أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - السرير الكَمّي: بين وهج الوعد الكوني وسكون الحقيقة العلمية-














المزيد.....

السرير الكَمّي: بين وهج الوعد الكوني وسكون الحقيقة العلمية-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 13:18
المحور: قضايا ثقافية
    


في صباحٍ يُشبه الحلم، يجلس شابٌ في مقتبل العمر في صالة منزلٍ صغير يراقب إعلانًا لسرير كمي على شاشة هاتفه الذكي. السرير لا يشبه الأسرة التي نعرفها، بل أشبه بكبسولة مستقبلية، تُشع أضواءً ناعمة تتراقص بلون الطيف، وتبث موسيقى أقرب إلى همس الكواكب. كان الإعلان يعده بشفاء من التوتر، وتحفيز للطاقة الخلوية، وحتى تجديد لجيناته المتعبة. وقد كُتب في أسفله بخطٍّ دقيق: "مدعوم بتقنيات الفيزياء الكمية وترددات العلاج الطاقي."
بدا الإعلان مُغريًا كقصة خرافية. لكن، في ردهات العلم، هناك دائمًا سؤال ينتظر بلهفة: "أين الدليل؟"ظهر ما يُعرف بـ"السرير الكمي" في العقد الأخير، مدعومًا بحملات تسويقية واسعة انتشرت كالنار في الهشيم في مواقع التواصل ومراكز الطب البديل. يتم الترويج له كجهاز خارق، يجمع بين الضوء والمغناطيس والصوت والذبذبات الكمية، ليكوّن ما يُشبه "الحقل العلاجي المقدس" الذي يستطيع – بحسب المزاعم – إعادة توازن الجسم، وتغذية الخلايا بطاقة ناعمة لا تُرى، وتحفيز النوم العميق، بل حتى محو آثار الأمراض القديمة.ولأن المصطلحات الرنّانة تسحر القلوب، سرعان ما انتشر المفهوم، ليس فقط بين مريدي الشفاء الروحي، بل حتى بين فئات تبحث عن المعجزة الطبية بعد أن خذلتهم المستشفيات أو طالت معاناتهم. أصبح السرير الكمي أيقونة للأمل الجديد – أملٌ يُشبه ضوء نجم بعيد لا نعلم إن كان حقيقياً أم انعكاسًا على عدسة من الضباب.
لكن، في حضرة العلم، لا يكفي أن يلمع الشيء حتى يكون ذهبًا.لفهم أصل التسمية، علينا أن نعود إلى كلمة "كمومي" أو "Quantum"، التي ولدت من رحم الفيزياء الحديثة في أوائل القرن العشرين. ظهرت هذه الكلمة أولاً في أعمال ماكس بلانك، ثم أينشتاين، وبعدهما هايزنبرغ وبور. كانت تشير إلى الطبيعة الغريبة للعالم الذري – عالمٌ لا تحكمه قواعد نيوتن الصارمة، بل الاحتمالات والاحتمالات المضادة، حيث يمكن لجسيم أن يكون في مكانين في الوقت نفسه، أو أن يتشابك مع جسيم آخر مهما ابتعد عنه، ويتأثر به في لحظة!هذه الأفكار ليست خيالاً علميًا، بل نُقِشت بمئات الأوراق البحثية وطبقتها تكنولوجيا مثل الحواسيب الكمومية وأجهزة الرنين النووي المغناطيسي. لكن، وبين تلك الحقائق الصلبة، تسللت أطياف من التأويلات الحرة، وحُمِّلت كلمة "كمومي" بما لا تحتمل. وكأنها صارت تميمة سحرية يمكن إلصاقها بأي منتج ليمنحه هالة من الغموض والعمق.السرير الكمي هو واحد من ضحايا – أو بالأحرى، أدوات – هذا "الاستغلال الكمومي". إذ لا يوجد حتى اللحظة، أي دراسة علمية منشورة في مجلة طبية محكّمة تُثبت أن ترددات الضوء أو الصوت المُستخدمة في هذا السرير يمكنها التفاعل مع الحمض النووي، أو تسريع انقسام الخلايا، أو "تنظيف الطاقة السلبية" كما يُشاع. كما أن مفاهيم مثل "ذبذبات الشفاء الكمومي" و"تحفيز الحقول البيولوجية" هي عبارات شاعرية لكنها بلا بنية علمية قابلة للاختبار أو القياس.قد يُقال إن التجربة الشخصية أقوى من الدليل، وإن من جرب السرير شعر بتحسن حقيقي. هنا يدخل عاملٌ نفسي معروف في الأبحاث الطبية: تأثير الدواء الوهمي (Placebo Effect)، حيث يشعر المريض بتحسن حقيقي نتيجة إيمانه بالعلاج، لا بسبب فعاليته الموضوعية. وهذا التأثير قوي لدرجة أنه يُستخدم كخط اختبار رئيسي عند تقييم الأدوية، وقد أظهر في مئات الدراسات أنه قادر على تقليل الألم وتحسين المزاج وحتى تسريع الشفاء – كل ذلك دون أي مركب دوائي فعلي.ما يحدث في السرير الكمي قد يكون نتيجة لتأثير الإيحاء، الأجواء المحيطة، الموسيقى الهادئة، الأمل الذي يُضخّ في جسدٍ تعب من القلق. لكن ذلك لا يعني أن السرير يعالج فعلاً، بل يعني أن الدماغ يمكنه – في ظروف معينة – أن يداوي ذاته بنفسه.
