أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -حين صار عيد الصحافة مأتماً: من منابر الكلمة إلى مزامير الخراب-














المزيد.....

-حين صار عيد الصحافة مأتماً: من منابر الكلمة إلى مزامير الخراب-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 05:57
المحور: قضايا ثقافية
    


لم يكن يوم الخامس عشر من حزيران مجرّد تاريخ عابر في تقويم العراق، بل هو جذر ضارب في تربة الوعي، وعلامة بارزة في جبين الكلمة التي قاومت العتمة يومًا. إنه عيد الصحافة العراقية، اليوم الذي صدر فيه أول عدد من جريدة الزوراء سنة 1869، على يد الوالي العثماني مدحت باشا، لتكون الشرارة الأولى لولادة الوعي الإعلامي والثقافي في بلاد الرافدين.منذ ذاك الحين، لم تكن الصحافة مجرد أوراق تُنشر، بل كانت ضميرًا نابضًا، ساحة للحق في وجه الطغاة، وحاضنة للمثقفين والأدباء والشعراء، من الرصافي والجواهري، إلى فؤاد التكرلي وزملائه ممن صاغوا وجدان العراق بحروف نزيهة. كانت الصحافة شرفًا لا وظيفة، منبرًا لا سلعة، رسالة لا إعلانًا مأجورًا، وكانت بغداد تتباهى بعناوينها العريقة كما تتباهى بعطر دجلة وهو يعانق أبراجها القديمة.
ولكن، ما الذي بقي من كل هذا؟
الجواب موجع كطلقة في صدر شاعر.
لقد ماتت الزوراء، أو بالأحرى، ما عاد في العراق زوراء حقيقية. ما عاد في بغداد منبرٌ يشبه أوّل السطر، بل امتلأت البلاد بمؤسسات إعلامية من ورق، وأشباه صحفيين يتقنون التصفيق أكثر مما يتقنون اللغة. تحوّل العيد إلى مأتم، واختُطفت الصحافة كما اختُطف العراق: تارة باسم الدين، وتارة باسم الطائفة، وتارة باسم الوطن المزيف الذي يصنعه سماسرة الدم.اليوم، وفي زمن التكنولوجيا الفائقة، كان يُفترض أن تتطور الصحافة إلى منابر أكثر تأثيرًا واحترافًا، لكنها بدلًا من أن تصير فأسًا تبني، صارت معاول تهدم. دخلها من لا يفقه في الحرف شيئًا، وداس على بلاطها من لا يعرف من الثقافة سوى ما يُكتب في الفانشتات و"البوستات". سادت لغة الجهل، وتسيّد المشهد إعلاميون بلا أخلاق، تُدار حناجرهم من ريموتات حزبية، وتُحرّك أصابعهم دولارات مشبوهة.في برامج "التوك شو" التي تبث ليلًا، لا ترى صحفيًا بل مهرجًا، ولا تسمع رأيًا بل شتيمة مغلفة برخص السوق. العازف أصبح رئيس تحرير، والمأبون يقدم برنامجًا سياسيًا يُحلل فيه الطائفية بلكنة التمييز والكراهية، وكأن العراق ينقصه حطب إضافي لناره المشتعلة. لا لغة ولا فكر ولا مهنية، بل ترويج فجّ لمشاريع السفارات ومجالس الحشيشة السياسية، حتى باتت بعض القنوات تدار من بارات ومواخير لا من غرف أخبار.وإن تحدّثنا عن الصحافة الإلكترونية، فالحديث أشد مرارة: ذباب إلكتروني يحوم فوق جثث الحقيقة، وجيوش رقمية تتلقى الأوامر من غرف استخباراتية أجنبية، تروّج للباطل، وتقمع من يحاول قول الحق. صار الصحفي النزيه يخاف، يُهدد، يُقمع، يُهمّش، بينما يُدفع للمهرّجين والراقصين في بلاط الطغاة.
هكذا تسللت الأحذية الأجنبية من تحت أقدام السفارات إلى رأس الصحافة العراقية، وأصبح من كان يبيع الهوى في الملاهي، يبيع الوطن في المقالات. لم تعد المؤسسات الصحفية تخرج العقول، بل تُخرّج الشتامين والمرتزقة، وتطبع ما يُملى عليها دون أن يرفّ لها جفن أو ضمير.
