




- الأهداف والخسائر والرد المتوقع.. كل ما تحتاج معرفته حول الهج ...
- ترامب لـ-وول ستريت جورنال-: هجمات إسرائيل على إيران -رائعة ل ...
- فيديو متداول لـ-رد إيران- على هجمات إسرائيل.. هذه حقيقته
- -ليس وقت الحرب العالمية الثالثة-: مواقع التواصل تتفاعل مع ال ...
- -إسرائيل لا تستطيع تدمير المعرفة النووية التي راكمتها إيران- ...
- إعلام عبري يكشف مصير قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني بعد الهجو ...
- إيران تؤكد استمرارها بالعمل على برنامجها النووي رغم الضربات ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مواصلة هجماته على إيران
- مصر.. اتصالات أوروبية وعربية بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران ...
- عالقات في بغداد.. نجمة مصرية وإعلامية شهيرة تستغيثان بسبب هج ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -حكاية الحنفيش ومجزرة الذاكرة الانتقائية-