أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين مزّق كسرى الرسالة: سُقوطُ العرشِ وتوريثُ الحقد — من تمزيق الوحي إلى تمزيق الأمة.














المزيد.....

حين مزّق كسرى الرسالة: سُقوطُ العرشِ وتوريثُ الحقد — من تمزيق الوحي إلى تمزيق الأمة.


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8369 - 2025 / 6 / 10 - 22:40
المحور: قضايا ثقافية
    


حين مزّق كسرى الرسالة: سُقوطُ العرشِ وتوريثُ الحقد — من تمزيق الوحي إلى تمزيق الأمة
في سالف العصور، حين كانت العروش تتكئ على جبابرة من حجر، وحين كانت الشمس تشرق على أكتاف الملوك وكأنها لا تضيء غيرهم، تسلل إلى التاريخ مشهد عظيم من مشاهد القدر. لم تكن الرسائل يومها مجرد كلمات مرسلة على ورق، بل كانت أقواسًا تشد القلوب وتفكك الممالك. ومن بين تلك الرسائل، سافرت رسالة محمد بن عبد الله ﷺ إلى كسرى بن هرمز، ملك الفرس، تشق صمت السنين، وتخترق سدود الغطرسة.قرأ كسرى الرسالة... لم يفهمها، أو فهمها وأرعبته. مزقها كما يُمزق الغرور مصيره، فارتجف التاريخ بين يديه. قال رسول الله ﷺ وقد بلغته الفعلة: "اللهم مزق ملكه". ولم تكد دعوته تُرفع إلى السماء، حتى نزلت فوق رؤوس الفرس كالصواعق.لم يكن تمزق مملكة كسرى تمزق حدود، بل تمزق قلب حضارة استبد بها الكبر وتورمت بالوهم، حضارة تبخترت على أجساد الشعوب، وادّعت لنفسها الخلود. لكنها وقعت من عليائها حين طعنت الرسالة، فطعنتها السماء.هرب كسرى لاجئًا إلى دستغرد، ذليلاً، منهارًا، يقضم أنفاسه ببطء. ثم أقبل عليه ولده "قباذ الثاني" مقيدًا بالحقد، فانقلب السجن على السجّان، وقُذف الملك العظيم في قبو ضيق لا يعرف الضوء، حتى مات كالمتسول، جائعًا، عطشانًا، وعلى جسده تتناوب السهام كأنها تؤدي صلاة نقمةٍ لا تشبع.لكن مأساة كسرى لم تكن سوى بدء الرقصة، رقصة الذل التي ستحطم تيجانًا وتلعن دماءً وتفضح باطنًا كتموه قرونًا خلف زخرف النار.قباذ، من بعد أن غسل دمه بدم أبيه، قدم فروض الولاء للروم، وأرجع إليهم ما سُلب، وكأن روما كانت الأمّ المرضعة، وكأن الهزيمة قدر تجب تلاوته كما تُتلى الأسفار.
قتل إخوته الثمانية عشر، ولم يُبقِ من سلالة كسرى غير العفن. ثم مات فجأة، أو قُتل كما مات قبله أبوه، والعرش فارغ إلا من الأنين. نُصّب الطفل أردشير ملكًا، لكنه لم يمضِ عامًا حتى ذُبح، لا لذنب، بل لأنه من دم كسرى، والدم قد صار لعنة.واحدًا تلو الآخر، يتهاوون: شهربراز، الملك الجنرال، مزّق الحفيد ونصب نفسه، ليُذبح بعدها وتُرفع امرأة إلى سدة الحكم. براندخت، حاولت أن تلملم أشلاء مملكة يتنفسها الشقاق، لكنها فشلت، وذُبحت كما تُذبح الخراف، بلا ضجيج.ثم تتابعت النكبات: أزمريدخت، المكللة بالرفض، فقأت أعينها يد الحقد، وقُتلت على يد ابن الجنرال الذي قتله رفضُها.ثم ظهر هرمزد الرابع، ليس من نسل كسرى، بل من بقايا طموح النبلاء، فتنازعت فارس على نفسها، كمن ينهش لحمه بيديه.
وفيما كانت السيوف الإسلامية تسير، كان الفرس يغرقون في دمائهم. يُنصّبون طفلاً، يقتلونه، يأتون بامرأة، يغتالونها، يرفعون رجلاً من العامة، يخنقونه. لم تكن تلك سياسة، بل لعنة نبوءة صدح بها نبيٌ من مكة: "اللهم مزق ملكه".
وفي أوج هذا الهوان، نُصّب يزدجر الثالث، يافعًا، بعيونٍ لم تعتد النيران. أراد أن يوقف الزمن، فتحالف مع الروم ضد المسلمين، وكان ذلك إيذانًا بانفجار الغباء في وجه الحكمة.
وها هي القادسية: يوم اجتمعت الفيلة والجند، فذُبحت الفيلة، وتهاوت الأعلام، ودخل العرب المدائن كأنهم يستردون حقًا مؤجلًا.
هرب يزدجر مذعورًا، سقطت كل قرية تحت قدميه، حتى وصل إلى خراسان، حيث لم يعد هناك من يستقبله بالاحترام، بل كان الموت في انتظاره. جاءه رجل، طعنه، سرقه، وتركه عاريًا، مضمخًا بدمه، كما لو كان التاريخ يعيد تمثيل موت جده.هكذا انطفأ الملك الكسروي... كما تنطفئ شمعة في مهبّ ريح لعنها الأنبياء.
لكن القصة لم تنتهِ هنا، بل بدأت تتلبس أقنعة جديدة. الحقد الفارسي الذي سقط على وجهه حينها، لم يُدفن. إنما انتقل كأفعى إلى أحقابٍ لاحقة، غيّر جلده ولم يغيّر سُمه. بدءًا من القرامطة الذين قتلوا الحجيج وسرقوا الحجر الأسود، إلى الحشاشين الذين جعلوا من الدين خنجرًا مسمومًا في خاصرة الأمة، إلى الدولة الفاطمية التي استغلت الشعارات الروحية في التأسيس لدولة سرّانية ذات طابع سياسي باطني، إلى الصفويين الذين مزجوا بين العمامة والبارود، وأعادوا إحياء الحقد القديم في ثياب جديدة.كل تلك الفرق لم تكن إلا نسخًا مجددة من لعنة كسرى، أقنعة للانتقام، وثأر مأخوذ من كراهية قديمة دفينة للإسلام، لا لأنه غزاهم بالسيف، بل لأنه عرّاهم من الزيف. لم يغفروا للإسلام أنه حوّل النار إلى نور، والمجوسية إلى فجر، والطبقية إلى مساواة.اليوم، تُرفع الشعارات الناعمة: "حب آل البيت"، "نصرة المستضعفين"، ووراءها تُخزّن السكاكين. يُبكى على الحسين، ويُداس على مبدأ جده. تُبنى مزارات وتُهدم حضارات. تُشن حروب عاطفية بمزيجٍ من اللطم والخرافة، وتُزرع الميليشيات في رحم المدن العربية، كما تُزرع الشوك في صدر الورود.
هذا الحقد ليس طارئًا، بل هو ثأر مؤجل منذ أن تمزق ملك كسرى. هو انتقام من التاريخ الذي كُتب بغير خطهم، ومن نبي لم يخرج من سلالتهم، ومن قرآن نزل بلغة لم تكن لغتهم.
إنها حرب بين نور نزل في مكة، وظلٍّ يحنُّ إلى نار زرادشت.إنه تمزق لم يبدأ في القادسية، بل بدأ عندما مزّق كسرى رسالة النبي، وتمادى خلفه الأحفاد في حياكة المكر، واللعب على العاطفة، والاحتماء بالدين من أجل طعنه.
لكنهم نسوا أن السماء لا تُخدع.