يا عيد الصحافة، هل تعرف أنك تُحتفل في بلد صار فيه الحرفُ عبئًا؟في بلدٍ يُقتل فيه الصحفيون وتُغلق أفواههم، لا لأنهم أساؤوا، بل لأنهم حاولوا قول الحقيقة؟أهذا عيدك يا قلم العراق؟ أن يُدار الإعلام من قبل تجار الأعضاء وباعة الأوطان؟ أن يتحول المنبر الحرّ إلى بوق مأجور؟ أن تختفي هيبة الصحفي وتُستبدل بشخص يرقص مع كل من يدفع له أكثر؟لم تعد الصحافة مرآة المجتمع، بل مرآة السُلطة. ولم يعد الصحفي حارس الوعي، بل حارس مصالح فاسدة.
ووسط هذا الخراب، لا نملك سوى البكاء على قلمٍ كان يومًا ضوءًا، وها هو اليوم مكسور الجناح في وطنٍ لا يسمع سوى الطبول.ربما لا نحتاج عيدًا للصحافة، بل نحتاج مأتما لها.
نحتاج وقفة عزاء لا احتفالًا، كي نتذكّر أن الكلمة كانت ذات يوم مقدسة، قبل أن تدوسها أقدام من لا يعرفون للصحافة معنى، ولا للوطن حرمة.
تمّت... بقلب موجوع وقلم يغلي بالأسى.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوتر الذي أضاء العالم: موسيقى نصير شمة بين الحلم والدهشة .
- -الشرق الأوسط الجديد: رقصة الأفاعي على رماد الخراب-
- -وصار جلده رسالة-
- سقراط والديمقراطية العراقية: حين يُعدَم الوعي باسم الحرية
- قيامة الفجر... حين سقطت الجمهورية إلى حضن الغياب.
- من فيصل إلى فوضى.. ومن أتاتورك إلى أتاتوركية!
- -حكاية الحنفيش ومجزرة الذاكرة الانتقائية-
- -حينَ صارَ العيدُ مأتماً في الحويجة-
- دمعةُ الغبار
- -الهلال الملوث: كيف صدّرت إيران ثورتها من خيوط العمامة إلى ج ...
- حين مزّق كسرى الرسالة: سُقوطُ العرشِ وتوريثُ الحقد — من تمزي ...
- -من الرقص على التكتك إلى السقوط من رفوف الوعي-
- لماذا بنو أميّة تحديدًا.
- -ديمقراطية على ضوء القمامة.. وحبر الانتخاب في يد السنونو!-
- -منفى الرمق الأخير-
- هاتف الثلج.. الناطق بلسان وطن لا بلسان سلطان.
- -ضباب لم يأتِ-
- السرير الكَمّي: بين وهج الوعد الكوني وسكون الحقيقة العلمية-
- -الجيب العراقي... الحبل السري لاقتصاد طهران-
- العيد الذي غادرني


المزيد.....




- ترامب يعلن دعمه لحلف -الناتو- وهذا ما قاله عن بوتين بعد مهلة ...
- -موسكو لا تبالي-.. ميدفيديف يرد على تهديدات ترامب لروسيا بشأ ...
- مشهد -نادر-.. عدسة مصور في السعودية توثق عائلة من حيوانات ال ...
- بعد دخول القوات الحكومية إلى السويداء.. وزير الدفاع السوري ي ...
- الجيش الإسرائيلي يأمر سكان غزة وجباليا بإخلاء عاجل، وحماس تت ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل 3 جنود في غزة.. ويعترض مسيّرة أطل ...
- سلسلة غارات استهدفت البقاع في لبنان.. والجيش الإسرائيلي: قصف ...
- 35 مسلحًا من حماس اقتحموا قاعدة -موف داروم- في 7 أكتوبر.. تق ...
- في يوم تكريم 66 من حاملى راية الكد والمجهود.. عمال مصر يرفضو ...
- بوتين -أخطأ- في رهانه على ترامب.. ومصر تعزز وجودها العسكري ف ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -حين صار عيد الصحافة مأتماً: من منابر الكلمة إلى مزامير الخراب-