أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -ديمقراطية على ضوء القمامة.. وحبر الانتخاب في يد السنونو!-














المزيد.....

-ديمقراطية على ضوء القمامة.. وحبر الانتخاب في يد السنونو!-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 06:20
المحور: قضايا ثقافية
    


في بلادنا، لا تحتاج إلى نشرة أخبار لتعرف حال البلد، يكفي أن تفتح نافذتك. فالصباح يبدأ عندنا بزقزقة بائع الخضار الذي يصرخ كأنه يؤذن لعصر الغضب، ورائحة النفايات التي تسبقك إلى العمل. هذه المدن لم تعد تُبنى، بل تُنهك. كأنها دخلت في مباراة ملاكمة مع نفسها، كل يوم تتلقى ضربة جديدة، لكنها لا تسقط… لا لأنها قوية، بل لأنها ماتت واقفة ولم يُرفع عنها الستار بعد.

نعيش في زمنٍ صار فيه تكدّس النفايات جزءًا من المشهد الجمالي، وانقطاع الكهرباء لحنًا مألوفًا، وتلوّث الهواء موسيقى خلفية لصمت المواطن. المواطن… ذاك الكائن الذي يتنفس على استحياء، ويضحك بين أزمة ماء وأخرى، ثم يذهب إلى الانتخابات كما يذهب إلى حفلة تنكرية، يختار فيها قناعه المفضل: الأمل الزائف.

طالما أبهرتني هيئة الطيور وهي تحلّق، لا لأنها تطير، بل لأنها تعرف متى تهرب. تعرف أن تترك المكان حين يعجّ بالصراخ وتزكمه الروائح، حين تضيق السماء بالأسلاك السوداء وتتورم الأرض بنفايات لم تعد تملك حتى الجرأة أن تخجل من نفسها. الطيور لا تنتخب، ولا تعرف معنى الصندوق، ولا تهتف لأحد. الطيور أكثر وفاءً لنقائها من أن تبيع أجنحتها مقابل "تاهو" مستعملة أو كيس رز يتيم يُرمى قرب صورة شيخ عشيرة يقبض بالدولار ويقسم بالشرف.

لو كنتَ طائرًا، لربما نجوت. لكنك مواطن. مسكينٌ بما فيه الكفاية كي تكون واقفًا منذ الخامسة صباحًا أمام صهريج ماء لا يصلح إلا لغسل أحذية الحكومة، ومع ذلك تشربه. نصفك كلى فاسدة، والنصف الآخر صبر. تشحن هاتفك على شمعة، وتغسل قميصك بماء مالِح، ثم تخرج لتدلي بصوتك في انتخاباتٍ كأنها مشهد سريالي من مسرحية عبثية. أصوات ترتفع، شعارات تتطاير، وصناديق تمتلئ... لا بشيء، سوى بآهات العجائز الذين حلموا يومًا أن يروا حاوية نفايات تُفرغ كل صباح لا كل عاشوراء.

يا له من وطنٍ عجيب! هنا لا يُقاس التقدم بعدد الجامعات، بل بعدد المولدات. لا تُقاس الراحة بنقاء الهواء، بل بمدى قدرتك على تقبّل الغازات التي تنبعث من سيارة حكومية صدئة تدهس وردة، ثم تكمل سيرها في موكبها المهيب. هنا، حين تريد أن تصرخ، يجب أن تسبقك سيارة مسرعة بمكبرات صوت تصيح: "أعيدوا انتخابه، فقد بنى مجاري!" بينما الحقيقة أن المجاري هي التي بنت مجده.

أيها السنونو... ما أجبنك لو قررت البقاء! كان من الأفضل أن تموت واقفًا على شاطئ مهجور، من أن تعيش بيننا تنقر في مزابل السياسة وتطربك موسيقى "المولدات". المواطن هنا لا ينام، بل يغيب عن الوعي وسط ضجيجٍ لا يُرحم، لا منبه فيه سوى صوت بائع الغاز يصرخ كأن القيامة قامت. الهواء مختنق، والقلوب أكثر اختناقًا. الكهرباء تسافر أكثر من الطائرات، والماء حين يأتي، يأتي وهو يحمل رسالة اعتذار من العصر العباسي.

ومع ذلك، نجدهم يصفّقون. وجوه مألوفة، لحى مشذبة، أصابع مغطاة بالحبر البنفسجي، وأكف تصافح السارق كأنها تبايعه على الخراب. الشيوخ أول من يهلل، يتفاخرون بأنهم قبضوا "سعر الصوت"، كأنهم في مزاد للخراف لا للبشر. من باعك البارحة سيبيعك غدًا، ومن اشترى سكوتك لن يهديك سوى المزيد من السواد.

المدينة تحتضر، والشوارع أصبحت قبورًا مكشوفة. الأطفال يلعبون بجوار مزابل ترتفع كأنها أبراج العاصمة، والشمس حين تشرق، تتساءل في حرج: هل يُسمح لي أن أضيء هذا الخراب؟ أم أن الفساد يسبقني ويشعّ قبل ضوئي؟

أخبرني، أيها السنونو، هل رأيت مدينة تتقيأ نفسها كل صباح؟ هل مررت فوق حافلات متهالكة تنقل الحزن كأنه سلعة مدعومة؟ هل لاحظت كيف يذوب الحياء من وجوهنا في زحمة المرور والضجيج، وكيف يموت الضمير بين صفوف الطوابير؟ نحن لا نعيش، نحن نرتّق الموت بالخيوط المهترئة للأمل.