المصادر:
ابن كثير، البداية والنهاية، الجزء الرابع، باب بعث رسول الله إلى كسرى ملك الفرس.
الطبري، تاريخ الأمم والملوك، مجلد الدولة الساسانية.
المسعودي، مروج الذهب.
عباس محمود العقاد، عبقرية محمد.
فؤاد حسن، الحركات الهدّامة في التاريخ الإسلامي.
توماس أرنولد، الدعوة إلى الإسلام.


/



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -من الرقص على التكتك إلى السقوط من رفوف الوعي-
- لماذا بنو أميّة تحديدًا.
- -ديمقراطية على ضوء القمامة.. وحبر الانتخاب في يد السنونو!-
- -منفى الرمق الأخير-
- هاتف الثلج.. الناطق بلسان وطن لا بلسان سلطان.
- -ضباب لم يأتِ-
- السرير الكَمّي: بين وهج الوعد الكوني وسكون الحقيقة العلمية-
- -الجيب العراقي... الحبل السري لاقتصاد طهران-
- العيد الذي غادرني
- بهرز… حين يصير النسيم تاريخًا ناطقًا بحضارة الألف عمر.
- كردستان... حيث يولد السلام من رحم الجمال
- حين تبتلع الأرض أبناءها... دجل الوطن وضياع القضايا-
- -اللص الشريف... عضو البرلمان الموقّر-
- كهنة الخراب: حين يتوضأ النفاق بدموع الفقراء
- ذي قار… نشيد الزقورة، ملحمة الرجولة، ووهج الأهوار
- العباءة السوداء التي تخنق النيل: التغلغل الصفوي في مصر وخطره ...
- صرخة لوط في ليل الضياع: عبرة لمن غابت رجولته وتنكرت فطرته.
- العراق بين قبضة الطغاة ووهج الثورة: صحوة الوعي وميلاد الغضب ...
- -فضائيات بلا أفق... مذيعون من كوكب التملق... وبرامج للبيع في ...
- -حين يقاتل الحالمون: كيف يغيّر الإبداع مصير العالم رغم الثعا ...


المزيد.....




- شقيقة زعيم كوريا الشمالية تُهدد وتغازل.. دبلوماسية مشروطة مع ...
- -ضعيف يعالج ضعيفًا-.. أطباء في غزة يتضورون جوعًا كما مرضاهم ...
- الأم الحزينة في حضرة الغياب: أغنية فيروز الأخيرة مع زياد
- حلفاء إسرائيل يصعدون من ضغوطهم .. هل تتغير توجهات حكومة نتني ...
- ميرتس يلتقي عبدالله الثاني.. ما هي الخطوات القادمة بشأن غزة؟ ...
- أوكرانيا: مقتل 20 شخصا على الأقل إثر هجمات روسية استهدفت عدة ...
- هل قصفت تايلند كمبوديا بغازات كيميائية سامة؟
- المقاومة تستهدف قوات الاحتلال شمالي غزة وإسرائيل ترصد تصاعدا ...
- من زفاف إلى خيام الجوع.. محاصر أردني يناشد العالم من قلب غزة ...
- الطريق إلى زيكيم.. غزيون يبحثون عن لقمة عيش بين مخالب الموت ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين مزّق كسرى الرسالة: سُقوطُ العرشِ وتوريثُ الحقد — من تمزيق الوحي إلى تمزيق الأمة.