أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -الرگيّة التي فضحت نظام الحكم!-














المزيد.....

-الرگيّة التي فضحت نظام الحكم!-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8377 - 2025 / 6 / 18 - 13:59
المحور: قضايا ثقافية
    


في بلاد الرافدين، حيث تتقاطع الحضارات وتمتد جذور التاريخ حتى أعماق سومر وأكّاد، لا تزال الديمقراطية تُعامل كما تُعامل الرگية في السوق الشعبي: بالضرب، والشم، وأحيانًا بالتمني أن تكون حمراء من الداخل حتى لو كانت صفراء من الخارج. غير أن المفارقة الكبرى ليست في لون الرگية، بل في حجم الحياء الذي يفقده المواطن حين يتعلق الأمر بالمسؤولين، وكيف يتحول من خبير في انتقاء الفواكه إلى جاهل في انتقاء من يحكمه.الحكاية تبدأ، كالعادة، من هناك... حيث الإنسان يهرب من وطنه لا ليبحث عن الخبز، بل عن الكرامة. المواطن العراقي المقيم في ألمانيا قرر ذات ظهيرة أن يشتري رگية. لا شيء مريب حتى الآن، مجرد مشهد عادي لرجل شرقي يمارس هوايته المتوارثة عبر الأجيال: الطبطبة على الرگيات في الأسواق.وقف أمام صندوق الرگي، وباشر الطقّ والتربيت، ذلك الطقس الغني بالمعاني والرموز أكثر من أي استفتاء شعبي. الطبطبة عند العراقي ليست عبثًا، إنها خبرة، حدس، وموهبة وطنية تسري في العظام. لكنه لم يكن يعلم أن خلفه كانت تقف امرأة ألمانية، تتأمل المشهد كما يتأمل الأوروبيون رقصة التانغو في الأرجنتين: إعجاب، دهشة، ثم فضول.
"ليش تعمل طبطبة؟" سألته بلغة إنجليزية مشبعة بالدهشة.
"حتى أعرف الرگية حمرة لو بيضة." أجابها كمن يكشف سرًّا من أسرار دولة عظمى.
هنا وقع الانفجار الأخلاقي. المرأة، تلك التي لم تطبطب على شيء في حياتها سوى ربما شاشة اللمس في مطبخها الذكي، طلبت منه أن يختار لها رگية حمراء. وبالفعل، فعلها، ومن أول طقّة عرف قلب الرگية، وقطعها أمام عينيها فانبهر وجهها بلونها كما ينبهر العربي بوعود الانتخابات.
ثم، جاءت الطامة. سألت المرأة السؤال الذي لم يجرؤ أحد في البرلمان أن يسأله:"إذا أنتم عندكم هيچ خبرة تطبطبون على الرگيّة وتعرفونها حمرة لو لا... ليش ما تطبطبون على المسؤول قبل لا تحطوه على الكرسي؟"وساد الصمت.هكذا، بكلمة بسيطة، صفعتنا امرأة ألمانية لا تعرف شيئًا عن دروب السياسة العراقية، ولا عن محاصصتنا المباركة، ولا عن أصواتنا التي نضعها في صناديق تخرج منها أفاعٍ بربطات عنق. هي فقط استعملت منطق الرگي لتسأل عن منطقنا في الانتخابات، فخرسنا....الراوي يقول إنه "غلّس"، أي مارس فن التجاهل الذي نتقنه جيدًا. لكن صمته كان كصمت وطن بأكمله: ساكت عن جريمة جماعية نرتكبها كل أربع سنوات تحت شعار: "هذا اللي عدنا".
لو كانت الديمقراطية تُقاس بمهارة الطبطبة، لكان العراقيون من أعظم شعوب الأرض حكمًا وعدلاً. نحن لا نشتري رگية عشوائيًا، بل نسمعها، نقرأ ذبذباتها، نحاور قشرتها، نترجم رنينها الداخلي كأننا نمارس السحر. لكن، حين يتعلق الأمر بانتخاب من يحكمنا، نغلق آذاننا ونفتح قلوبنا للأوهام، ونقول: "خل نجربه، يمكن يطلع خوش آدمي"، كأنها لعبة "كص ولص".أين ذهب ذاك الحس العراقي العظيم حين نواجه صناديق الاقتراع؟ كيف يتحول المواطن من خبير في معرفة البطيخة إلى مغفّل يُقنع نفسه بأن الفاسد يمكن أن يتوب، والمجرب يمكن أن يبتكر؟ نحن لا نطبطب على المرشحين، لا نشمّهم، لا نراقب تاريخهم، فقط نبلعهم مثل ما نبلع رگيّة طلعت بيضة بعد فوات الأوان.هكذا تُحكم الأوطان: ليس بالخطب الرنانة ولا بالبرامج التلفزيونية، بل بالطبطبة. طبطبة الشعب على المرشح: هل صوته نقي أم أجوف؟ هل وعوده ناضجة أم متعفنة من الداخل؟ هل قلبه على العراق أم جيبه فقط؟ لكننا، ويا للعار، نضعه على الكرسي أولًا، ثم نكتشف أنه لا يصلح حتى لتقشير رگية.فلنصغِ إذًا لنصيحة تلك المرأة الألمانية: اطبطبوا على المسؤول قبل أن تضعوه على الكرسي! فإن طلع أحمر وناضج من الداخل، فحيّه وباركوا له. وإن كان بيضًا خاوٍ، فاقذفوه من حيث أتى، ولا تقولوا "نجربه"، لأن الوطن ليس رگية تُؤكل مرة وتُرمى.
عذراً أيها الشعب الطيب...
أنتم ملوك الطبطبة في الأسواق، لكنكم عبيد الخديعة في الانتخابات.
فهل آن الأوان أن تختاروا رگية الوطن كما تختارون رگية المائدة؟