إن خطورة هذه المزاعم لا تكمن فقط في بيع الوهم، بل في إغراء المرضى بترك العلاج الحقيقي، والاعتماد على جهاز لم يخضع لاختبارات صارمة. وقد حدث في حالات موثقة أن أشخاصًا مصابين بأمراض مزمنة لجأوا إلى علاجات كمومية وتخلوا عن العلاجات الدوائية، ما أدى إلى تدهور حالتهم، وأحيانًا وفاتهم.
هذا لا يعني أن الطب التقليدي لا يُخطئ، أو أن العلاجات البديلة كلها زائفة. بل يعني أن علينا أن نُفرّق بين ما هو مدعوم بالأدلة وما هو مجرد سردية جميلة دون جذور.العلم لا يرفض الأحلام، لكنه يُطالبنا بأن نختبرها. أن نزنها بميزان التجربة، أن نعرضها على محك القابلية للتكرار. فلا يكفي أن نقول إن الضوء الأزرق يعيد التوازن الخلوي، بل علينا أن نُظهر كيف، وكم، ولماذا، وتحت أي ظروف. وإلا فسنصبح مجرد رواة قصص في زمنٍ يحتاج إلى الحقيقة أكثر من أي وقت مضى.وفي نهاية المطاف، فإن الإنسان ينجذب – بطبيعته – إلى كل ما يُوحي له بالغموض والسمو. كلمة "كمومي" تجسّد هذا الغموض. لكنها في صيغتها الحالية على سريرٍ مضاء، ليست أكثر من طيف علميّ مُفرغ من محتواه.قد يجلس المرء على السرير الكمي متأملاً، شاعراً بذبذبةٍ هادئة تمر من أطرافه إلى قلبه، وقد يغفو قرير العين كأنه في حضن المجرة. لكن، ليكن واعيًا، أن العلم لا ينام. وأن الحلم الجميل، لا يصير حقيقة، إلا إذا وُلد في مختبر، وشهد له القياس، وأقرّه التكرار.
ففي زمن الضجيج الرقمي، لا نحتاج فقط إلى سريرٍ مريح… بل إلى وعي يقظ، لا ينام على وسادة الوهم.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الجيب العراقي... الحبل السري لاقتصاد طهران-
- العيد الذي غادرني
- بهرز… حين يصير النسيم تاريخًا ناطقًا بحضارة الألف عمر.
- كردستان... حيث يولد السلام من رحم الجمال
- حين تبتلع الأرض أبناءها... دجل الوطن وضياع القضايا-
- -اللص الشريف... عضو البرلمان الموقّر-
- كهنة الخراب: حين يتوضأ النفاق بدموع الفقراء
- ذي قار… نشيد الزقورة، ملحمة الرجولة، ووهج الأهوار
- العباءة السوداء التي تخنق النيل: التغلغل الصفوي في مصر وخطره ...
- صرخة لوط في ليل الضياع: عبرة لمن غابت رجولته وتنكرت فطرته.
- العراق بين قبضة الطغاة ووهج الثورة: صحوة الوعي وميلاد الغضب ...
- -فضائيات بلا أفق... مذيعون من كوكب التملق... وبرامج للبيع في ...
- -حين يقاتل الحالمون: كيف يغيّر الإبداع مصير العالم رغم الثعا ...
- وجعٌ يشبهك
- في زمن العري والسفاهة... حين صار العرض بضاعة في سوق النخاسة ...
- البصرة: قصيدة الجنوب التي لا تنتهي
- سيرة -رجل من خيال الزمان... في دروب الحرف ومرافئ الروح-
- -أمل دنقل... نايُ الجنوب الذي عزف للكرامة على وتر الوجع-
- رحلة في جحيم -1984- حيث الحبر دم والحرية وهم.
- حين يتعطر الوجع بالورد


المزيد.....




- أبو عبيدة يحذر: الجيش الإسرائيلي يحاصر مكانا يوجد به الأسير ...
- -على بُعد أميال قليلة فقط-، متى تصل السفينة -مادلين- لسواحل ...
- دمار في ولاية أركنساس الأمريكية بعد إعصار عنيف
- ضربة روسية موجهة بالليزر تفجر مخبأ للذخيرة الأوكراني
- الدويري: نتنياهو أمام خيارين لا ثالث لهما بشأن الأسير تسنغاو ...
- عائلات 13 مليون طالب صيني تعيش حالة طوارئ بالتزامن مع امتحان ...
- عيد فوق الركام.. فعاليات لإعادة الفرح لأطفال الجنوب اللبناني ...
- عضو في البرلمان الأوكراني تناقش هجوم روسيا الأخير على كييف و ...
- غزة: مقتل العشرات بنيران إسرائيلية بينهم ستة قرب مركز لتوزيع ...
- -إعلاء للمذهب-.. مقتدى الصدر يوجه دعوة لخطباء المنبر قبل حلو ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - السرير الكَمّي: بين وهج الوعد الكوني وسكون الحقيقة العلمية-