أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - لماذا بنو أميّة تحديدًا.














المزيد.....

لماذا بنو أميّة تحديدًا.


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 20:57
المحور: قضايا ثقافية
    


كان المساء يجلس على ركبتيه في آخر المدينة، يمضغ غبار القرون التي تراكمت فوق رؤوسنا ونحن ننشغل عن جوهر الإسلام بحفر مقابر للأحقاد. وكانت الطرقات الممتدة من مكة إلى دمشق، ومن الشام إلى الأندلس، تئنّ من ضجيج أسئلة التاريخ التي لم نُجب عنها إلا بمزيدٍ من الشتائم والتشويه. فمتى تخلّينا عن الحقيقة؟ ومتى سمحنا للذاكرة أن تصبح مجرّد ورقة في دفاتر المذهب والطائفة؟لم يكن بني أمية مجرّد سلالة حكمت، بل كانوا جسرًا طويلًا عبرت فوقه الدعوة الإسلامية من صحراء الجزيرة إلى أودية القوقاز وسهول الهند، يفتحون المدن بيد، ويخطّون الوحي باليد الأخرى. لكنّنا اليوم، لا نراهم إلا عبر ثقوب سوداء صنعناها بأنفسنا. نسينا أن معاوية كتب الوحي من بين يدي النبي، ونسينا أن أم المؤمنين أم حبيبة، زوجة الرسول، كانت ابنة أبي سفيان. لم تسبِها السيوف، ولم تُذلّها البنادق، بل قرّبها رسول الله وجعل لها في قلبه منزلة، وكأنّ النبوة أرادت أن تضعف كل نبوءات الحقد، وأن تعلّم الناس أن العداء القديم لا يمنع المودة المستقبلية.كان الصحابة يعرفون من هم بنو أمية، لا بأسمائهم فحسب، بل بجهدهم وصبرهم وجهادهم، فمنهم عثمان بن عفّان الذي جمع القرآن بين دفّتين كي لا يتبعثر كلام الله في بطون الرمال، ومنهم يزيد بن أبي سفيان فاتح لبنان، ويزيد بن معاوية الذي قاد أول جيش نحو القسطنطينية، وخالد بن يزيد مكتشف الكيمياء قبل أن تصبح علمًا.لكن هل سألنا أنفسنا لماذا يُلعَن بنو أمية في مجالس بعض الناس ليلًا ونهارًا؟ ولماذا يتمّ اختصار قرنٍ من الفتوحات والعلم، بحدثين أو ثلاثة؟ لماذا نُسلِّم ذاكرتنا للّعنة، ونمنع عن أنفسنا بركة الاعتدال؟إنّ ما فعله بنو أمية كان أكبر من سلطة، وأعمق من حكم. لقد حملوا الإسلام فوق أكتافهم وامتدّوا به كضوء فجرٍ جديد إلى ما وراء الأفق. عرّبوا الدواوين ليُفهَم الحكم، وسكّوا عملةً إسلاميّة ليُعرف اقتصاد الأمة، وبنوا أول أسطول في بحرٍ كان لا يعرف إلا صراخ الروم. أرسلوا دعاتهم إلى الصينيين، فسمّاهم الصينيّون "أصحاب الملابس البيضاء" لأنّهم جاؤوا بالنور، لا بالسيوف.إنّ الخلافة في عهدهم بلغت أقصى مدى، حتى ارتفع الأذان في جبال الهملايا، وتردّد فوق أدغال أفريقيا، وأطلت راياتهم على بوابات باريس، وكانت "لا إله إلا الله" تكتب في الهواء لا بالحبر، بل بالدمع والدّم.نعم، لم يكونوا ملائكة، ففيهم من ظلم وفيهم من عدل، لكن من ذا الذي يقود دولة بحجم الأرض دون أن يخطئ؟! لا أحد. لا في الأمويين ولا في العباسيين ولا في الفاطميين. لكن أن تُنكر ما فعله الأمويون للإسلام بحجة يزيد أو الحجاج، فتلك ليست عدالة، بل فتنة.
والنبي – صلوات الله عليه – لم يفتح بيوت بني أمية ليذلّهم، بل شرّفهم. تزّوج منهم، ورضي عنهم، وأمّنهم يوم دخل مكة، وأعلنها: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". فكيف نكون أرحم من رسول الله، ونحن نشعل نارًا بين أمته باسم الثأر؟
لقد تسلل المجوس إلى حكاياتنا، فحرّفوا معنى النسب، وبدّلوا روح الإسلام، حتى صرنا نرى العداء لبني أمية فضيلة، ونتقرب إلى الله بسبّ من رفع رايته! فهل نسي الناس أنّ الأندلس فتحها الأمويون؟ وأنّ جنوب فرنسا دخل الإسلام زمنهم؟ وأنّ عبد الرحمن الداخل الأموي أنقذ الأندلس حين كادت تضيع؟ وأنّ عمر بن عبد العزيز – وهو أموي – جُعل خامس الخلفاء الراشدين لما نشر من عدل وإحسان؟