وما زالوا يقولون: "صوتك أمانة!"، وأنا أقول: لو كانت الأمانة تُقاس بالأصوات، لما سُمعت صرخة أمّ تبحث عن دواء، ولا بكى أبٌ يطفئ نور الثلاجة كي لا تبتلع راتبه. نحن نصوّت كل يوم، لا بالصناديق، بل بالتنفس وسط العفن، بالصبر على انقطاع الماء، بالضحك على نشرة أخبار تعدنا بمترو وهمي، وتخفي في كواليسها صفقة إسمنت فاسد.

في كل شارع، في كل حاوية، هناك قصيدة ميتة، وهناك سنونو مذبوح بأصابع الديمقراطية الملطخة بالسُحت. ومع هذا، ما زال بعضهم يتفاخر بأنه صوّت و"خلّى كلمته تمشي"! لكن كلمتك تمشي على الزجاج، بلا حذاء، في مدينةٍ تكتب دستورها من عظامنا وتحتفل بعيد الاستقلال بتفجير جديد.

يا وطني، يا صخرةً نهشها الفساد ولم تنكسر… أما آن لك أن تلفظ هؤلاء الذين يحتمون بظلّك ثم ينهشون جذورك؟ أما آن للسنونو أن يُحلّق، لا بعيدًا، بل إلى داخلنا؟ أن يوقظ فينا الرفض؟ أن يعلّمنا أنّ الطيران لا يكون فقط بجناحين، بل بموقف؟ أن الماء النقي لا يُشرب من الحنفية، بل من ضمير لا يُباع؟

سيكتب التاريخ عن مدنٍ لم يكن فيها ماء نظيف، ولكنها ملأت صناديق الاقتراع. عن شعبٍ عاش في الظلمة، لكنه صفّق لمن سرق النور. سيكتب عن شيوخٍ باعوا أحفادهم مقابل مقاعد في وليمة الخراب، وعن عشائر انتخبت اللص، ثم بكته حين نهبها. سيكتب عن سنونو حاول أن يفرّ، لكن السماء كانت مختنقة بالدخان، وعن جيلٍ ظن أن الوطن كذبة كبرى، فصدّقها ومشى تحتها مطأطئ الرأس.

لكن ذات يوم... سيفتح أحدهم النافذة، ويشم هواءً نظيفًا، ويسمع زقزقة طائر لا يشتمّ رائحة مزابل السياسة، بل يحمل في منقاره أول ورقة تغيير... لا انتخاب.

وحتى يحين ذلك اليوم، سنواصل الطيران في أقفاصنا، لا أجنحة لنا سوى الألم، ولا سماء سوى الوهم.
نكتب لأن الصمت صار خيانة، ونحلم لأن الحلم آخر ما تبقى من النقاء.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -منفى الرمق الأخير-
- هاتف الثلج.. الناطق بلسان وطن لا بلسان سلطان.
- -ضباب لم يأتِ-
- السرير الكَمّي: بين وهج الوعد الكوني وسكون الحقيقة العلمية-
- -الجيب العراقي... الحبل السري لاقتصاد طهران-
- العيد الذي غادرني
- بهرز… حين يصير النسيم تاريخًا ناطقًا بحضارة الألف عمر.
- كردستان... حيث يولد السلام من رحم الجمال
- حين تبتلع الأرض أبناءها... دجل الوطن وضياع القضايا-
- -اللص الشريف... عضو البرلمان الموقّر-
- كهنة الخراب: حين يتوضأ النفاق بدموع الفقراء
- ذي قار… نشيد الزقورة، ملحمة الرجولة، ووهج الأهوار
- العباءة السوداء التي تخنق النيل: التغلغل الصفوي في مصر وخطره ...
- صرخة لوط في ليل الضياع: عبرة لمن غابت رجولته وتنكرت فطرته.
- العراق بين قبضة الطغاة ووهج الثورة: صحوة الوعي وميلاد الغضب ...
- -فضائيات بلا أفق... مذيعون من كوكب التملق... وبرامج للبيع في ...
- -حين يقاتل الحالمون: كيف يغيّر الإبداع مصير العالم رغم الثعا ...
- وجعٌ يشبهك
- في زمن العري والسفاهة... حين صار العرض بضاعة في سوق النخاسة ...
- البصرة: قصيدة الجنوب التي لا تنتهي


المزيد.....




- ظاهرة كونية غامضة.. العلماء يكتشفون أقوى انفجار شهده الكون ع ...
- منتجات غير متوقعة تحسن جودة النوم
- روسيا.. ابتكار بوليمرات قادرة على الإصلاح ذاتيا
- الدفاع الروسية: طائرة مسيرة تدمر آلية قتالية بريطانية الصنع ...
- تصعيد ميداني ينهي فعالية وقف إطلاق النار في طرابلس (فيديوهات ...
- خبير روسي يوضح العلاقة بين الحطام الفضائي وتغير المناخ
- ما الدروس التي يجب تعلمها من أفغانستان والعراق؟
- ترامب يواجه معاملة عدائية من الصحافة
- هل ستحافظ الولايات المتحدة على زعامتها العالمية؟
- الإعلام الياباني: انفجار بقاعدة كادينا الجوية الأمريكية في ا ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -ديمقراطية على ضوء القمامة.. وحبر الانتخاب في يد السنونو!-