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -سايكس بيكو الجديدة تحت توقيع ترامب... الشرق الأوسط يتهيأ لز ...
- -السماء تكتب بلون النار: مآلات الشرق في عصر الحرب الذكية-
- في حضرة العشيرة والطائفة: حين يتوارى الوطن خلف عباءة السلطة ...
- -حين صار عيد الصحافة مأتماً: من منابر الكلمة إلى مزامير الخر ...
- الوتر الذي أضاء العالم: موسيقى نصير شمة بين الحلم والدهشة .
- -الشرق الأوسط الجديد: رقصة الأفاعي على رماد الخراب-
- -وصار جلده رسالة-
- سقراط والديمقراطية العراقية: حين يُعدَم الوعي باسم الحرية
- قيامة الفجر... حين سقطت الجمهورية إلى حضن الغياب.
- من فيصل إلى فوضى.. ومن أتاتورك إلى أتاتوركية!
- -حكاية الحنفيش ومجزرة الذاكرة الانتقائية-
- -حينَ صارَ العيدُ مأتماً في الحويجة-
- دمعةُ الغبار
- -الهلال الملوث: كيف صدّرت إيران ثورتها من خيوط العمامة إلى ج ...
- حين مزّق كسرى الرسالة: سُقوطُ العرشِ وتوريثُ الحقد — من تمزي ...
- -من الرقص على التكتك إلى السقوط من رفوف الوعي-
- لماذا بنو أميّة تحديدًا.
- -ديمقراطية على ضوء القمامة.. وحبر الانتخاب في يد السنونو!-
- -منفى الرمق الأخير-
- هاتف الثلج.. الناطق بلسان وطن لا بلسان سلطان.


المزيد.....




- -الصواريخ بتعدي فوق روسنا زي الحمام الزاجل-.. محمد رمضان يعت ...
- الحرس الثوري يكشف تفاصيل ضربة مستشفى سوروكا في إسرائيل.. وصو ...
- إعلام عبري: الصواريخ الإيرانية أصابت أهدافا مباشرة في مدن تل ...
- سياسة برلين الشرق أوسطية على نار الصراع بين إيران وإسرائيل
- تواصل التصعيد الإيراني الإسرائيلي واتهامات إيرانية للوكالة ا ...
- نجم عابر قد يهدد استقرار نظامنا الشمسي
- بوتين وشي جين بينغ: لا حل عسكريا لقضايا الشرق الأوسط
- زاخاروفا: -بريكس- نواة النظام العالمي الجديد
- الكونغرس الأمريكي.. مشروع قرار يلغي -قانون قيصر- المفروض على ...
- توجيهات أمريكية بفحص الحضور الإلكتروني لطالبي التأشيرات التع ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -الرگيّة التي فضحت نظام الحكم!-