حامد الضبياني
الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 20:06
المحور:
قضايا ثقافية
أنا ابنُ الزَّمنِ المحروق،
ولدني الحنينُ على رُكَبِ الغبار،
وربّتني الخيبةُ كما تُربّي الحربُ أبناءَها في أحضانِ المقابر.
يا ليتني
صوتٌ لا يسمع،
أو صدىً يتكسرُ في جبينِ الجبال،
فأنا الوجعُ حين يسهرُ الماءُ عطشانًا
في جوفِ ناقةٍ
تئنُّ تحتَ الرمالِ المتحرّكة،
وتحلمُ أن تموتَ وقوفًا…
فلا تموتُ ولا تصلُ.
كتبتُ على جدرانِ قلبي: أحبكِ…
فارتجفَ القلم،
واحترقَ الحبرُ في عينيّ،
ونبتَ من شفتيّ زهرُ صمتٍ،
كأنّ الكلامَ استقالَ من البلاغة،
وآثرَ أن يُجنّدهُ الغياب.
أحببتُها…
كمدينةٍ من الضوء،
كأنّها بغدادُ حينَ تنسى الحروبُ أن تهدمَها،
كأنها حلبُ قبلَ أن تنكسرَ جدرانها بصوتِ الله أكبر،
لكنّي، حين دنوتُ من أبوابِها،
رأيتُ الجمالَ بلا نفس،
قمرًا بلا ليل،
أنوثةً تُصلّي للغيرةِ الخاوية،
كأنّها امرأةٌ تعانقُك لتطعنَكَ،
ثم تبكي على الدمِ الذي سفكتهُ يداها.
وتركتُها…
لا لأنّي كفرتُ بالحب،
بل لأني آمنتُ براحةِ البال،
بأنّ الصمتَ وطنٌ،
وأنّ المنافي أحنُّ من كلماتٍ تستفزُّ نزيفي كلّ مساء،
فالمحطاتُ كثيرة،
والدمعُ الذي تحتَ أقدامِنا
ليس ماءً… بل تاريخُ انتظاراتٍ
ركعَ فيها العاشقُ للأرضِ
وهو يحملُ قدميه كصلبانِ الغربة.
أنا الذي وعدتُ الضبابَ بالمطر،
وكتبتُ للعالمِ أن انتظروني… سأجيء،
لكنّي ما جئتُ،
فالضبابُ الذي وعدتُه،
كان يركضُ خلفي…
يركضُ في بياضِهِ الكاذبِ
كأنّه نبوءةُ سحابٍ
خدعتْ جميعَ القرى،
وتركتهم يرقصونَ على قبورِ السراب.
يا أنتِ…
لا تسأليني عن البلاغةِ،
فكلّ نحويَّاتي انتحرتْ
حين رقصتِ بحروفكِ في رأسي،
وكلُّ فصاحةٍ كنتُ أملكها
هوتْ تحتَ قدميكِ
كمدينةٍ تنهارُ من ضجيجِ النرجس.
ها أنا ذا،
أحملُ الحُبَّ كجرحٍ مبتسم،
والألمَ كحقيبةِ مسافرٍ
ضاعتْ من يدهِ التذكرة،
وأنا أكتبُني…
كأنّي القصيدةُ التي ما سبقني إليها أحد،
لأنّي ببساطة…
أنا الذي نسي الشعراءُ أن يكونوا أنا.
#حامد_الضبياني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