لا نحتاج اليوم إلى جيوش تفتح المدن، بل قلوبًا تفتح قلاع الكراهية. نحتاج أن نعود إلى الفكرة الأصلية: أنّ الإسلام جاء ليجمع، لا ليفرّق. وأنّ من حملوه بعد وفاة نبيّه كانوا بشرًا يصيبون ويخطئون، لكنّهم بالمجمل، أقاموا حضارة، ونشروا نورًا، وعلّموا العالم أنّ دين محمد لا يعرف الحدود.فلنتوقف عن تقليب المواجع، وعن لعق جراح الماضي، ولنسأل أنفسنا: من الذي ينتفع من بقاء النار مشتعلة؟ من الذي يستثمر في الشتم والتجريح؟ أليس أولئك الذين يريدون أن نختلف إلى الأبد، حتى لا نتّفق على كلمة سواء؟
بنو أمية لم يكونوا آلهة، لكنهم أيضًا لم يكونوا شياطين.إنّ ما فعلوه يكفي ليجعلنا نترحّم على محسنهم، وندعو لمغفرة مسيئهم، ونحمد الله أن حملوا هذا الدين من صحراء الجزيرة إلى أطراف الأرض.فكفّوا عن جلد أمّةٍ على جدار ماضٍ لم نكن فيه، وأشعلوا شمعةً في محراب الإنصاف.
ربما كان سؤالنا اليوم:"لماذا بنو أمية تحديدًا؟!"
ليس سؤالاً للتشكيك، بل سؤالاً لكشف الحقيقة التي خنقها الغبار الطائفيّ، وللعودة إلى وعيٍ موحّد يجعل من الأمّة جسدًا واحدًا، لا أشلاءً تتصارع فوق مائدة التاريخ.فلنقرأ التاريخ لا لننتقم، بل لنتعلم كيف نكمل طريق الذين سبقونا إلى الله… فوق خيولٍ بيضاء، وتحت راية لا إله إلا الله.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ديمقراطية على ضوء القمامة.. وحبر الانتخاب في يد السنونو!-
- -منفى الرمق الأخير-
- هاتف الثلج.. الناطق بلسان وطن لا بلسان سلطان.
- -ضباب لم يأتِ-
- السرير الكَمّي: بين وهج الوعد الكوني وسكون الحقيقة العلمية-
- -الجيب العراقي... الحبل السري لاقتصاد طهران-
- العيد الذي غادرني
- بهرز… حين يصير النسيم تاريخًا ناطقًا بحضارة الألف عمر.
- كردستان... حيث يولد السلام من رحم الجمال
- حين تبتلع الأرض أبناءها... دجل الوطن وضياع القضايا-
- -اللص الشريف... عضو البرلمان الموقّر-
- كهنة الخراب: حين يتوضأ النفاق بدموع الفقراء
- ذي قار… نشيد الزقورة، ملحمة الرجولة، ووهج الأهوار
- العباءة السوداء التي تخنق النيل: التغلغل الصفوي في مصر وخطره ...
- صرخة لوط في ليل الضياع: عبرة لمن غابت رجولته وتنكرت فطرته.
- العراق بين قبضة الطغاة ووهج الثورة: صحوة الوعي وميلاد الغضب ...
- -فضائيات بلا أفق... مذيعون من كوكب التملق... وبرامج للبيع في ...
- -حين يقاتل الحالمون: كيف يغيّر الإبداع مصير العالم رغم الثعا ...
- وجعٌ يشبهك
- في زمن العري والسفاهة... حين صار العرض بضاعة في سوق النخاسة ...


المزيد.....




- البابا لاوُن الرابع عشر يخرق قواعد اللباس البابوي بقبعة بيسب ...
- لحظة انفجار ألعاب نارية أطلقت خلال احتجاجات سياتل المناهضة ل ...
- بعد قصف منشآت إيران النووية.. شاهد كيف تستعد إسرائيل لرد انت ...
- الأردن يعلن انتهاء فترات الإنذار بعد اعتراض أجسام دخلت المجا ...
- رأي.. عمر حرقوص يكتب عن الضربات الإسرائيلية ضد إيران: الحرب ...
- هل تأثرت المنشآت النووية الإيرانية التي استهدفتها إسرائيل؟
- إسرائيل تضرب إيران وتقتل كبار قادتها.. وطهران تتوعد بردّ قاس ...
- -لقمة مغمسة بالدماء-... فلسطينيون يروون معاناتهم في الحصول ع ...
- ما هي المواقع والشخصيات التي استهدفتها إسرائيل في ضرباتها ضد ...
- +++ إسرائيل تشن غارات على مواقع نووية وعسكرية إيرانية وطهران ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - لماذا بنو أميّة تحديدًا.